قضية / من شأنها أن تدعم المتحولين جنسيا في مواجهة قانون منع التشبه بالجنس الآخر

«الراي» تنشر نص أول فتوى كويتية تبيح تحويل الجنس: جائز للمصابين بمرض الاضطراب الجنسي

تصغير
تكبير
| كتب داهم القحطاني |
أفتى رجل دين كويتي في فتوى، حصلت «الراي» على نسخة منها بجواز عملية تحويل الجنس من ذكر الى أنثى أو العكس اذا كان مصابا بمرض اضطراب الهوية الجنسية TRANS-SEX ليصبح بذلك أول رجل دين في الكويت وربما في دول الخليج العربي يفتي بجواز اجراء مثل هذه النوعية من عمليات التحول الجنسي، التي تجد رفضا قاطعا من قبل شرائح واسعة في المجتمع الشرقي خصوصا المنتمين لتيارات دينية.
ويؤكد رجل الدين راشد سعد العليمي في فتواه أنه من الخطأ الفادح النظر للمصابين في هذا المرض على أنهم يتشبهون بالجنس الآخر وأن جزاء ما يقومون به اللعنة والطرد من رحمة الله وذلك «لأنه لم يسع الى هذا الأمر بمحض ارادته، ولا بشوق منه، ولكن سبق قدر الله عليه لحكمة منه سبحانه»، مشددا على أن جواز عملية التحول الجنسي يتم فقط للمصابين بمرض اضطراب الهوية الجنسية TRANS-SEX ولا يشمل ذلك المتشبهين بالجنس الآخر لأسباب غير سوية وغير مرتبطة بهذا المرض.

ومن شأن هذه الفتوى أن تدعم الجهود التي يقوم بها بعض المتضررين من المتحولين جنسيا من قانون منع التشبه بالجنس الآخر الذي شرعه نواب اسلاميون وغيرهم في مجلس الامة في العام 2007، من أجل تعديل هذا القانون أو وضع لائحة تنفيذية تحدد كيفية التشبه بالجنس الآخر، وهي الجهود التي بدأها بعض الناشطين من المصابين بمرض اضطراب الهوية TRANS-SEX بالاجتماع بلجنة بحث الظواهر السلبية في مجلس الامة بطلب منهم للاحتجاج على قيام رجال الشرطة بالقبض عليهم والتعامل معهم كمجرمين لا كمرضى.
واللافت في الفتوى التي افتى بها الشيخ راشد العليمي، وهو امام وخطيب في وزارة الاوقاف الكويتية ويعمل كذلك مأذونا شرعيا وله عدد من المؤلفات والابحاث في مجالات دينية متعدده تتضمن كثيرا آراء الأطباء ودائرة المعارف البريطانية ومصادر علمية أخرى، كما انه يقر في مطلعها بأنه وقبل تناول أي قضية طارئة وواقعة في المجتمع، على المسلم قبل الخوض بالكلام والرأي، ينبغي ابتداء أن يضعها على مائدة البحث العلمي المتعلقة به، ثم يوزنها بميزان الشرع.
ومرض اضطراب الهوية الجنسية وفق دائرة المعارف البريطانية التي تم الاستشهاد فيها في الفتوى عبارة عن «اضطراب في الهويّة الجنسيّة، يجعل المصاب به يعتقد أنّه من الجنس المعاكس يستمرّ هذا المرض لسنوات طوال، وعلى الأغلب العمر كلّه، مع خطورة تطوّر الاكتئاب والوصول به الى الانتحار، وهو يبدأ في مرحلة مبكرة قبل البلوغ اذ لا علاقة له بالرغبات الجنسيّة، ويستمرّ حتّى اجراء الجراحة».
ويشدد العليمي في نص الفتوى على وجوب ان تتم عملية التحول الجنسي وفق نظر أهل الطب، وبعد الفحص الطبي والنفسي وعبر فتاوى لائقة بمثل هذه الحالات المرضية، مبينا ان ذلك لا يعتبر من قبيل مجاراة الغرب « فالمسلم ينبغي أن يضع كل حالة في محلها الصحيح، ويعالجها وفق الضوابط الطبية والشرعية ويستفيد من علوم غيره بما لا يعارض الشرع الحنيف، بغية أن نساعد من هو فعلا بحاجة الى المساعدة».
وعلمت «الراي» ان اصدار هذه الفتوى يأتي ضمن خطوات متصلة يقوم بها بعض المتضررين من المتحولين جنسيا من أجل عدم شمولهم بقانون التشبه بالجنس الآخر والتأكيد أنهم غير شواذ جنسيا ولا يقبلون القيام بأعمال منافية للدين والعادات والقيم كالزنا أو السحاق والتأكيد على أن تشبههم بالجنس الآخر لم يكن لمرض في السلوك أو حاجة خبيثة في التفكير أو لفطرة خبيثة تهدف لممارسة الزنا او السحاق، انما هم مرضى حقيقيون بحالة من الانفصام بين الجسد الذي يتبع جنسا محددا وبين العقل الذي يتعامل منذ الصغر على انه ينتمي لجنس آخر غير الذي تبينه ملامح الجسد، وهو تماما التفسير الذي تبناه العليمي في فتواه واعتبر معالجته بالتحول الى الجنس الآخر عبر عملية جنسية أمرا يقره الشرع كونه يحمي الانسان من خطر قتل النفس وهي النهاية المحتمة للمصابين بهذا المرض وفق الآراء العلمية.
وجاء في نص فتوى الشيخ العليمي ما يلي:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين... أما بعد
من القضايا المهمة التي بدأ الحديث عنها في المجتمع الكويتي مسألة الجنس الثالث أو الرابع، وتشبه الرجال بالنساء والعكس، وهي من القضايا التي لها ارتباط وثيق بثقافتنا وعاداتنا، ولها اتصال ونظر وبحث من الناحية الطبية التخصصية، بل وأعظم من هذا فهي مرتبطة بشرعنا الكريم.
وحري على كل منصف ألا يخوض في الكلام على هذا الموضوع من غير علم وبحث دقيق، ويظن أنه من اليسير تعميم الحكم الشرعي على كل من كان به شبه بالجنس الآخر، من غير اطلاع على الأبحاث الطبية أولا، ومن ثم انزال الفتاوى على هذه الأبحاث العلمية، لأن تصور القضية فرع من الحكم عليها.
ويمكن القول ان سوء الخلل في فهم هذا الموضوع راجع الى افتاء بعض المسلمين في هذه القضية في الفضائيات بعيدا من مراجعته لابعاد هذه الأسماء المحدثة التي لا وجود لها في الطب ولا في الشرع، وعدم فحصها بميزان الطب ابتداء، ثم الشرع.
ولهذا حري بنا قبل أن نتناول أي قضية طارئة وواقعة في المجتمع، على المسلم قبل الخوض بالكلام والرأي، ينبغي ابتداء أن يضعها على مائدة البحث العلمي المتعلقة به، ثم يوزنها بميزان الشرع، فالفقيه هو ذاك الذي يستأنس برأي أهل الاختصاص في المدلهمات الحادثة قبل اصدار الفتوى، ان كان لها تعلق في علوم أخرى غير الشريعة، امتثالا لقوله تعالى: { فَاسْأَلْ ب.ه. خَب.يرا}
والخطأ في فهم القضية أيضا يتوجه الى من تناول قضية مسميات الجنس الثالث أو الرابع والخنثى، أو ما يماثلها ظاهرا من جوانب محددة فقط لها اتصال بدراسته، مثل مناقشتها من جانب العلوم النفسية أو الاجتماعية فقط، ويصرّ على أنها قضية نفسية سلوكية بحتة، ولا ترتبط بالجوانب الشرعية.
وهناك من يورد على كل من له تشبه ظاهري بالجنس الآخر الويلات واللعنات استمدادا من المنظور الشرعي، بحجة المشابهة الظاهرية في الأمر بينهم جميعا وهو قضية التشبه بالجنس الآخر بعيدا عن النظر في أسباب ميل الذكر الى الصفات الأنثوية، أو لماذا تعلقت الفتاة بالجانب الذكري، ولهذا كان الانصاف والواجب ربط هذه القضية بجميع الجوانب... الشرعية، والنفسية والاجتماعية، وأيضا الطبية.
لهذا كان من الواجب مناقشة هذه القضية ابتداء وفق الجوانب الطبية بمختلف أفرع الطب والعلوم الانسانية، ثم النظر الى ذلك وفق الجوانب الشرعية، بعيدا عن الموروثات الاجتماعية التي تجعلنا أحيانا نسكت عن المشكلة، ونحن نعلم يقينا بوجودها بيننا، ولربما تتزايد وتفاقم، أو يأتي علينا من يريد أن يعالجها لكن بطريق البتر والتجريم القانوني لكل من شمله الوصف من وجهة نظر قانون لم يسع للمعالجة الصحيحة.
وهناك فرق كبير بين من يريد باختياره أن يتشبه بالجنس الآخر، فنرى ذاك الرجل المكتمل الرجولة وهو يلبس ملابس النساء، لمرض في سلوكه، ولحاجة خبيثة في تفكيره يريد أن يقضيها بهذه الطريقة، فيسعى للتشبه بالنساء لأن به داء فعل قوم لوط أو ذاك الذي قد عاش بين مجتمع ممتلئ بالفتيات في أسرته، فتأثر بهن فقط في نوعية الكلام أو الرقة والتكسر في المشي، لكنه بالفحص الطبي عليه نجد أنه رجل مكتمل الفحولة، بل ويستطيع الزواج والانجاب، وعلاجه يسير مع الوقت وبالاختلاط مع بني جنسه.
أو نجد تلك الفتاة التي تلهف بمحض ارادتها وتفكيرها الى تقليد الذكور، فتلبس مثل ملابسهم، وتريد أن تحاكيهم بالكلام الجهوري، وقصدها من ذلك أن توقع في حبائلها الفتيات الصغيرات، لتقضي معهن شهوتها، وتمارس معهن السحاق، وهذه فطرة مريضة فيها انتكاس، دواؤها الطب النفسي والتحذير الشرعي، ومن بعده القانون الرادع.
لكن هناك فئتان ينبغي ملاحظة أمرهما بعيدا عما سبق بيانه، وهاتان الفئتان أولا ما أطلق عليه الفقهاء بالخنثى، وهو من كان له جهازان تناسليان، وقد يصبح مشكلا في المستقبل لتساوي الجهازين في العمل، وله أحكامه الفقهية، بل وحتى في قضية الميراث الشرعي.
والفئة الثانية هم من كان بهم خلل في الدماغ لم يتوافق مع الجسد الظاهري، فالتفكير والمخ يتعاملان مع الجسد على أنه أنثى، لكن الحقيقة أن الجسد هو جسد ذكري، فأصبح هذا الانسان مضطرب الهوية.
ودراسة كل حالة من أهل الاختصاص على انفراد تجعل القضية واضحة علينا تماما وفي الحكم عليها بما يناسبها، فلا نشملهم بالحكم الشرعي ولا القانوني، لأن من سعى الى التشبه بالجنس الآخر بارادته ومحض حريته لحاجة في نفسه، فهذا يختلف عن ذاك الذي منذ ولادته وهو يعيش في اضطراب بهويته، فعقله يتصرف في أمر، لكنه يتعامل مع جسد غريب مخالف لما يرسل اليه الأوامر من الدماغ، وهذا أمر موجود ومتحقق في أناس في المجتمع، زاد عددهم أو قل.
والحق والانصاف يستلزمان علينا أن نهتم بهذه القضية ونجعل لها التساؤلات المناسبة التي توضح لنا القضية من جميع جوانبها، ومن تلك التساؤلات:
الحالات التي يجوز فيها التحول من جنس الى الجنس النقيض.
نعلم أن الله خلق الانسان ذكراً وأنثى، لكن هناك حالات غير طبيعيّة، وتشوّهات خلقيّة تظهر على بعض الناس فتجعلهم جنساً مختلفا، وهي حالات استثنائيّة نادرة، لكنّها موجودة منذ القدم كما يقول الأطبّاء، وهذه الحالات يصنّفها الأطبّاء في نوعين من المرض: الأوّل: هو مرض (الانترسكس) أيّ الجنس الداخلي، وصاحبه يسمّى عند الفقهاء (الخنثى)، وهو الانسان الذي يمتلك بعض الأعضاء الجنسيّة للذكر، وبعض الأعضاء الجنسيّة للأنثى.
لقد تكلّم الفقهاء في العصور الغابرة عن هذه الظاهرة من حيث تأثيرها على الأحكام الشرعيّة المتعلّقة باختلاف الجنسين، ولم يتكلّموا عن حكم معالجتها باعتبارها مَرضاً.
وقبل التوضيح لهذا الأمر، ينبغي أن نعلم بما جاء في الفقه الاسلامي حول قضية الخنثى، وهذا وصف وحكم شرعي يختلف كلية عما أطلقه الكثير من الناس في زمننا المعاصر على المتشبه من الرجال بالنساء، أو ما يسمى بالجنس الثالث، والعكس بما أطلقوا عليه بالجنس الرابع والبويات، وهذا الوصف ( الخنثى) له حالتان:
الأولى: أن يتبين حاله من ذكوره أو أنوثه بظهور ما يدل على ذلك، وهذا يعامل كما يعامل الجنس الذي بان منه، فيعامل كالذكور اذا بان ذكرا، ويعامل كالاناث اذا بان أنثى.
والثانية: الا يتبين حاله، وهذا يسمى بالخنثى المشكل، وهذا يعامل بالأحوط من الأحكام، ويجوز للخنثى المشكل أن يجري عملية تحويل الى الذكورة أو الأنوثة بحسب ما يراه الأطباء أقرب الى خصائصه الناتجة من اجراء الفحوصات اللازمة، لأن القول بعدم جواز ذلك يجعل الخنثى المشكل يعيش حياته في عنت ومشقة، والقاعدة الفقهية تنص على أن: (المشقة تجلب التيسير).
أما الخنثى الذي تبين حاله فلا يجوز له اجراء عملية التحويل، لأنه اما ذكر فلا يجوز له أن يتحول الى أنثى، واما أنثى فلا يجوز لها أن تتحول الى ذكر، ولكن يجوز لهذا الشخص أن يجري عملية لازالة المظاهر التي هي من الجنس الذي لا ينتمي اليه.
ومما سبق نعلم حكم الطبيب الذي يجري العملية، ففي الحالات التي يجوز فيها التحويل فليس على الطبيب شيء، وفي الحالات التي لا يجوز فيها التحويل يكون اجراؤه العملية حراما، وأما عن الزواج من الخنثى فان كان ممن بان حاله أو أجريت له عملية التحويل بشروطها فلا بأس في الزواج به لأنه ليس خنثى، بل بحسب جنسه، وان كان ما زال مشكلا، فلا يجوز الزواج به، لأنه يعامل بالأحوط كما تقدم.
أما عن انتماء الشخص بعد التحول الذي لم يؤذن فيه شرعا، فانه محل اشكال، لأنه من النوازل التي تحتاج الى بحث كبير واجتهاد من المجامع الفقهية، لأن ذلك يترتب عليه أحكاما كثيرة من حيث المحرمية والارث والديات والنكاح والخلوة والامامة.
مرض اضطراب الهوية الجنسية
من الناحية العلمية فان مرض اضطراب الهوية الجنسية يطلق من المصطلح الأجنبي بـ (الترانسكس) أي التحوّل الجنسي من ذكر الى أنثى، أو من أنثى الى ذكر.
وهذا النّوع من المرض لم يكن معروفاً في الماضي، ولم تكن عمليّات التحويل الجنسي معروفة، لكن الأطبّاء اليوم يقولون: انّه مرض حقيقي معترف به في الموسوعات الطبيّة المحترمة، وقد ورد في دائرة المعارف البريطانيّة عن مرض التحوّل الجنسي أنّه (اضطراب في الهويّة الجنسيّة، يجعل المصاب به يعتقد أنّه من الجنس المعاكس).
فالذّكر مثلاً يولد بأعضاء تناسليّة ذكريّة كاملة، وهو بالتالي ليس خنثى، لكنّه منذ سنّ مبكّرة جدّاً يصنّف نفسه مع النساء، ويتصرّف كواحدة منهنّ، ويتطلّع الى انشاء علاقات مع الذكور باعتبارهم الجنس الآخر، فهو ليس مصاباً بالشّذوذ الجنسي.
بل انّ جمعيّات الشّذوذ في أميركا رفضت انتساب المتحوّلين جنسيّاً اليها، لأنّ معظمهم لا يرغب بممارسة الجنس المثليّة، أي الوقوع في الفاحشة، فالذكر المتحوّل جنسيّاً الى أنثى، يرغب بممارسة علاقاته مع الذكور كأنثى، وفق الأعراف والتقاليد التي يظن أنه يمكن الوصول اليها، لهذا يطمح من مجتمعه أن يعامله معاملة الأنثى الطبيعيّة، كما أنّه ليس مصاباً بالانحراف الجنسي الذي يدفع الرجل الى ارتداء ملابس المرأة، أو يدفع المرأة لارتداء لباس الرجل من قبيل التشبّه، بل هو يرغب بالتحوّل الكامل الى الجنس الآخر، وهي رغبة لا فكاك منها، لأن مرض (الترانسكس) مرض فعلي كما يصرّح المصابون به، وكما يقول الأطبّاء، وليس نزوة شيطانيّة.
وقد ورد في دائرة المعارف البريطانيّة أيضاً: (يستمرّ هذا المرض لسنوات طوال، وعلى الأغلب العمر كلّه، مع خطورة تطوّر الاكتئاب والوصول به الى الانتحار، وهو يبدأ في مرحلة مبكرة قبل البلوغ اذ لا علاقة له بالرغبات الجنسيّة، ويستمرّ حتّى اجراء الجراحة، وان كان لا ينتهي تماماً بها، ويقول أحد المصابين بهذا المرض (انّه لا خيار له في هذا المرض بل هو مصيبة نزلت على رأسه).
أمراض نفسية خطيره يسببها المرض
من يدرس أعراض هذا المرض يجد أن أصحابه تصيبهم الأمراض النفسية المصاحبة لهذا المرض، وهو مرض نفسي يؤدّي بالمريض الى الانزواء والتراجع وتحمّل عذاباته الرهيبة خوفاً من افتضاح حقيقته.
والعلاج النفسي لهذا المرض لا يفيد، كما يقول الدكتور سعيد عبد العظيم، خاصّةً وأنّ معظم هذه الحالات لا تكتشف الاّ في مرحلة متأخّرة بعد البلوغ، كما أنّ المريض نفسه لا يعترف بأنّ مرضه نفسي.
بل انّ فكرة التحوّل الى الجنس الآخر تصبح ملحّة عليه، وتسيطر على كلّ أفكاره، وتدفعه للّجوء الى الجراحين.
يقول الدكتور محمّد شوقي كمال: (اذا كانت مهمّة الطبّ هي المحافظة على حياة الانسان، فلماذا نعرّض هؤلاء المرضى للعذاب؟ ولماذا نحظر عليهم شيئاً من حقّهم كمرضى حقيقيّين؟ ونحن عادةً كجرّاحين لا نأخذ الحالات هكذا، بل نشترط خضوع المريض لاشراف الطبيب النفسي المباشر مدّة سنتين على الأقلّ).
ويقول (انّ المتحوّلين جنسيّاً لا يستطيعون الانجاب مطلقاً، لكن الأهم بالنسبة لهم أنّهم يستطيعون أن يعيشوا حياة زوجيّة سعيدة، ويشعرون بالراحة الشديدة على نحو لا يوصف، ويستردّون اتّساقهم مع ذواتهم، والحقيقة: أنا لم أر مريضاً واحداً أجرى تلك الجراحة وأبدى ندماً عليها، وهذا دليل على سعادتهم بالتحوّل.)
من هذا العرض العلمي الموجز الذي استقيناه من تحقيق موسّع حول هذا الموضوع أجراه السيّد أسامة الرحيمي في القاهرة ونشر في مجلّة الشروق (العدد 329 تاريخ 27/7/1998)- تبيّن لنا أنّ مرض (الترانسكس) أو التحوّل الجنسي، هو انفصام حاد بين النفس والجسد، فيكون الذكر كامل الذكورة من حيث الأعضاء الظاهرة، لكن احساسه النفسي مناقض لذلك تماماً، فهو يحسّ أنّه أنثى، كما تكون الأنثى كاملة الأنوثة من حيث الأعضاء الظاهرة، لكنّها تشعر أنّها ذكر. فاذا تعذّر عن طريق المعالجة النفسيّة، انهاء هذا الانفصام، لم يعد أمامنا الاّ اجراء عمليّة (التحوّل الجنسي)، وذلك بهدف اعادة التكيّف بين النفس والجسد، وهو أساس الصحّة النفسيّة والجسديّة عند الأطبّاء والعلماء.
الفرق بين التصحيح والتحويل
وهناك فرق كبير بين مصطلحين، فـ ( التصحيح الجنسي ) مصطلح ينطبق على أولئك الذين يعانون من تشويه خلقي في الأعضاء التناسلية، كأن يكون هناك جهازان تناسليان في آن واحد أحدهما ذكري والآخر أنثوي، أو يكون هناك جهاز مضمور وبحاجة الى اظهاره، أو تكون كروموزومات الشخص ذكرية، في حين أن مظهره الخارجي أنثوي أو العكس، فهذه الحالة تكون مرضية ينشأ عنها اضطراب في شخصية الشخص المريض يتعدى كونه مجرد اضطراب نفسي،فهناك تشوه خلقي يؤثر على الشخصية مما يحتاج الى عملية جراحية لتصحيح الجنس الغالب على الآخر.
وعلى النقيض لذلك في حالات ( التحول الجنسي)، فليس هناك أي خلل خلقي، بل ان المسألة لا تتعدى كونها الا حالة سلوكية أو نفسية تعتري الفرد لأسباب مختلفة، سواء كانت بيئية أو تربوية أو شهوانية وما الى ذلك، ما تؤدي الى ظهور حالات الشواذ والبويات والجنس الثالث، وهذه الحالات ليست بحاجة الى تصحيح جنس أو هوية، لكنها بحاجة الى علاج نفسي وارشاد شرعي وغسيل فكر من تلوث لصق بها، ويسمى تغيير الجنس في هذه الحالة ( تحول جنسي ) لأنه ناتج فقط عن رغبة ذاتية، ولا تستند الى مسوغات شرعية وفق الضوابط الطبية.
لهذا يجب التفريق جيدا بين الحالتين، وليس ذلك من باب التشجيع لحالات ( التحول الجنسي ) أبدا، بل على العكس علينا أن نفحص وندافع عن حالات انسانية مرضية بحاجة الى علاج نفسي وشرعي بمختلف طرقه، طالما رفضها المجتمع لجهله وقلة وعيه وبوجود فتاوى في الفضائيات لم تبحث الموضوع من جميع جوانبه.
والذي يثبت أن حالة معينة بحاجة الى التصحيح ولا تنتمي الى حالات الشذوذ لا يكون بمجرد النظر الى المظهر الخارجي، لهذا يجب النظر في التقارير الطبية التي تثبت أن الشخص مريض، وتسوغ له تصحيح جنسه، مع العلم أن كل حالة تختلف تماما عن الأخرى.
وبعد فحص التقارير الطبية المتعلقة بكل حالة، ينبغي الحصول على الفتاوى الشرعية التي ترى وتجيز القيام بتصحيح الجنس لتلك الحالة.
ونحن نعلم جميعا أن الاسلام أمرنا بالتداوي والعلاج، لكن هناك نظرة قاصرة للمجتمع بالنسبة لبعض الأمور، فكثيرا ما نواجه اتهامات بأننا نقلد أو نجاري الأجانب، أو أن العادات والتقاليد تحكم أمورنا وتوجه حياتنا، بعيدا عن المنظور الشرعي.
نحن لا نجاري أهل الغرب في كل أمر، لأن المسلم ينبغي أن يضع كل حالة في محلها الصحيح، ويعالجها وفق الضوابط الطبية والشرعية، ويستفيد من علوم غيره بما لا يعارض الشرع الحنيف، بغية أن نساعد من هو فعلا بحاجة الى المساعدة.
دور الأسرة في التحويل والتصحيح
للأسرة دور كبير في معالجة الخلل المتعلق في الذرية (ذكورا أو اناثا)، وهذا يكون من خلال تفهم القضية من الناحية الطبية التخصصية، وأيضا السلوكية، بعيدا عن تحميل النصوص الشرعية في هذا المجال.
فمن الخطأ الفادح النظر الى قضية الخلل الوارد على بعض الناس في جنسهم ووجود الاضطراب في تكوينهم من أنه تشبه بالجنس الآخر، وفيه اللعنة والطرد من رحمة الله، لأنه لم يسع الى هذا الأمر بمحض ارادته، ولا بشوق منه، ولكن سبق قدر الله عليه لحكمة منه سبحانه، لهذا مما يجعل المشكلة يمكن معالجتها منذ البداية وجود الفهم الواعي لدى الوالدين في التعرف على هذه القضية، وبذل الأسباب الطبية في الكشف عليها، بعيدا عن تغلب العاطفة الاجتماعية، واللوم وندب الحال كأن داهية الدواهي وقعت على الأسرة ولا سبيل الى حلها أو معالجتها الا بالتستر عليها أو نبذها، وقد يلجأ بعض الآباء الى معاقبة وليدهم، أو حرمانه أو طرده من البلد، ويزيد المرض سوءا، بل ولو تمكن الأب من دفن هذا الوليد لفعل، لكنه يلجأ الى الضرب والتهديد، وهناك من رمى بفلذة كبده المريض الى دوائر الشرطة ليعالجوا الخلل فيه.
فالقضية في التصحيح أو التحويل تكون وفق نظر أهل الطب، وبعد الفحص والنظر يمكن اصدار الفتاوى اللائقة بمثل هذه الحالات المرضية، وتنجز العمليات، ويتم تغيير الأوراق الرسمية المتعلقة بالانسان، وتنتهي المشكلة قبل أن تتفاقم، ولا يعرف الأب كيف يعالجها.
> هل التصحيح معارضة لخلق الله تعالى ؟
- نعلم ابتداء أن الله أمرنا بالتداوي ومعالجة التشوه الذي قد يطرأ على الانسان اما مع الولادة، لأسباب طبيعية، وهذا مما أفتى به العلماء ولا يعارض أمر الله سبحانه بأنه خلقنا في أحسن تقويم.
ومثله هذا المرض النفسي والجسدي، الذي له علاقة وثيقة بكلام ورأي أهل الطب بشتى أوجه العلم عندهم النفسية والجسدية (البشرية)، فهم اعلم بمدى حاجة الانسان مضطرب الهوية على العلاج الذي قد يصل الى العملية الجراحية التصحيحية أو أنه يكذب على الناس في حالته، ويمكن القول هذا الاضطراب مرض يحتاج الى معالجة نتيجة للأسباب الآتية:
أولاً: ثبت برأي العديد من الأطبّاء وجود حالة مرضيّة عند بعض الناس سمّوها (الترانسكس) وهي انفصام حادّ في الحالة الجنسيّة بحيث تكون مظاهر الجسد باتّجاه جنس معيّن، بينما تكون مشاعر النفس بالاتّجاه الجنسي المعاكس، وأنّ هذه الحالة المرضيّة قد تشتدّ بحيث تصبح حياة صاحبها جحيماً وقد يفكّر بالانتحار، وأنّه قد تفشل كلّ وسائل العلاج النفسي، ولا يبقى أمام الطبيب الاّ اجراء جراحة التحوّل الجنسي.
ثانياً: في مثل هذه الحالة تتحقّق شروط الضرورة الشرعيّة التي تبيح المحظور باجماع العلماء. اذ الخلاف بينهم محصور في تشخيص حالة الضرورة أو عدمها.
أمّا اذا اتّفقوا على وجودها، فهم حتماً متّفقون على أنّها تبيح المحظور. أمّا أنّ الضرورة متحقّقة في هذه الحالة، فلأنّ المحافظة على الحياة تعتبر من الضرورات الشرعيّة الخمس بلا جدال.
والحياة التي تقتضي المحافظة عليها هي الحياة الطبيعيّة التي لا يستبدّ بها المرض بحيث يحرمها السعادة ويمنعها من المتاع المباح. من أجل ذلك أباح العلماء التداوي بالمحرّم عند وجود الضرورة. واذا كانت جراحة التحوّل الجنسي محرّمة من حيث الأصل- حسب رأي جمهور الفقهاء المعاصرين فانّها تباح لوجود هذه الضرورة.
سبب تحريم (جراحة التحوّل الجنسي) أمران
الأمر الأوّل: أنّها تغيير لخلق الله، والله تعالى يقول عن الشيطان أنّه قال: (ولآمرنّهم فليغيّرُنّ خلق الله) سورة النساء: 119
الأمر الثاني: أنّها نوع من التشبّه بالجنس الآخر، وقد (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبّهين من الرجال بالنساء، والمتشبّهات من النساء بالرجال) رواه البخاري.
قال العلماء (ظاهر اللفظ النهي عن التشبّه في كلّ شيء، لكن عرف من الأدلّة الأخرى أنّ المراد التشبّه في اللباس والزينة والكلام والمشي).
ومع ذلك يقول الامام النووي رحمه الله: (انّ المخنّث الخلقي لا يتّجه عليه اللوم) ويعقّب ابن حجر على ذلك بأنّه (محمول على اذا لم يقدر على ترك التثنّي والتكسّر في المشي والكلام بعد تعاطيه المعالجة) (راجع فتح الباري). ومن الواضح أنّنا أمام قضيّة مختلفة: فلسنا أمام رجل يتشبّه بالنساء في ظاهره، لكنّنا أمام انسان يشعر أنّه امرأة شعوراً يغلب كلّ مشاعره وأعماله، بينما له جسد رجل، وهو يتألم من ذلك ويسعى للخلاص من هذه الازدواجية والانفصام، وحين يجري عمليّة التحوّل الجنسي يشعر أنّه عاد لطبيعته الحقيقيّة، فلا يعود للتشبّه.
والمطلوب بالنسبة للمخنّث المعالجة كما يقول الامام النووي. واذا لم تنفع المعالجة النفسيّة، وظهرت الحاجة الى جراحة تعيد المخنّث الى جنسه الطبيعي، فالظاهر من كلام الامام النووي أنّ ذلك جائز. فالتحوّل الجنسي على الأرجح لا يدخل اذاً تحت مسألة التشبّه، التي حصرها العلماء (باللباس والزينة والكلام والمشي). الضوابط الشرعيّة لهذه الاباحة وليس معنى ذلك أنّي أقول باباحة عمليّات التحوّل الجنسي باطلاق.
الاستعجال بالعلاج
ولعل من الأمور التي جرت القيل والقال على أمثال هؤلاء المرضى أنهم استعجلوا لأسباب عندهم في عمليات التحول، مثل تناولهم لبعض الهرمونات التي تجعلهم يقتربون الى الحالة الأنثوية، ليعيشوا معها بما يتلاءم مع نمط تفكيرهم، أو بإجراء عمليات جراحية في ازالة القضيب، الذي يعانون من وجوده فيهم كأنه أداة غريبة على جسدهم المتعلق بتفكيرهم الأنثوي.
وهذا الاستعجال من قبل أنفسهم في محاولة تصحيح حالتهم المرضية جر عليهم ما لا يحمد عقباه من الحكم القاسي من قبل الأهل، ومن بعدهم المجتمع الذي لم يفهم منذ البداية هذا المرض الغريب على تفكيرهم.
فلم تتقبل الاسرة وجود صدر على جسد ابنهم، ولا تغير في مظهره المقارب لنعومة الأنثى، فجعل هذا التغير يطيش بعقولهم، ويذهب برزانة تفكيرهم، وقادهم الى ردة فعل قاسية تجاه ابنهم الذكر الذي كما يدعون جلب عليهم العار والخزي في أسرتهم وبين الجيران، ثم في المجتمع، لهذا لا نستغرب ان عرفنا أن هناك من حبس ابنه المضطرب في البيت أشهرا طويلة، أو حرمه من الذهاب الى الدراسة.
هل الاضطراب خطر على المجتمع ؟ هل نعتبر مثل هذا المرض مما نخشى استفحال أمره في المجتمع ؟ وهل انتشر حتى بات ظاهرة مقلقة في المجتمع الاسلامي؟ واذا كانت كذلك فما هي الأسباب ؟ هل هي عوامل نفسية أو وراثية [هرمونات] ؟
وهل هناك علامات أو بوادر تعلمنا على حالهم ؟ هل يمكن ملاحظة ذلك في البيت ؟
وهل تقليد الأخوات والتشبه بالبنات في بدايات العمر له أثره على أواخره ؟
هل هي مرحلة عابرة في حياة الشخص ( مراهقة من نوع آخر)؟
وغيرها من التساؤلات التي تقدم بين يدي هذه القضية الخطيرة التي لم تغفل العلوم النظرية الحديثة ولا شرعنا الحنيف عن تناولها ومعالجتها.
الفضائيات وتشويه الحقائق
ولأننا نعيش في زمن الكلمة التي لا زمام لها عند بعض المسلمين الذين يسعون لمواضيع الاثارة التي تلفت انتباه عوام المسلمين بعيدا عن تقديم الحقائق الواضحة.
فموضوع الجنس الآخر من المواضيع الحساسة في العرض والمعالجة ينبغي أن نحيط بجوانبها وأبعادها بعيدا عن كلام انشائي يثير العواطف، ويوقع الأمور في غير محلها الصحيح، لأن بعض الآباء قام بطرد وليدهم المضطرب الهوية الجنسية بعد أن سمع وشاهد حلقة عن الجنس الثالث في بلده، وكان المذيع مفوها في الكلام بعيدا عن الموضوعية العلمية والشرعية مما جعل الحقائق بعيدة عن أرض الواقع، ولم يقدم الا حماسا عقيما، وكان يخوض في قضية الجنس الثالث والرابع، كأن جميع من له شبه بالجنس الآخر فهو مشمول بالحكم الشرعي، وهذا دلالة على عدم فقهه في تصور الموضوع، فنجم عنه سوء حكم وبعد أن تم توضيح القضية له من خلال المختصين احتاج الى اصلاح ما دمر وقذف من جهالات في حلقات أعظم وأطول من الحلقة الواحدة التي كان دمارها مبنيا على الكلمات الحماسية العاطفية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي