الدين الشامل والشخصية المتوازنة (1)


لو كانت سيارتك مجهزة بنظام ملاحة يدلك على المكان الذي تريد، ماذا لو كانت الخارطة في هذا النظام خاطئة ام ماذا لو كانت ناقصة هل ستصل المكان؟ فهذه الخارطة بمثابة التصور الذهني والقناعات التي يشكلها البشر، وانت السيارة التي تهتدي بهذا التصور او الخارطة الذهنية.
فأي خلل نجده في السلوك البشري مرجعه حتما الى التصور الذهني والقناعات التي يحملها صاحب هذا السلوك.
فمن المستحيل ان يستقيم العمل والسلوك والفكر والتصور غير مستقيم، كما قال الشاعر:
متى يستقيم الظل والعود اعوج
فلما كانت هذه القناعات والتصورات الذهنية هي الموجه الاساسي لسلوك البشر، كانوا لابد بحاجة الى تصور عام شامل يهتدوا به، ولابد لهذا التصور من ان يكون شاملا لجميع حاجات الحياة من جهة، شاملا لجميع حاجات الانسان المادية والروحية من جهة، متوازنا في حاجاته متكاملا في شموله.
لكن هل بمقدور البشر ان يصلوا او يقتدروا على وضع هذا التصور!؟
لا يمكن ان تجئ فكرة بشرية او منهج من صنع البشر يتمثل فيه هذا الشمول ابدا، فهو لابد محكوم بطبيعة نفسه ونزواتها، محكوم ببيئته وثقافتها وعاداتها، محكوم بقناعات فكرية سابقة، انه تفكير جزئي وتكفير وقتي، ومن جزئيته يقع النقص، ومن وقتيته يقع الاضطراب الذي يحتم التغيير فهو لابد ان يخرج بادية فيه البصمة البشرية، فهو كذلك بحكم مصدره البشري.
من اجل ذلك تكفل رب البشر بوضع هذا التصور، ولم يترك الناس هملا يجتهدوا بوضع ذلك، وهذا من رحمة الله، لذا كان اعظم نعمة لله على الناس ان بعث فيهم الرسل، قال موسى ممتنا على بني اسرائيل: (يابني اسرائيل اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم انبياء) ومن اعظم خصائص هذا التصور انه شامل متكامل متوازن، وذلك كونه رباني المصدر، ومثل هذا لا يكون إلا كذلك.
فلا غنى لاحد عن هذا المنهج الذي وضعه الله للبشرية، انه من ضروريات وجودهم، من ضروريات كونهم يتحركون يذهبون ويجيئون، يتناكحون، ويأكلون ويشربون ويتبايعون لذا قال ابن القيم رحمه الله: حاجة الناس الى الشرائع اعظم من حاجتهم الى الطعام والشراب والنكاح.
لكن هل اراد الله لجميع الشرائع ان تكون شاملة ام اراد ذلك لهذا الدين الخاتم فقط؟
هذا ما سأبينه في المقال المقبل.
إمام وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
Alathr3y@gmail.com