قصص من الحياة الدخول إلى المتاهة (8-23) أحوال معيشية

تصغير
تكبير

 


سنعيش مع النزلاء في هذه الحلقة...


أول الدخول إلى العنبر كإيراد جديد يذهب النزيل في زنزانة خاصة تسمى الأحوال وفيها مسؤول العنبر حيث يتم تسجيل بياناته وتحديد الزنزانة التي سيسكن فيها النزيل ثم بعد ذلك يدخل الزنزانة الخاصة به، الزنزانة فيها عدد من النزلاء، حيث يتم المشاركة بينهم في الطعام والشراب بعزبة معينة وهي عبارة عن مبلغ من المال يسلم للمسؤول عن الماجلة أو الطعام بصورة اسبوعية أو كل اسبوعين مرة حسب الزيارات، يتم من خلالها شراء الثلج لتبريد الماء في الصيف وبعض المعلبات التي تفرغ من علبها وتوضع في علب بلاستيك... حيث يمنع دخول المعلبات في العنابر.


الطعام يسلم حسب الموجودين في الزنزانة لكل مجموعة كمية معينة من الرز والدجاج أو البيض والأجبان في طعام الافطار، طبعا عادة ما يكون الطعام بارداً ويتم تسخينه بطريقة مبتكرة وهي أن يقوم أحد أفراد الزنزانة باحضار سلك حراري خاص من زنزانة أخرى يتم توصيله بطريقة معينة في البلاك الخاص بالإنارة بعد ذلك يتم تشغيله ليعطي حرارة تشبه تلك الحرارة المنبعثة من المدفأة التي تعمل بالسلك الحراري، ويتفنن بعض النزلاء بصنعها حيث يقوم البعض بعمل فراغات معينة في الطوب ويتم ادخال السلك داخل الفراغات وهكذا يحصلون على أفضل سخان ولا فيليبس.


أما أواني التسخين فيتم الحصول عليها عن طريق التهريب أو سرقتها من المطبخ وهذا يذكرني بمواقف عدة حدثت لي عندما كنت مشرفا على الافطار الرمضاني فقد كنت أوفر للنزلاء التائبين وجبة افطار في شهر رمضان وهذا النشاط تقوم به جمعية بشائر الخير في شهر رمضان من كل عام، أذكر انني تعاقدت مع مطبخ خاص وكان المسؤول عنه رجل مصري اسمه أحمد، واتفقت معه على توفير الوجبة الرمضانية، وكنا وقتها نحضر بوفيه كامل بأوانيه المعدنية الفاخرة، وكان درسا لا ينسى، تم وضع البوفيه، وتم استدعاء النزلاء لتناول وجبة الافطار طبعا كان معظمهم غير صائمين وتمت دعوتهم لتناول الافطار، وهجم الجميع على البوفيه، وابتعدنا جميعا وما ان تفرق الجمع حتى فوجئنا بأن النزلاء شطبوا على الطعام، والأواني، ما جعل الأخ المصري يصرخ في القاعة... فين المواعين يابوحمد؟ الله يخرب بيوتكم في المواعين... الله وكمان المعالق... الله يخرب بيوتكم.


وتم تعويض المسكين على الأواني المفقودة وطبعا نعرف جيدا من أخذها ولكنها لن تعود أبداً... وبعد ذلك استمر النشاط ولكن بأوان بلاستيكية، ومن دون الأخ أحمد الذي حرم التعامل معنا.


بعد سرقة الأواني أو شرائها يوضع الطعام فيها ليتم تسخينه واعادة تأهيل الطعام كوضع الشطة والبصل والتوابل والصلصة وتقليبه... ثم بعد ذلك يقدم للجميع في الزنزانة.


بعض النزلاء لا يستطيعون الدفع للعزبة ويرجع ذلك لأسباب عدة منها أن البعض يقوم بشراء المواد المخدرة بالمال الذي تضعه له الاسرة في الأمانات فينسطل بها يوم واحد ثم يعيش على الأكل الناشف الذي يوفره مطبخ السجن وغالبا ما يتطفل على الزنزانات الأخرى، والبعض الآخر تبرأ منهم أسرهم بعد الضرر الذي تسببوا فيه لهم وهؤلاء كثيرون، فمعظم النزلاء متكرري الدخول إلى السجن قد تبرأ منهم ذووهم. وأعرف عددا كبيرا منهم أولاد ناس وعوائل محترمة، يعيشون الآن في غرف مع العزاب الوافدين، تخيلوا بعد العز والسكن في الفلل تجدهم الآن يشاركون العزاب الوافدين في غرفة لا تجد فيها حتى سجادة... أي ذل هذا وإلى أين يصل المدمنون؟


نلتقي غداً لأن هؤلاء عوروا قلبي.


إلى اللقاء.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي