العرب في قمة العمالقة ... مسالخ وأفران رؤوس وأكباد!

تصغير
تكبير
كم كان مؤلما أن تتعمم لغة بعض العرب والمسلمين في قمة الدول الصناعية. كم كان مشهد كبار العالم وهم يستعيدون مفرداتنا مسيئا لهم ولنا... وكم هو صعب فصعب فصعب ان نصاب نحن بعدوى افضل ما في الدول المتقدمة وكم هو سهل فسهل فسهل ان تصاب هذه الدول بعدوى أسوأ ما عندنا.

في السابق، كانت هذه القمم تنظر في مواضيع كثيرة اهمها التعاون الثنائي بين دولها ومواضيع الطاقة والبيئة والانفاق على البرامج العلمية والطبية وقضايا التسلح. كانت تفكر في كيفية إقراض العالم الثاني و«تشحيذ» العالم الثالث تحت مسميات المنح والمساعدات الإنسانية. كانت تناقش بإعجاب البرامج العلمية والتكنولوجية المتقدمة على مختلف الأصعدة في دول مثل الصين وإسرائيل وماليزيا وسنغافورة وغيرها. ثم تتوقف عند الحروب الإقليمية وتحصد حدا أدنى من التوافق على حل النزاعات أو مقاربة النزاعات أو التوافق حتى على «التمنيات» بحل النزاعات مع الاستعداد لتقديم كل دعم.

في القمة الأخيرة في إيرلندا الشمالية، كانت قمة عمالقة العالم، عظماء العالم، أشبه بقمة عربية في ما يتعلق بالموضوع السوري، بل إن القمة العربية لم تناقش علنا ما ناقشه هؤلاء القادة وكأنهم جزء من الفصائل المتنازعة في سورية.

يتحدث الفرنسيون والبريطانيون قبل القمة وخلالها عن فظاعات النظام السوري و«شبيحته» في بدايات الثورة غير المسلحة. عن أطفال يعودون إلى بيوتهم من أجهزة الأمن بلا أعضاء، عن مطربين تقطع حناجرهم، عن ناشطين سلميين يوزعون الورود على الجيش يدفنون بلا أحشاء. عن مجازر تذبح فيها المليشيات أهالي القرى بشبابهم وشيابهم ونسائهم وأطفالهم. باختصار، يقاربون الموضوع السوري وكأنهم يتحدثون عن مسلخ، ثم يقولون إن عدم إقفال دول العالم لهذا المسلخ استدعى ردود فعل متطرفة وسلح الثورة وادى إلى ما أدى اليه من نكبات ومآسٍ.

يتحدث الروس قبل القمة وخلالها عن المتطرفين الإسلاميين الذين وفدوا من كل مكان من دول العالم للقتال ضد نظام بشار الأسد من أجل إقامة دولة خلافة تصبح البديل عن تورا بورا. يعيد الرئيس فلاديمير بوتين شخصيا التذكير بشريط فيديو يظهر فيه متطرف يغرز سكينا في قلب جندي سوري ويخرجه ويأكله أمام الكاميرا. يستعيد من تراثنا الإسلامي قصة هند آكلة الكبود متحدثا عن مسلحين من «النصرة» وغيرها يتباهون بأنهم سيأكلون كبود خصومهم في كل عملية «جهادية» ينتصرون بها. يذكر العالم بأنه حارب الإرهاب في الشيشان وكادت أميركا تبني محورا دوليا ضده قبل أن تتذوق من أهل الشيشان في أولمبياد بوسطن بعض ما تذوقته روسيا. باختصار، يقارب بوتين الموضوع السوري وكأنه ايضا يتحدث عن مسلخ، ثم يقول إن اصرار العالم على استمرار فتح هذا المسلخ استدعى تعاطفا روسيا متزايدا مع نظام بشار الأسد كي لا تسقط سورية في أيدي المتطرفين.

يسبق الرئيس باراك أوباما قمة الكبار بعاصفة من التهديدات والتوقعات والتحذيرات: «الاسد استخدم السلاح الكيماوي ما أدى الى وقوع مجازر سقط ضحيتها عشرات المدنيين اختناقا. الأسد لابد أن يعاقب لأنه تجاوز الخط الأحمر. تسليح المعارضة بأسلحة نوعية يجب أن يبدأ». ثم يكمل جماعة الأمن القومي والخارجية التهديدات فيسربون أنباء عن منطقة حظر جوي وأخرى عن ضربة سريعة خاطفة تشل كل قدرات النظام السوري العسكرية... قبل أن يعلن أوباما نفسه في القمة: «لا منطقة حظر جوي ولا ضربة عسكرية»، بل يذهب إلى ابعد من ذلك فيتحدث عن عدم دعم السنة ودعم حل يحفظ التنوع... الخ. باختصار، يقارب أوباما الموضوع السوري حاليا وكأنه يتحدث عن فرن غاز يشوي أهله ويمكن أن يشوي جيرانه، ويلخص الموضوع كله في ضرورة وجود دعم دولي بالاتفاق مع روسيا لتخفيف نار الفرن رويدا رويدا قبل اطفائه. أما إذا لم يحصل ذلك فالمأساة في رأيه ستكبر.

«مسالخ وأفران. قطع رؤوس وأكل كبود. سنة وشيعة». هكذا كانت لغة الكبار في قمتهم، وربما كنا كعرب ومسلمين نستحق هذه اللغة وتلك المقاربة لأننا تركنا الاستثناء يصبح قاعدة، وجرفتنا غرائزنا شعبيا وإعلاميا ووجدانيا إلى مقاربة الموضوع السوري من باب الطوائف والمذاهب ولغة النحر والخنق. تغيرت البنادق وتغيرت الوجهات وتغيرت بيارق الانتصارات واعلامها، وها نحن أمام عالم متقدم ينظر الينا... بعيوننا التي ما أصابها العمى بعد.

أراد النظام السوري أو لم يرد. استدرج الفتنة والتطرف أم لم يستدرج. حول المطالبات الشعبية الباحثة عن الحرية والكرامة والخبز الى مواجهة بين قاطعي الرؤوس وأكلة الكبود أم لم يحول. أشعلها فتنة مذهبية أم لم يشعل... النتيجة واحدة وهي أن جزءا كبيرا من أمتنا العربية والإسلامية يساهم في هذا التشخيص ويكرسه، في البيت، في المدرسة، في الجامعة، في الساحات والميادين، في المشاهد السياسية وأمام عدسات الكاميرا.

رغم كل العار الذي لحق بمنزلتنا (أو ما بقي منها) فحسنا فعل قادة العالم وهم يختصروننا في فرن أو مسلخ، ولا بأس من التذكير (إن كان ينفع) بأن الله جل جلاله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي