من ثمرات العبادة / محبة الله والأنس به

تصغير
تكبير
| جاد الله فرحات |



لكل شجرة ثمرة وثمرة العلم العبادة وثمرة العبادة الصادقة محبة الله والأنس به ومحبة الله عز وجل هي حياة القلوب وغذاء الأرواح، وليس للقلب لذة ولا فلاح ولا حياة إلا بها، وإذا فقدها القلب كان ألمه أعظم من ألم العين إذا فقدت نورها، والأذن إذا فقدت سمعها، بل فساد القلب إذا خلا من محبة فاطرة وبارئه وإلهه الحق أعظم من فساد البدن إذا خلا من الروح، وهذا الأمر لا يصدق به إلا من فيه حياة وما لجرح بميت إيلام.


الأسباب الجالبة للمحبة الموجبة لها:

الأول: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه.

الثاني: التقرب إلى الله عز وجل بالنوافل بعد الفرائض كما قال تعالى في الحديث القدسي: «وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه» رواه البخاري.

الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.

الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى والتسلم إلى محابه وان صعب المرتقى.

الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعروفة ومباديها، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة، ولهذا كانت المعطلة والجهمية قطاع الطرق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب.

السادس: مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته.

السابع: وهو من أعجبها انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات.

الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.

التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي أطايب الثمر، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيداً ومنفعة لغيرك.

العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.

فمن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب.


علامات محبة العبد لله تعالى:

> ومنها أن يكون مؤثراً ما أحبه الله تعالى على ما يحبه في ظاهره وباطنه فيلزم مشاق العمل ويجتنب اتباع الهوى ويعرض عن دعة الكسل، ولا يزال مواظبا على طاعة الله ومتقربا اليه بالنوافل وطالبا عنده مزايا الدرجات كما يطلب المحب مزيد القرب في قلب محبوبه.

> ومنها أن يكون مشغولا بذكر الله تعالى لا يفتر عنه لسانه ولا يخلو عنه قلبه، فمن أحب شيئا أكثر بالضرورة من ذكره وذكر ما يتعلق به، فعلامة حب الله، حب ذكره وحب القرآن الذي هو كلامه وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب كل ما ينسب اليه.

> ومنها أن يكون أنسه بالخلوة ومناجاته لله تعالى وتلاوة كتابه، فيواظب على التهجد ويغتنم هدوء الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق، وأقل درجات الحب التلذذ بالخلوة بالحبيب والتنعم بمناجاته، فمن كان النوم والاشتغال بالحديث ألذ عنده وأطيب من مناجاة الله كيف تصح محبته؟

> ومنها ألا يتأسف على ما يفوته مما سوى الله عز وجل ويعظم تأسفه على فوت كل ساعة خلت عن ذكر الله تعالى وطاعته، فيكثر رجوعه عند الغفلات بالاستعطاف والاستعتاب والتوبة.

> ومنها أن يتنعم بالطاعة ولا يستثقلها ويسقط عنه تعبها كما قال بعضهم: كابدت الليل عشرين سنة، ثم تنعمت به عشرين سنة وقال الجنيد: علامة المحب دوام النشاط والدؤوب بشهوة تفتر بدنه ولا تفتر قلبه.

> ومنها أن يكون مشفقا على جميع عباد الله رحيما بهم شديدا على جميع أعداء الله وعلى كل من يقارف شيئا مما يكرهه كما قال الله تعالى: «أشداء على الكفار رحماء بينهم» ولا تأخذه لومة لائم ولا يصرفه عن الغضب لله صارف.

> ومنها أن يكون في حبه خائفا متضائلا تحت الهيبة والتعظيم، وقد يظن أن الخوف يضاد الحب وليس كذلك، بل ادراك العظمة يوجب الهيبة كما ان ادراك الجمال يوجب الحب ولخصوص المحبين مخاوف في مقام المحبة ليست بغيرهم.

> ثم خوف السلو عنه فإن المحب يلازمه الشوق والطلب الحثيث فلا يفتر عن طلب المزيد ولا يتسلى إلا بلطف جديد.

> ومنها الأنس والرضا ومن غلب عليه حال الأنس لم تكن شهوته إلا في الانفراد والخلوة، كما حكى أن ابراهيم بن أدهم نزل من الجبل فقيل له: من أين أقبلت؟ فقال: من الأنس بالله، وذلك لأن الأنس بالله يلازمه التوحش من غير الله، بل كل ما يعوق عن الخلوة فيكون من أثقل الأشياء على القلب، كما روي أن موسى عليه السلام لما كلمه ربه مكث دهراً لا يسمع كلام أحد من الناس إلا أخذه الغثيان، لأن الحب يوجب عذوبة كلام المحبوب وعذوبة ذكره فيخرج من القلب عذوبة ما سواء.


? إمام وخطيب

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي