الهدية... جيل اليوم يحبها خفيفة غالية فهل كانت أجيال الأمس مختلفة؟

تصغير
تكبير
| تحقيق ندين عبد الله |

لم يختلف أمر الهدية منذ البدء!


فهي أولا عربون محبة، أو دليلها، وهي عنوان للتواصل، بين المحبوب والمحبّ، والأحباء أنواع وألوان!


والهدية رمز...


والرموز أشكال مختلفة، فمنها المبهر للعين، أو المداعب للفؤاد، أو المعبر عن إحساس بغير كلام!


ومنذ البدء كان كل شيء تبرّ به القريب إلى قلبك هدية، واحتل هذا السلوك مكانته في قلوب البشر حتى أن الأنبياء قبلوا الهدية وحضوا عليها مجردة من الغرض والمصلحة والرشوة... ونبي الأمة محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم قال في الحديث الصحيح (تهادوا تحابّوا).


وللهدايا مناسباتها، رسمية وخاصة في عمق الشعور، ولأيام السعد بهجتها نعم، لكن لها ضرائبها على أولياء الأمور!


فالأب يفرح نعم، لكنه لا بد أن يدفع، وكذا العم والخال والأم والقرابة، وبين هذا وذاك تتعدد درجات الالتزام، ولكل موقع من المحبة والقرابة والمعرفة والصداقة والزمالة نصيبه، وما دام الخير عميما والرفاه، فلا بد من الهدية والهدايا.


لكن الهدية لها أوزانها وأثمانها، فالقليل الثمين على القلب كالورد مثلا، لا يصلح للزوجة كل الوقت، وكذا الأبناء أو الشقيقات والأم أم الحبايب كلهم... والأمثلة كثير.


لكن المستفاد من تطور العادات والتقاليد في شأن الهدية هو أن الجيل الجديد متهم بالمادية في الهدية والنظر إليها وتقييمها، فهل كان أبناء الأمس من الأجيال الماضية بريئين من هذا الفهم، والطمع؟


تظل الهدية مهما اختلفت اشكالها وتنوعت صورها رمزا من رموز التقدير والامتنان، ومع تطور عصرنا الحالي كان لابد لعالم الهدايا البسيط، ان يتطور ليواكب العصر الحديث، حيث تنوعت المناسبات كعيد الحب، وعيد الأم، وعيد الاب، واختلفت مناسبات الهدايا فمن هدية للتهنئة برمضان وأخرى بمناسبة شراء السيارة الجديدة، والمنزل الجديدوالمواليد، وحتى المهور أصبح لها طريقة خاصة في التقديم لتصبح كالهدية!


ومع كثرة المناسبات التي يحتار امامها الناس تلعب محلات الهدايا والتغليف دورا كبيرا في مواجهة الطلب المتزايد على الهدية، بل تطور الامر الى تغليف الهدية الذي قد يحول الهدية البسطية الى عجيبة من عجائب الدنيا السبع!


ولكن هل أصبحت هذه المحلات تتاجر بالمناسبات والأعياد؟


وهل هناك أكثر من المناسبات، والأعياد؟


فمن عيد «فالانتاين» إلى عيد العلم تتوجب على بعض الناس الهدايا والمكافآت على شكل هدية تكاد أن تكون لبعض الرجال سيلا لا ينقطع طوال العام.


هل أصبحت الهدية تشكل مسؤولية اجتماعية؟ وهل أصبحت نوعا من النفاق الذي يستتر وراء بريق ورق الهدايا؟


وهل أصبح التغليف أهم من الهدية؟


وهل تغير شكل الهدية بتغير النظرة اليها؟


لنبدأ الجولة على عالم الهدية بحوار مع صاحب محل لتغليف الهدايا:


• أخبرنا كيف كانت بداية فكرة محل الهدايا وتغليفها؟


- بدأت محلات الهدايا بالظهور في التسعينات، وكانت بسيطة جدا وتقتصر على بيع اصناف محدودة من الهدايا، ولم تكن تلك المحلات تقدم فكرة التغليف، ولكن بدأ الزبون يطلب ان تغلف هداياه بدلا من ان يتقيد بالشيء الموجود في المحل من الهدايا، حتى ظهرت كحرفة وفن وانتشرت بشكل كبير جدا، وفي الكويت هناك محلات متخصصة بفن الهدايا وتغليفها ويتنافس على هذه المهنة قطاع مزدهر في بلدان الخليج وفي طليعتها الكويت.


• هل تعني ان محلات الهدايا بدأت من الكويت؟


- الكويت تحتل الصدارة في فكرة محلات الهدايا وتغليفها وربما كان ذلك على المستوى العربي.


• ما الفئات التي تقبل على محلات الهدايا وتستهويها فكرة التغليف المميز؟


- أكثر الفئات هي الشباب، خاصة في ما يتعلق بهدايا أعياد الميلاد و الزواج والاعياد عموما.


• هل تغلف الهدايا فقط ام تبيع الهدايا؟


- في المحل اقدم الخدمتين معا، ويوجد الكثير من الهدايا الجاهزة والتي تختص بمناسبات معينة، وهي تعبر عما يريد الشخص ايصاله لمن يهديه الهديّة.


• ما أنواع المناسبات التي تختص بتصميم هدايا لها؟


- كل انواع المناسبات... زواج وخطوبة... واعياد ميلاد، ومواليد وحتى هدايا للمنزل الجديد والسيارة الجديدة... بالمختصر كل ما يدل على فرح.


• ما سبب ارتفاع سعر الهدايا في المحل بالمقارنة مع الهدايا العادية، وما سر ارتفاع سعر تغليف الهدايا؟


- نحن نوفر على الزبون الكثير، فعلى سبيل المثال عند شراء هدية او تغليفها، فلو اشترى الزبون المواد التي نستخدمها ليغلف هديته، فستكون التكلفة عليه أكبر... فالريبون والزهور التي نستعملها لا نحسبها على الزبون بقيمتها الحقيقية، وهو لو أراد شراءها فسيتكلف كثيرا لانه سيشتري بالقطعة، اما المحل فيشتري بالجملة، وهنا يقع التوفير لصالح الزبون كما ان النتيجة مضمونة.


• من أين تقتبس أفكار الهدايا و التغليف؟


- لدينا فراد متخصصون بمراقبة كل ما هو جديد من مواد الهدايا، وبشتى الاستخدامات، والتغليف عملية تتطور كل يوم ، وهؤلاء يلاحقون اخر الصرعات من اكواب العصير والهدايا الرمضانية وغيرها.


• كم يتراوح سعر الهدايا الجاهزة وكم يكلف تغليف الهدايا؟


- تبدأ الاسعار من 5 دنانير ونهايتها مفتوحة!


• ممكن ان يصل سعرها ل 200 دينار؟


- ممكن 200 او 300 او 500 كمجموعة هدايا كاملة.


• هل ممكن ان نعتبر ان هذه المحلات موضة؟


- لا المحلات موجودة منذ التسعينات، ولكنها انتشرت كثيرا مؤخرا وبدأت تنتشر من الكويت الى الخارج كلبنان وسورية.


• ولكن الا تعتبر لبنان سباقا في محلات الهدايا؟


- بالعكس فمحلات الهدايا المختصة ظهرت حديثا هناك أي بعد الكويت لان أصحاب المهنة انتقلوا من هنا الى لبنان وبدأوا فيها مؤخرا.


• المواد التي تستخدم في الهدايا وفي التغليف من أين تحصل عليها؟


- هناك مواد نستوردها من الخارج وهناك مواد نحصل عليها من السوق المحلي الذي لا يمكن ان نستغني عنه.


وتبقى المسألة قضية ذوق ونظرة فالقطعة قد تكون موجودة في السوق ولا يلتفت إليها أحد نأخذها ونطورها ونجملها ونبتكر منها شيئا جديدا بالرغم من أنها كانت موجودة ولم يعرها أحد أي اهتمام.


• هل تسافرون لجلب مواد تستخدم في تغليف الهدايا؟


- نسافر الى كثير من الدول لان مثل محلاتنا يجب ان توفر كل ما هو فريد من نوعه وخاصة في موسم «الفالانتاين» و مواسم الاعياد ورمضان.


• هل الهدايا تتغير بتغير المواسم؟


- نعم لكل موسم هداياه الخاصة... و(ستايله) الخاص، والتصميم ننزل به مرة واحدة ولابد من التجديد.


• هل تعتمدون على موسم معين ام أن العمل متواصل طوال العام؟


- أعياد الميلاد لا تتوقف طوال العام ولكن العمل يزداد خلال فترات معينة.


• ما اخر صرعات الهدايا وتغليفاتها؟


- من اخر الصرعات البراويز التي تهدى مثل المباركة في البيت الجديد، والتي تحمل آيات قرآنية، وأخيراً ظهر عيد للأب كعيد الأم تماما، كما في «الفالانتاين» أصبح بالإمكان تقديم «تي شيرت» تحمل كلمات المرسل بخط يده، ونحن نثبت ما كتبه ليصبح جاهزا للاهداء، وهذه تحمل معاني وقيمة كبيرة للمهدى إليه، خاصة عندما تكون بخط اليد وتحمل توقيع صاحبها، فهي تظل ذكرى جميلة وبسيطة ويبقى لكل مناسبة صرعتها.


• وهل لرمضان طقوس خاصة من الهدايا؟


- نعم التهنئة بحلول الشهر عن طريق تقديم هدية بسيطة تبارك بالشهر الفضيل عوضا عن القرقيعان بأشكاله المتنوعة.


• المواليد لهم نصيب من التصميمات والهدايا والتغليفات؟


- المواليد لهم نصيب الاسد فأصبح عرض هدايا المواليد والكاكاو الخاص بهم يفوق سعر المادة نفسها فالعرض يلعب دورا كبيرا وقد يكلف من 600 الى 800 ديناروأحيانا 1200 دينار بينما لا يتجاوز سعر الهدية او الكاكاو الـ 50 دينارا فأصبح من يأتيه مولود يضرب اخماسا بأسداس من هذه الاسعار.


• ولماذا هناك تفاوت في الاسعار بين المحلات؟


- لكل محل نظامه ومستواه، وزبائنه، وبعض المحلات تجعل الزبون يدفع سعر البرستيج! واسم المحل ومهنتنا مثل أي مهنة اخرى، ففيها تنوع في الاسعار وكما أحلق شعري بدينار في صالون معين يمكن أن أقصه بـ 10 دنانير في محل اخر!.. ولهذا فإن تغليف الهدية يتراوح بين مئة فلس، وألف دينار!


• هل لديكم في المحل طاقم عمل؟


- لدينا طاقم عمل متكامل من مصممين ونحاتين وحدادين ورسامين وخطاطين ولتصل الهدية بشكلها النهائي فقد مرت بمراحل كثيرة على عكس ما يعتقده البعض بأن المحل به عاملتان فقط.


• هل للهدايا ستايلات؟ قديمة؟... حديثة؟... وهل تنفذ حسب رغبة الزبون؟


- نعم لكل زبون طلبه الخاص بما يخص ستايل الهدية او التغليف، فهناك من يفضل الستايل القديم، وهناك من لا يحب أشياء معينة ونحن نمشي حسب رغبة الزبون.


• هل تتلقى طلبات غريبة؟


- نعم أتلقى الكثير من الطلبات الغريبة، فهناك من يشرح لي عن شيء معين في باله ويود تنفيده، وهناك من طلب مني ان أنفذ له تصميما شاهده في الخارج وطلب مني ان أنفذه من دون ان أراه ...هو رأى وانا أنفذ!


• هل تفكر بالتوسع في أعمالك الى الخارج؟


- حاليا لا... لان الكويت في هذا المجال في القمة، وانا شخصيا زرت الكثير من دول الخليج، ولم اجد بها المستوى الراقي من الهدايا كالموجود في الكويت.


 


أكثرها رقيا


اما أحمد حراجلي فيعتبر سوق الهدايا في الكويت من اكثر الاسواق رقيا، والهدايا التي تقدم في الكويت راقية، وذات مستوى عال، وتعبر عن ذوق أصحابها.


وبالنسبة لارتفاع الاسعار والمبالغة فيه فهذا عائد كما يقول إلى المواد التي نستخدمها في المحل والتي نستورد جزءا كبيرا منها من الخارج حتى نحقق التميز في عالم الهدايا.


ويؤكد حراجلي انه على اطلاع دائم بكل جديد عن طريق الكتالوجات والمجلات العالمية ليواكب التطور المتلاحق، بالرغم من دراسته الخاصة في علم التصميم.


كما يؤكد أنه يشرف على طاقم كامل من الافراد ليحصل على النتيجة التي يريدها وانه يشاركهم العمل أحيانا ليصل للتصميم الذي يريده.


اما بالنسبة لفكرة الهدايا عند الناس فقد تنوعت وتعكسها هذه اللقاءات:


 


اسعار... نار


ريم تميم تقول: بصراحة لا أفضل ان اذهب لمحلات الهدايا، لانني اعتقد ان هناك مبالغة في الاسعار والمسألة باتت مجرد مظاهر فقط، ولكن من ناحية أخرى الهدايا الموجودة في هذه المحلات فريدة من نوعها وغريبة، كما ان هذه المحلات تعتمد على طبقة معينة من الافراد، ولا تناسب الجميع لان الاسعار فيها نار! فمثلا ما قد يكلفني سعر تغليف هدية اشتري به هدية!


رشا قدري والتي تفضل هذه المحلات عند شراء الهدايا تقول: محلات الهدايا توفر الوقت والجهد الذي نحتاجه لاختيار هدية مناسبة لان الهدية رمزية، وهذه المحلات توجد فيها هدايا معبرة جدا، وهي تفي بالغرض وتوصل الرسالة الى المهدى اليه بكل صدق.


 


تكليف اجتماعي


عبدالله أحمد والذي يعتبر ان الهدية الآن أصبحت تكليفا اجتماعيا لا لزوم له يقول:


الهدية كانت من القلب وكانت الوردة تعتبر من احلى الهدايا وأغلاها، ولكن الآن أصبح هناك مبالغة... ونحن نعلم أن الهدية كلما كانت بسيطة كانت معبرة اكثر!


 


التغليف أهم !


فوزية سالم تعجبها فكرة التغليف وتؤيدها بقولها:


ان تغليف الهدية يعتبر أهم من الهدية ذاتها فهو يعطي قيمة اكبر للهدية، وقد اشتري هدية بسيطة، وأغلفها بطريقة جميلة تعطيها قيمة اكبر، وأنا أفضل التوجه الى محلات الهدايا لان فيها سحرا يغير من شكل الهدية، حتى ولو كانت رخيصة.


ايمان عمرو تحب ان تشتري الهدية بنفسها وتغلفها بنفسها... تقول:


شخصيا أفضل ان أشتري الهدية على ذوقي الخاص، لانها في نظري ستعبر عني عند من أقدمها إليه، وبالتالي يجب ان أختار شيئا مميزا يعكس شخصيتي، وأنا أحب ان أغلف الهدية بيدي لان ذلك في نظري سيعطي قيمة اكبر عند من ستذهب إليه الهدية.


 


هديتي سلتي!


سجى مؤيد والتي تعتبر ان الهدية لا يجب ان يكون لها وقت او مناسبة تقول:


عندما أقوم باي زيارة لاي كان لابد من ان احضر معي هدية خاصة بالمنزل، ولقد تعود الجميع على ذلك ممن حولي، ففي كل زيارة اقوم بها أحمل سلة بها فاكهة او حلوى من صنع يدي، وأحيانا أحضّر لبنة وجبنة وزيتونا، والجميع يتحدثون عن فكرتي الخاصة فأحب أن أدخل ومعي هدية حتى ولو كانت بسيطة.


خالد عبدالله يؤيد فكرة الذهاب لمحلات الهدايا ويقول:


ضيق الوقت وضغط العمل لا يتركان أي متسع من الوقت لي لشراء الهدايا للمناسبات الخاصة، فيكون الحل بالتوجه لهذه المحلات اختصارا للوقت.


كما ان هذه المحلات تحتوي على تصميمات مختلفة تناسب جميع المناسبات وجميع الاذواق والاعمار، وبالرغم من ان تكلفتها عالية بعض الشيء، لكنها مناسبة للعمل اليدوي الذي تحتويه.


سهام تمساح تقول: هذه المحلات تقدم خدمة كبيرة للزبون، وخاصة السيدات فعند ولادة طفلتي توجهت لهذه المحلات لأحصل على (مطبقيات) هدايا، لاوزعها كحلوى على من يبارك لنا... ومن كثرة التصميمات الجذابة والمغرية، احترت في ما ساختار للمناسبة السعيدة ولهذا فهذه المحلات تقدم لجميع المناسبات ما يناسب جميع الاذواق.


 


المهر... هدية العمر


أم سعود تقول: أردت أن أبحث عن طريقة جديدة لتقديم المهر لعروسنا الجديدة، فتوجهت لهذه المحلات ووجدت الحل المناسب... فهناك صناديق وعلب خاصة لوضع المهور للمعاريس... وهي طريقة مناسبة وغير تقليدية في اعطاء المهر، وبتصاميم رائعة تناسب جو الافراح.


 


مضيعة مال!


وتعتقد ام فيصل ان هذه المحلات مضيعة للمال، وتقول بان هذه المحلات تغلف العقول قبل ان تغلف الهدايا، وتسحب ما في الجيب على أشياء غير مهمة، وأصبحت هذه من العادات الاجتماعية الجديدة التي تحتوي في طياتها على الكثير من النفاق الاجتماعي، كما أن الهدر والبذخ بغير مناسبة وإضاعة المال دون فائدة أمر مكروه شرعيا، ويصل في بعض الحالات حسب الفقهاء إلى مرتبة الحرام.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي