لماذا نصوم؟

تصغير
تكبير

على الرغم من التقدم الحضاري الذي تشهده الإنسانية في هذا العصر فإنها تعيش في قلق واضطراب وذلك نتيجة بعدها عن الله واهمالها للقيم الروحية النابعة من وحي السماء وتعاليم الأنبياء والصوم في مقدم الفرائض حتى يرتفع الإنسان الى المستوى الرفيع الذي أراده الله له... فهو رياضة روحية وعبادة بدنية ترتفع بها النفس البشرية من اوحال المادة، فالصوم تصفية للنفس وتطهير للضمير الانساني على اختلاف الاديان والمذاهب.


إلا ان هناك سؤالا يفرض نفسه ويتردد على ألسنة كثير من الناس وهو: ما الحكمة المستفادة من فريضة الصيام؟ والجواب عن ذلك: أننا معشر المسلمين نصوم لا لحكمة واحدة ولكن لحكم كثيرة نجدها في الصوم ولا يتسع المجال لذكرها جميعا فنذكر بعضا منها:


- نحن نصوم امتثالا لامر الله ما دمنا نؤمن بالله فقد فرض علينا نحن معشر المسلمين عن طريق رسوله (صلى الله عليه وسلم) ان نصوم شهرا كاملا من كل عام فالصوم اذن عبادة مفروضة وركن مهم من اركان الاسلام الخمسة: «يأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» (البقرة: 83).


- نحن نصوم لأن في الصوم تكفيرا للذنوب بقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حديث شريف: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» (رواه النسائي واحمد).


- نحن نصوم لأن الصوم نصف الصبر والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب.


- نحن نصوم لأن الصوم كما هو نصف الصبر فالصبر نصف الايمان والايمان يدعو إلى العمل الصالح والإيمان والعمل الصالح يهديان الى الجنة. يقول تعالى: «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نُزلا» (الكهف: 107).


من ذا الذي يسمع ان في الجنة بابا أسمه «الريان» لا يدخل منه الا الصائمون ثم لا يقبل على الصوم فرحا مسرورا وينتظر شهر الصوم.


- نحن نصوم لان في الصوم تربية للنفس وتهذيبا للخلق فينشأ الصائم مطبوعا على الخصال الكريمة والاخلاق الطيبة والسلوك الحسن.


- نحن نصوم لان الصوم يربي في الانسان قوة الارادة والعزيمة وكلنا في حاجة الى المزيد من قوة الارادة والعزيمة الصادقة الهادفة التي تحول بين المرء وبين اقتراف المعاصي التي حرمها الله.


- نحن نصوم لان الصوم يغرس فينا قوة التحمل فكلنا معرضون لهزات الفقر العنيفة والحرمان البغيض والبعد عن الأهل والوطن فلو ان انسانا لم يعود نفسه على احتمال ألم الجوع وطول المعاناة عند نزول المحن كيف يواجه أمثال تلك النكبات وكيف يصبر على ما لم يتعود عليه من قبل؟ حقا ان الصوم درس عملي يفيد منه كل من شرح الله صدره للاسلام.


- نحن نصوم لان الصوم يربي صفة المراقبة الدائمة ويدربه عليها تدريبا عمليا فمن تربى على مراقبة الله عز وجل لا يمكن ان يسلك في حياته العملية سلوكا معيبا او يتصرف تصرفا شائنا وهذا هو غاية الاحسان.


- نحن نصوم لان ممارسة الصوم في شهر واحد وفي أيام معينة من كل عام يشترك فيه القاصي والداني من المسلمين في انحاء العالم بشكل أمة مؤمنة واحدة موحدة هذه الامة التي يربط بين أفرادها رباط وثيق من المشاركة الوجدانية والشعور بالتضامن الاخوي لان المؤمنين اخوة. فماذا تمثل هذه الامة العظيمة؟ انها تمثل اسرة واحدة يفرح الفرد فيها لفرح الآخرين ويتألم لآلام الآخرين.


- نحن نصوم لأن الصوم جُنّة كما ورد في الحديث القدسي فاذا سبه أحد أو قاتله فقد أمر ان يقول: «إني أمرؤ صائم... اني امرؤ صائم» فهو بذلك يتقي المشاحنة وما تجر اليه من صدام.


- نحن نصوم لأن الصوم يقي من كثير من الامراض المستعصية التي تفتك ببني الانسان ومن الاطباء من قال في الصوم الكثير وقبل هؤلاء وهؤلاء بعشرات القرون يقرر معلم الانسانية الأول وطبيبها الحاذق وملاك رحمتها (صلى الله عليه وسلم): «ان المعدة هي بيت الداء فيقول (صلى الله عليه وسلم): «ما ملأ آدمي وعاء شر من بطنه». (رواه الترمذي والحاكم).


- نحن نصوم لكي نحس بآلام الفقير الجائع الذي لا يجد قوت يومه فاذا صمنا أدركنا مدى ما يعانيه هو وأولاده طول العام فتدمع القلوب وتسخو النفوس وتمتد الايدي بالعطف والحنان. من هنا ندرك ان فريضة الصوم تخلق مجتمعا حساسا مرهفا مجتمعا عطوفا رحيما مجتمعا متكاملا متعاونا لا تجد له مثيلا في المجتمعات الأخرى ذات المبادئ المستوردة من هنا وهناك وذات القوانين الارضية المصطنعة التي تتغير كل حين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي