أين «الأونروا»؟

تصغير
تكبير

|   طرابلس (شمال لبنان) - من عاطف خليل ورنا زيد   |


 


رغم أن أحداث مخيم نهر البارد قد حُسمت، وانتهى بشكل كامل خطر مجموعة «فتح الإسلام»، لا يزال نازحو مخيم نهر البارد، يعيشون ظروفاً صعبة، من المقدر لها أن تزداد سوءاً، على أبواب فصل الشتاء المقبل.


وفي هذا التحقيق الذي وصل الى «الراي» عبر البريد الالكتروني من الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، سيتم فيه تسليط الضوء قدر المستطاع على الأوضاع الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والحياتية الصعبة، التي يعيشها ما يقارب أربعين ألفاً من النازحين.


 


على الصعيد التربوي


باشرت وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» بعد طول انتظار، بناء مدرستين جاهزتين في مخيم البداوي، بهدف استيعاب طلاب مخيمي نهر البارد والبداوي، في خطوة تهدف إلى إنقاذ العام الدراسي. هذا مع الإشارة إلى أن مدارس «الأونروا» في مخيم البداوي يقطنها عائلات نازحة، وترفض الخروج منها إلا إلى مساكنها الأساسية في مخيم نهر البارد، التي نزحت منها تحت وطأة عنف الاشتباكات (منذ أكثر من ثلاثة أشهر).


ورشة العمل في بناء المدرستين بدأت على قدم وساق، إذ تعمل الجرافات على تسوية قطعة أرض تقع على مقربة من ملعب عمر كمال عند المدخل الشمالي لمخيم البداوي وتمهيدها. أما العقار الذي ستوضع فيه المدرستان الجاهزتان فتبلغ مساحته 6460 متراً مربعاً، ويرجّح «بدء الدراسة فيهما في غضون شهر على الأكثر، بعد أن تتسلم مديرية التربية في الأونروا المدرستين من مديرية الهندسة فيها».


ويشير مصدر من قسم التربية في «الأونروا» الى أن المدرسة الواحدة تتألف من ثلاث طبقات، تضم كل منها 24 قاعة تدريس، وتتسع كل قاعة لنحو 50 طالباً، وهذا يعني أن جزءاً كبيراً من أزمة المدارس والعام الدراسي قد يتم تجاوزه وتعالج المدرستان جزءاً مهماً من مشكلة طلاب المخيمين، الا ان سعتهما القصوى لن تزيد عن أربعة آلاف طالب، في ما عدد طلاب المخيمين يبلغ 8900 طالب (5400 طالب في مخيم نهر البارد، و3500 طالب في مخيم البداوي وبهذا تحاول «الأونروا» معالجة مشكلة المدارس الرسمية في البداوي، التي يقيم فيها نحو أربعمئة عائلة نازحة، لأنها لا نريد إنقاذ العام الدراسي لطلاب المخيمين على حساب طلاب البداوي وغيرها.


وبهذا الحال اذا كانت المدرستان تستوعبان ألفي طالب كل دفعة، أي أربعة آلاف طالب بعد الظهر وقبله تكون الأونروا حلت قسما كبيرا من المشكلة ويبقى المطلوب ايجاد مدارس اخرى في اماكن اقامة البيوت الموقتة في جوار البارد وداخله. فـ«الأونروا» بدأت عامها الدراسي لطلاب الشهادتين البكالوريا بأقسامها والمتوسطة في المدارس التابعة لها في مدينة طرابلس، وتكون بذلك حلت المشكلة الكبيرة من قضية الطلاب، وهم طلاب صفوف الشهادات الرسمية، معتبرة ان تأخير العام الدراسي لبقية الطلاب ليس فيه ضرر كبير لكلا المخيمين.


المدير العام لـ«الأونروا» وعد النازحين أثناء زيارته الاخيرة الى مخيم البداوي أن الأونروا ستولي اهتماما في الطلاب الجامعيين النازحين من مخيم البارد، الا ان هذا الامر لم نلمسه واقعياً حيث لم تكن نتيجة قبول طلاب سبلين مهتمه بطلاب نهر البارد، بل على العكس جاءت اقل من الاعوام الماضية حيث المقبولين في سبلين عدد ليس كما كان متوقعا مع العلم ان نسبة النجاح في شهادة البكالوريا الثانية لطلاب نهر البارد جاءت مئة في المئة.


أما في شأن المنح الجامعية لطلاب الجامعة العربية في بيروت فوضعت «الأونروا» معايير لهذه النسبة ولم تؤخد بعين الاعتبار اولوية للطلاب النازحين من نهر البارد، مع العلم ان عدد المنح الجامعية لهذا العام زادت الى 180 منحة بعد أن قدم الاتحاد الأوروبي عددا من المنح. ولهذا الأمر نفذ الطلاب الجامعون منذ اسبوع اعتصاماً أمام مكتب «الأونروا» في البداوي يطالبون فيه الأونروا بتأمين منح جامعية مجانية لطلاب نهر البارد، وإلا سيتحول طلاب البارد الى نازحين عن مقاعد الدراسة بعدما تم اجبارهم على النزوح من مخيمهم، كما أرسل الطلاب مذكرة الى منظمة التحرير الفلسطينية، داعين اياها الى تحمل مسؤولياتها الوطنية تجاه ابناء شعبنا ومنهم طلابنا النازحون. ويبقى السؤال : من ينقذ طلابنا الجامعيين النازحين من نهر البارد من خطر النزوح عن مقاعد الدراسة؟


 


على الصعيد الصحي


تقوم «الأونروا» وعبر عيادتها الوحيدة في مخيم البداوي بتأمين المعاينة الصحية لأهالي مخيم البداوي والنازحين من نهر البارد، مما يشكل ضغطا كبيرا في العيادة حيث يحضر الى العيادة يومياً اكثر من ألف مريض للمعاينة، ناهيك عن اصحاب المرض المزمن الذين يتلقون دواء شهرياً.


مع العلم أن الأطباء المداوين في هذه العيادة هم فقط ثلاثة أطباء الشيء الذي يشكل ضغطا على الطبيب، مما يؤدي الى عدم فحص المريض بشكل جدي. مع الاشارة الى ان العيادة منذ بدء ازمة نهر البارد تفتح حتى المساء. وهنا لا بد ان تقوم الأونروا بزيادة عدد الاطباء حتى نضمن معاينة جيدة للمرضى.


أما من جهة اخرى ومنذ بدء ازمة نهر البارد بدأت «الأونروا» بتأمين تحويلات إلى مستشفى الاسلامي والمظلوم في طرابلس، إضافة الى استمرار تعاقدها مع الهلال الاحمر الفلسطيني في البداوي. أما المشكلة الأكبر فتبقى في تأمين الادوية غير الموجودة في صيدلية «الأونروا» فتم الحديث ان الوكالة ستقدم كل انواع الدواء وان لم يوجد في العيادة فسيتم شراؤه على نفقة الوكالة الا ان هذا الشي لم يطبق فعليا كما يجب. إن النزوح الكثيف والمفاجئ من نهر البارد الى البداوي كشف الوضع الصحي الهش الذي كانت تعاني منه المخيمات الفلسطينية في لبنان وخصوصا منطقة الشمال، والذي أدى بالنتيجة الى تقصير واضح في كل المجالات الصحية ورغم الجهود الضخمة التي بذلت من المؤسسات الصحية كافة العاملة في البداوي، بالاضافة الى المساعدات الطبية المحلية والدولية المشكورة.


فمخيم البداوي يضم مشفى صفد التابع لجمعية الهلال الاحمر الفلسطيني، وهو عبارة عن مشفى صغير يضم 24 سريرا ويحتوي على معدات طبية متواضعة نسبة الى المشافي اللبنانية. ورغم استنفارها لكل طواقمها على مدار الساعة، الا انه يبقى عاجزا عن تقديم الخدمات الطبية الكافية للنازحين من البارد واهالي البداوي الاصليين. وكان يستقبل في عيادته عشرات بل مئات المرضى في مختلف الاختصاصات، لكنه بقي عاجزاً عن تقديم الخدمات للجميع، هذا اضافة الى ان العديد من العيادات والمستوصفات الطبية فتحت ابوابها لاستقبال المرضى، والتي حصلت على مساعدات طبية محلية ودولية أو خاصة. ورغم انها قامت بدور تشكر عليه الا ان ذلك كله كان أقل بكثير من المطلوب، ناهيك عن الهلال الاحمر القطري قام بدور يشكر عليه في مجال تقديم الخدمات الطبية.


وأشار الدكتور رائد الحاج إلى أن الصورة العامة هي أن حجم الأزمة والنزوح وقلة المستشفيات والمراكز الصحية ومحدودية امكانياتها، ورغم كل الجهود المبذولة والمشكورة ادى الى نتيجة وحيدة وهي ان عموم النازحين لم يتلقوا الرعاية الصحية الكافية بالحد الادنى، واذا ما استمر الوضع القائم كما هو، فانه يؤسس لكارثة صحية كبيرة. ولذلك فإن عناية المسؤولين عن الشأن الصحي يجب أن توجه الى التالي:


أولاً: تحسين الخدمات الطبية نوعا وكماً والتنسيق الكلي بين كافة المؤسسات المعنية.


ثانياً: المطلوب من «الأونروا» تطوير خدماتها وتوسيع طواقمها الطبية. ثالثاً: بات المطلوب من جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني تطوير امكانياتها وتوسيع طواقمها الطبية ووضع خطة صحية كفيلة بتلبية حاجات النازحين والمقيمين.


رابعاً: الاستفادة من امكانيات الاتحاد العام للاطباء الفلسطينيين والذي قام بجهود مشكورة بالتنسيق مع كافة المؤسسات الطبية للبدء بندوات توعية صحية هدفها منع تفشي الامراض والترشيد الصحي لتصل لاكبر عدد من النازحين.


خامساً: تأسيس لجان صحية داخل تجمعات النازحين هدفها التوجيه الصحي السليم. والتعاون الجدي من قِبل النازحين مع المؤسسات المعنية كافة في الشأن الصحي، خدمة لأنفسهم، ومن أجل عودة الى مخيم نهر البارد بأقل الأضرار الصحية المحتملة.


وأخيراً فإن قضية النازحين من نهر البارد يجب أن تولى أهمية كبرى من قبل المسؤولين الفلسطينيين ومؤسسات المجتمع الدولي، بما ينهي قضية النزوح بعودة سريعة وكريمة الى مخيم نهر البارد، لأن المخيم بما يمثله يشكل عنوان نضال اهله الى حين العودة الى فلسطين وفقا للقرار 194 الصادر عن الامم المتحدة.


 


الإغاثة


منذ نشوء أزمة نهر البارد ونزوح سكانه الى مخيم البداوي تدافعت المؤسسات والجمعيات الاجتماعية الفلسطينية واللبنانية والاجنبية مشكورة لتقديم المعونات والمساعدات الانسانية للنازحين وتأمين الاحتياجات الضرورية لهم مثل الفرش ومواد غذائية، وبدأت الجمعيات باجراء عمليات احصاء ورصد لعدد ومكان النازحين، إذ وصل عدد النازحين الى البداوي بداية الازمة الى ما يقارب 32000 نازح.


وبعد مرور الأيام ونتيجة الاكتظاظ السكاني في مخيم البداوي غادر جزء منهم الى امكنة ومخيمات اخرى، ويشير احد العاملين في هذا المجال إلى أن المؤسسات قدمت وبتمويل من جهات مانحة المواد الغذائية وحليب الاطفال وادوية والبسة وغيرها. وبعد اطالة حالة النزح بدأت المؤسسات بتخفيض تقديماتها الى حد توقفها، إلا انها استؤنفت مع بداية شهر رمضان، هذا اضافة الى التقديمات التي قدمها «تيار المستقبل» عن روح الشهيد رفيق الحريري من فرش ووجبات طازجة مازالت تقدم الى الان، اضافة الى هدية «حزب الله» التي هي عبارة عن مواد غذائية وحرامات تم توزيعها، والتقديمات التي قدمت باسم منظمة التحرير الفلسطينية.


أما بالنسبة إلى «الأونروا»، وهذا الاهم، فإنها تباطأت في تقديم المساعدات للنازحين ولم تقدم أي مساعدات بداية النزوح، وما قدم من خلالها كان من هيئة تنسيق المؤسسات الاجتماعية. والان تقدم «الأونروا» اعاشة شهرية عبارة عن علبة تموين ومواد تنظيف تقدم لكل عائلة شهرياً. وفي هذا السياق نذكر أن قضية الاغاثة مازالت  من دون المستوى المطلوب بحيث لم تلب احتياجات النازحين. وبما ان الاحتياجات ليست محصورة بالمواد الغذائية فقط، بل هناك قضايا اخرى بحاجة اليها النازحون في ظل زيادة البطالة في صفوف النازحين التي تصل اليوم الى حد 90 في المئة، مع الاشارة الى اننا مقبلون على فصل الشتاء والناس بحاجة الى حرامات وفرش والبسة شتوية وغيرها، وعلى المؤسسات ان تأخد بالحسبان هذه القضية. هذا بالنسبة إلى الاغاثة العينية، اما بالنسبة إلى توزيع الهبة السعودية التي وزعت مبالغ نقدية للعائلات المتضررة من معارك نهر البارد والتي شملت في مرحلتها الأولى ما يقارب 4500 عائلة من نهر البارد و1800 من البداوي، والآن وصل كشف آخر للذين لم تكن أسماؤهم في الكشف الاساسي 460 للبارد وما يقارب 350 للبداوي، واذا ما جمعنا الكل يصبح الرقم 7150 عائلة تقريباً التي استفادت من الهبة السعودية. وتجدر الإشارة الى انه تم توزيع مبالغ للعائلات اللبنانية من هذه الهبة، مع العلم ان العائلات الجديدة احتسبت شيكاتهم من الهبة الإماراتية التي كان يجب ان توزع لعائلات نهر البارد بمبلغ ألف دولار اميركي، ولكن الآن تم التصرف بها ولم يعد هناك مبالغ توزع منها لأن «الأونروا» ايضا احتسبت ما تم توزيعه للعائلات بدلاً من ايجار البيوت أيضاً من هذه الهبة. وفي شأن الإيجارات التي يجب أن توزعها «الأونروا» من مساعدة مقدمة من الاتحاد الأوروبي لا يُعرف أين ذهب مبلغ 600 ألف يورو المقدمة لهذا الموضوع، ليتم الاستعانة بالهبة الاماراتية. وهذا سؤال يشغل بال الكثيرين من النازحين، وبدأت الاحاديث تدور بين النازحين عن فساد وسرقات تتم من خلال أزمة النازحين وأصبح الناس يسألون: الى متى ستبقى «الأونروا» وغيرها من دون رقابة على أعمالها وتقديماتها؟ والسؤال ايضاً ماذا قدمت «الأونروا» من نفقتها للنازحين؟ ولماذا الهدر الملاحظ في هذا الشأن وهل تبقى نصف موازنة «الأونروا» تذهب لموظفي الدرجة الاولى والدرجتين في خطة طوارئ «الأونروا» الذي تصل مصاريفهم مبالغ هائلة؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي