عهد شارل حلو... بدأ عهده باسم «الشهابية» وانتهى بـ ... القضاء عليها


| بيروت ـ من أحمد الموسوي |
في اليوم التالي لانتهاء ولايته في 23 سبتمبر 1964 ، ذهب الرئيس فؤاد شهاب الى بيته. هو ذهب لكن «الشهابية» العسكرية استمرت في الحكم، من خلال الفرقة العسكرية، ومن خلال المكتب الثاني وضباطه.
كان اهل التجديد لشهاب وفي طليعتهم كمال جنبلاط ورشيد كرامي، قد تيقنوا من الرئيس انه لا يريد فعلاً البقاء في الحكم، فقد رفض مرات عدة النزول عند رغبتهم، فأعلنوا عندئذٍ التراجع عن الموقف المتخذ بتعطيل نصاب كل جلسة نيابية اذا لم تكن للتجديد، وأبدوا في 11 اغسطس 1964 موافقتهم على حضور جلسة انتخاب الرئيس الجديد.
العهد والشخص
النائب السابق محمود عمار، وكان من كتلة الرئيس كميل شمعون المناوئة لشهاب، يقول عن تلك الفترة «ان الرئيس شهاب كان رجل دولة مثالياً وقد حاول بناء دولة بالمعنى الفعلي لكنه لم يوفّق. احتاج الى المزيد من الوقت في الحكم، لذلك لم يكن زاهداً كل الزهد في التجديد لنفسه ولايةً ثانية غير انه فضّل ان يستمر نهجه في الحكم من دون شخصه، ولذلك تنحى بعدما لمس، وكان ذا حاسة شمّ سياسية قوية جداً، ان ثمة اعتراضاً دولياً على استمراره في الحكم، كما لمس ان النقمة على عهده وخصوصاً على الساحة المسيحية، قد بدأت تتسع، وهي ستزداد اذا جدّد لنفسه، ففضل الرحيل.»
والنائب السابق محمود عمار، هو من أقدم البرلمانيين اللبنانيين عمراً وتجربة، فهو شارك في انتخاب ثمانية رؤساء جمهورية، بدءاً من الرئيس فؤاد شهاب عام 1958 ، فخلَفه الرئيس شارل حلو ، وصولاً الى انتخاب الرئيس الياس الهراوي بعد اتفاق الطائف في 24 نوفمبر 1989.
عمار يعترف بأنه في كل هذه التجربة المديدة في الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن النيابية، لم ينتخب مرة بملء رضاه الرئيس الذي يريده، باستثناء مرة واحدة وهي انتخاب الرئيس الياس سركيس الذي كان يريده وجاءت «كلمة السر» الانتخابية متوافقة مع ارادته.
عن سبب إحجام الرئيس شهاب عن التجديد، قال عمار: «كان خصومه المسيحيون قد بدأوا يستعيدون حضورهم، وبدا له انهم سيزدادون قوة خصوصاً الرئيس كميل شمعون وريمون اده، وكانا على علم بعدم رضا غربي على التجديد له».
• لماذا؟
- لا ننسى ان شهاب جاء بإرادة مصرية - اميركية، وقد امّن له ذلك توازناً داخلياً استطاع من خلاله الحكم، فتحالف على الساحة الاسلامية مع كمال جنبلاط ورشيد كرامي، واتكأ في الساحة المسيحية على دعم بيار الجميّل وحزب الكتائب بوجه الرئيس شمعون الذي كان يملك حب الشارع المسيحي. وفي عهد شهاب اضطربت العلاقة مع الجميل، لدرجة ان الاخير رشح نفسه لرئاسة الجمهورية بوجه مرشح شهاب شارل حلو. ثم ان موقع عبد الناصر الذي اطلق يد شهاب في المسائل الداخلية مقابل الدعم المطلق لسياسة مصر الخارجية، كان اخذ يضعف في العالم العربي مع بدء انحسار المد الناصري القومي الذي امّن للرئيس شهاب دعماً اسلامياً غير مسبوق، وكانت اسوأ انتكاسة لعبد الناصر قد وقعت حين حصل انقلاب في سورية العام 1961 اطاح بالوحدة التي تحققت بينها وبين مصر العام 1958.
• من كان يملك كلمة السر في عدم التجديد لشهاب؟
- اعتقد انها وصلت يومها الى رئيس مجلس النواب كامل الاسعد الذي كان يزور الرئيس شهاب للتشاور معه في الاستحقاق الرئاسي، وفي كل مرة كان يخرج من عنده ويقول عبارته الشهيرة «لم استأنس».
• وكيف تم اختيار شارل حلو رئيساً؟
- لم يكن احد يطرح اسم شارل حلو، ولم اسمع من احد ان اسمه مطروح، ولكن قبل موعد جلسة الانتخاب بأيام قليلة، دعا الرئيس رشيد كرامي فجأة، وكان رئيس الكتلة الشهابية، كبرى الكتل البرلمانية في المجلس، الى اجتماع في الكارلتون، وهناك اعلن التأييد لشارل حلو.
• هل كان شهابياً؟
- لم يكن شهابياً ولم يكن ضد الشهابية في بادئ الامر، لكنه في ما بعد حاول الخروج من الشهابية.
• والى اي مدرسة سياسية كان ينتمي؟
- كان صديقاً ومتأثراً جداً بالدستوري الكبير ميشال شيحا، وكان رجلاً على ثقافة عالية، ورجل انفتاح وحوار.
• مَن انتخبه؟
- كلمة السر بانتخابه جاءت من الفاتيكان.
• فقط؟
- الفرنسيون كانوا يريدونه ايضاً، فقد كان ذا ثقافة فرنسية واسعة جداً.
• والاميركيون؟
- لم يعترضوا عليه.
• وعبد الناصر؟
- لم يعترض ايضاً، وخصوصاً ان من طرح اسمه للرئاسة هو فؤاد شهاب.
• وماذا كان موقف الرئيس شمعون؟
- عارض انتخابه في البدء، ثم اعلن تأييده له وطلب منا انتخابه.
أمن واستقرار
كان شارل حلو رابع الرؤساء، لكنه اول رئيس لبناني ينتخب في ظروف طبيعية. فالرئيس بشارة الخوري جاء انتخابه في ظل الصراع على انتزاع الاستقلال من الانتداب الفرنسي، والرئيس شمعون جاء انتخابه بعدما وقفت البلاد على شفير حرب داخلية بسبب التجديد للخوري ولاية ثانية لم يكملها وأجبر على الاستقالة في منتصفها، اما الرئيس فؤاد شهاب فقد انتخب كتسوية لوقف حرب اهلية كانت قد بدأت وتفجرت في نهاية عهد شمعون العام .1958
بدأ عهد حلو مستقراً، واستمر في الحفاظ على نسبة كبيرة من الاستقرار حتى نهاية عهده التي ستترافق مع نهاية الحقبة الشهابية التي اخذت في التراجع شيئاً فشيئاً. فمنذ تسلم حلو مقاليد الحكم راح يخفف من ثقل ضغط العسكر على الحياة السياسية، فألغى اولاً الغرفة العسكرية التي انشأها شهاب في القصر الجمهوري، ثم حدّ من تدخلات «المكتب الثاني» الذي كان يحكم البلاد في الظل. ومنذ ذلك الحين بدأ يُطلق على مدير هذا المكتب غابي لحود اسم «الجنتلمان» في اشارة الى التزامه الاتفاق على الحد من تدخلات العسكر في الحياة السياسية والعامة.
تراجع العسكر، فعادت الحركة السياسية لتأخذ مداها وحريتها، وكانت الاشارة الاولى لذلك نتائج الانتخابات الفرعية التي اجريت في قضاء جبيل عام 1965 والتي فاز فيها خصم الشهابية ريمون اده على المرشحة نهاد سعيد. كان ذلك بداية الطريق لعودة خصوم العهد الشهابي الى الواجهة والقيادة السياسية على الساحة المسيحية بعدما تم اقصاؤهم عنها في انتخابات العام 1964 . ثم جاءت الخطوة التالية بانشاء الحلف الثلاثي عام 1967 الذي ضم كميل شمعون وريمون اده وبيار الجميل حليف الشهابية سابقاً، وهو الحلف الذي خاض الانتخابات النيابية بجبهة واحدة ضد العهد الشهابي عام 1968 والتي قضت نتائجها على حكم المكتب الثاني وحكم الامن والعسكر.
عاش عهد شارل حلو على رصيد الاستقرار والهدوء اللذين ورثهما عن حكم شهاب وعسكره. وكان بذلك الوحيد الذي نجا بعد عهد شهاب من اضطرابات دموية لاحقة ستبلغ ذروتها في عهد خلَفه سليمان فرنجية مع الحرب التي اندلعت عام 1973بين الجيش اللبناني والمنظمات الفلسطينية التي كانت قد استمدت شرعية حمل السلاح في لبنان لمقاومة اسرائيل من «اتفاق القاهرة» الذي ابرم بينها وبين السلطات اللبنانية عام 1969. ومن ثم مع الحرب الاهلية الطاحنة عام 1975 التي ما زال يعيش لبنان في ظل آثارها وارتداداتها حتى اليوم.