تشجيع أندية الكرة... في الميزان الشرعي


قال تعالى: (والشعراء يتبعهم الغاوون. الم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون. وانهم يقولون ما لا يفعلون)
والشعراء المعنيون بالآية الكريمة ليس فقط الذي يقرضون الشعر وانما تشمل بالمفهوم العصري العاملين في مجال الإعلام من شعراء وادباء وقصاصين وممثلين ومطربين وضمنا المروجون للاعلام الرياضي والذين يحولون الرياضة البدنية من مصلحة عليا لجسد المزاول للرياضة الى حقل آخر للتنافس والشحناء والبغضاء والمعارك في الملاعب والتراشق بالكذب وجميع مفاسد الاعلام تحت عنوان التنافس الرياضي.
وقد نجح هؤلاء في جر فئات لا حصر لها من المجتمع المسلم الى هذه المفسدة باستغلال وسائل الاعلام واثرها السحري على النفوس خصوصاً في ظل الفراغ العقائدي فانقلبت مدرجات الأندية الى صراع لا أخلاقي بل والمقاهي بل والبيوت حيث جر الاعلام الشباب رجالاً ونساء بل والشيوخ الى التعصب الجنوني في تشجيع أندية كرة القدم بالذات.
فأولاً كرة القدم رياضة بدنية لها مردود ايجابي وحيد يتمثل في تقوية عضلات اللاعبين والحفاظ على لياقتهم البدنية شأنها في ذلك شأن أي رياضة أخرى ولكن الرسالة الاعلامية السامة حولت الاهتمام برياضة كرة القدم الى متاهات اعلامية يتلخص بعضها في النقاط الآتية:
أولاً: التعصب بلا أي منطق
وهو أمر مرفوض في الإسلام رفضاً مطلقاً (ليس منا من مات على عصبية) فالإسلام يرفض العصبية والتحزب والتشرذم والتمسك بغير حبل الله وكان أول عمل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة الى المدينة المنورة ان آخى بين الأوس والخزرج بعد معارك وصراع قبلي أزلي بل وأزال اي سبب يدعو الى الفرقة او الاختلاف بإطفاء الفتنة حتى في حادثة الإفك عندما أراد احد الصحابة ان يستغل سقوط بن أبي في الفتنة ليزكي الأوس على الخزرج فأقفل النبي الحديث وأغلق الفتنة. هذا في أمور جادة ولها أساس تاريخي ما بالك أن يكون الخلاف على تشجيع ناد معين مهما وصل اليه من نتائج وخلق صراع تافه كثيراً ما أغوى شباب عن امتحاناتهم وكثيراً ما تسبب في صراعات في العمل ما يعطل مصالح العباد بل وخلق صراعات في البيوت فالزوجة تشجع نادياً ضد الذي يشجعه زوجها وتقول له اثناء المباراة (انتو) كأن زوجها كابتن الفريق المضاد والابناء يصرخون في أبيهم والاب يصرخ في الزوجة ومتاهات لا تجد لها حل. وإذا سألت هذا الذي يشجع ناديا معيناً لماذا تشجعه ما وجد أجابه بل لو نقلنا جميع لاعبي هذا النادي الى النادي المنافس وجئنا بجميع لاعبي النادي المنافس الى ناديه لظل على تشجيعه لناديه، وهذا أخطر أنواع التعصب الذي ليس له أساس من عقل فهو انفعال يعلو على طبقة السبب ويصبح شحناً عاطفياً غير مبرر. ولو سأل انسان فيه ربع عقل نفسه ما الذي تستفيده شخصياً من تشجيع للنادي لما وجدوا اجابة لذلك ليصبح المرور الايجابي للاعبين في الصحة والمال ولكل المشاركين من إعلاميين ومدربين ومحللين ومفبركين مردوداً مالياً أو المساكين الذين انجروا وراء الاعلام فهو الجمهور في الذي يدفع للطبقات المذكورة أعلاه ويدفع من حياته العقل الذي ألغاه.
ثانياً: سلوك المتعصب للأندية:
فالذي يذهب الى الملعب التاسعة صباحاً ليحجز مكاناً مرموقاً بين الهتافين لمباراة ستقام التاسعة مساء اي يظل يهتف 12 ساعة متصلة قطعاً لا يذكر الله فليست المدرجات أماكن الذكر بل هي أماكن للسب المتبادل وقطعاً هو لا يصلي اي فرض، ولا حتى يعيش يومه كبشر فالذي يترك أسرته وأبناءه ان كان أباً والذي يترك دروسه ان كان طالباً ليهتف قطعاً ذا عقل ملغى هل هذا عاقل؟؟ يهتف ويقتل نفسه هتافاً للاعبين لا يعرفون عنه شيئاً بل يهتف لناد لن يُسمح له بدخوله اذا رغب في ذلك وان اقترب من الابواب سيقوم الحراس بطرده بينما هو دفع من ضرورات حياته ثمناً للتذكرة ليشجع ويهتف ثم يطرد وقد تستدعى له الشرطة... هل هذا عاقل اذن هو سلوك مسلوب العقل.
ثالثاً: الكوارث التي تأتي من الانفعال:
1 - جريدة «الراي» عدد 17/6/2007 ص58 مقتل مشجعين في الجزائر واصابة 53 في صدامات بين مشجعي فريق مولودية - واتحاد البلدية.
2 - جريدة «الراي»: عدد قريب مقتل واصابة 108 من مشجعي ريال مدريد في احتفالات الفوز بالدوري.
3 - مشجع كروي اصطحب طفليه الصغيرين للمباراة فطرد الحكم لاعباً من الفريق الذي يشجعه فانفعل حزناً فأصيب بسكتة قلبية فمات في المدرجات فاجتمع الناس حوله فظل الطفلان يصرخان ظناً أن الناس تضرب أباهما وناهيك عن باقي مأساة الطفلين حتى أعادوهما الى ذويهما مع أن اللاعب الذي طرد ظل حياً ولا يزال.
4 - مشجع كروي أراد ان يكيد لآخر فألبس الكلب قميص النادي المنافس فأوعز الشيطان الى الآخر ان هذه الاهانة لناديه لا يردها الا القتل فأطلق الرصاص على صاحب الكلب فأرداه مات هذا وسجن هذا هل زار السجين أحد من النادي الذي أضاع مستقبله من أجله... لم يحدث.
5 - كثيرون يموتون بالسكتة القلبية مع الانفعال الشديد واعتقد ان الشيطان لا يجد مجالاً ملائماً للوسوسة واضاعة العقول كمثل ما يجده في مجال الكرة لأنه اضاعة عقول مجاناً دون تكلفة فإن يوسوس الشيطان للشخص بارتكاب كبيرة تحتاج الى جهد من الشيطان لاقناع الضحية اما الانفعال بالكرة فلا يحتاج من الشيطان الى جهد يذكر ما عليه الا ان يصور للضحية ان كرامة ناديه قد بعثرت فليمت الحكم. رابعاً: الكذب: وهو اسوأ النتائج المترتبة على تشجيع الأندية فلو التقى فريقان واحتسب الحكم ضربة جزاء احتج عليها افراد الفريق المحتسبة عليه ضربة الجزاء ترى عجباً؟
ان سألت جميع مشجعي النادي الذي احتسب له ضربة الجزاء أكدوا لك انها ضربة جزاء صحيحة مئة في المئة وان سألت جماهير النادي الذي احتسبت عليه أكدوا انها ليست ضربة جزاء وان الحكم ظالم ومرتش اذن نصف الناس كاذب بل ان حتى الذي قرر الصدق لا يقصد الصدق وانما صادف الصدق مع التعصب اي الجميع كاذب، سوق لا يتواجد فيه عاقل ولا صادق ولا بصير لأن البصير يرى الحق اما المتعصب فهو أعمى رغم انه يحمل على وجهه عينان.
خامساً: من دون عنوان ومن دون اي تعليق
1 - أكثر دول العالم تقدماً في كرة القدم هي البرازيل هي آخر دول العالم في التنمية الاقتصادية وتعد من أفقر دول العالم وهي الدولة الوحيدة التي توجد فيها أسواق لبيع الاطفال من شدة الفقر ولم يؤد التقدم الكروي التاريخي ودخول البرازيليين المحترفين في أوروبا الا الى مزيد من التضخم وارتفاع الاسعار على رؤوس الفقراء في هذا الشعب.
2 - الولايات المتحدة أكثر دول العالم تقدماً اقتصادياً وعسكرياً ليس لكرة القدم فيها اي شعبية ولا اهتمام ويهتمون برياضات أخرى غير الكرة.
وكأن ارتباط كرة القدم بالتنمية الاقتصادية هو ارتباط عكسي فما بالك بالعقيدة؟
سادساً: الموقف الإسلامي من التحزب من دون عقل
1 - الاسلام يرفض انقسام المسلمين على أي أمر (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان).
2 - الاسلام يحترم العقل ويرفض ان يتنازل المسلم عن كنز وهبه الله له هو العقل، فيترك الشيطان يذهب به الى أعلى مراتب الانفعال في أمر لو فكر فيه واعمل عقله لوجد نفسه يقف على جرف هار، فتشجيع أندية الكرة يلغي العقل وهو ما لا يقره الإسلام.
3 - يرفض الاسلام من المسلم أن يكون مسلوب الارادة فالمشجع في المنظومة الكروية هو الشخص الذي يدفع ويهتف ويضيع كل وقته ولا يستفيد شيئاً سوى هلك المال والوقت والعقل والاسلام يرفض كل هذا. والى اللقاء في المقال المتمم لهذا الموضوع الحار
دكتور/ عزت عبدالحميد
أستاذ أكاديمي