| علي الرز |
لا يجادل احد في حق «الاخوان المسلمين» ببذل كل الجهود للبقاء على رأس السلطة في مصر الآن ولاحقا من خلال صناديق الاقتراع. فهم ارادوا السلطة ووصلوا اليها، ويريدون البقاء فيها ويجهدون لتحقيق هذا الهدف.
انما السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو هل قدم «الاخوان» خلال تجربتهم القصيرة في الحكم ما يشير الى انهم مؤهلون فعلا لقيادة دولة بحجم مصر وتاريخ مصر وعراقة مصر وتعقيدات «الزمان والمكان»؟ الجواب قد يكمن في اجابة احد القيادات «الاخوانية» العربية السابقة المخضرمة عندما سأله احد مستشاري الرئيس المصري محمد مرسي:»اين اخطأنا»؟ فاجابه:»اخطأتم في انكم اخترتم عبور المحيط بزورق مطاط».
في العودة الهادئة الى البدايات اكثر من خريطة طريق، وفي حسابات الارقام واللوائح والاصوات الانتخابية اكثر من اجابة.
قامت الثورة على اكتاف من قامت.
شباب وعواطف ومشاعر وطنية ورغبات في التغيير وارادات لاعادة الاعتبار لنبض الشارع وكلمة الشارع. حسابات عسكرية مختلفة في وضع شديد الحساسية والدقة املت على الجيش اتخاذ الموقف الذي اتخذه. حسابات سياسية مرتبة ومنظمة وواضحة المعالم لبعض القوى وعلى رأسها «الاخوان» لاستثمار اللحظة لتحقيق هدف الوصول الى السلطة بمساعدة دولية واقليمية. حسابات تشريعية ودستورية مرتبكة ومربكة ادت الى وضع العربة امام الحصان في الاستفتاء الشهير الذي سمح ببناء سقف المنزل قبل اعمدته وقاعدته. انتخابات عامة يتقدم فيها المرشح احمد شفيق ومرشح «الاخوان» وحمدين صباحي باعداد متقاربة. اعادة للانتخابات تلتف فيها كل الاصوات الرافضة لوصول شفيق الى الرئاسة حول مرشح «الاخوان» في اطار ائتلافي شبيه بالقنابل الصوتية التي تحدث دويا لا تأثيرا... توقع المصريون ان يتولى «الاخوان» قيادة سفينة كبيرة ضخمة بل قيادة «حاملة اصوات» في امواج المحيط المصري بهيئة مشتركة تمثل عمليا جميع من شاركوا في مشروع التغيير.
ما حصل كان عكس ذلك تماما، لم ينفتح «الاخوان» على المشاركة الاوسع مع القوى التي لولا مساهمتها لما وصل محمد مرسي الى الرئاسة. وهذا الانفتاح بالمناسبة ليس منة بل حق من حقوق ائتلاف لم يحسن اصحابه توثيقه. هرب «الاخوان» من استحقاقات اللحظة الوطنية الى «الاخوان». فضلوا الابحار بزورق مطاط بدل توزيع الادوار في سفينة ضخمة على كل من شارك في الائتلاف، وخسروا منذ اعتماد الحسابات الضيقة فالاضيق الاطار الوطني الجامع الذي كان كفيلا بادخالهم حزب الدولة بدل ادخال مصر دولة الحزب.
اليوم، تعبر مصر ازمة من نوع آخر، فالثورة السابقة التي كانت ضد النظام ومن اجل الدولة، حلت محلها «فورات» عشوائية واخرى مرتب لها تؤدي عمليا الى حل الدولة وتحللها، ومكمن الخطورة في ذلك ان الفراغ الذي يعتقد البعض انه قادر على ملئه بقواه الذاتية سيتحول رويدا رويدا الى اعصار يبلع الجميع وعلى رأسهم الذين اوصلوا الامور الى هذه المرحلة.
في كل التطورات الاخيرة التي حصلت ميدانيا وقضائيا وسياسيا وشعبيا، يهرب «الاخوان» مجددا الى «الاخوان»، ويبدو ان تيارا كبيرا داخلهم يستلهم بعمق التجارب الاخرى لانظمة واحزاب اسلامية مثل ايران و»حماس» و»حزب الله» بل حتى لقادة «البعث» بشقيه العراقي والسوري، بمعنى ان الخيار لديهم هو اما الامساك بالبلد كله وبأي طريقة، واما الفوضى والتجزئة والانقسام على قاعدة استمرار النفوذ ولو على قطعة من ارض او قطاع من الناس. يعتقدون ان حل الدولة باجهزتها الامنية والقضائية والادارية يمكن ان يعوض بالميليشيات الخاصة والقضاء الخاص والادارة التنظيمية تحت شعار حماية المؤسسات... حتى ولو ادى الامر الى انقسامات عمودية في هيكل الدولة وافقية في هيكل المجتمع. المهم ان يفرضوا امرا واقعا جديدا مع بعض الثبات كي يصبح من وجهة نظرهم امرا دائما.
لكن ما يصح في دول وانظمة اخرى لا يصح في مصر. فهنا الدولة عمرها من عمر الارض، وهنا القاعدة الاقليم التي تؤثر في محيطها ان اهتز استقرارها اضعاف اضعاف ما قد يولده عدم الاستقرار في دول اخرى، وهنا الانسان الذي عاش «التجربة والخطأ» مع تعاقب الانظمة فخرج من التجربة دائما ليضع حدودا للخطأ. يخطئ «الاخوان» ان ظنوا ان انفلات الاوضاع في الشوارع يريحهم من انتفاضة ذلك الشارع ضدهم قبل الاستفتاء على الدستور وبعده، ويخطئون اكثر ان اعتقدوا ان الفوضى ستخلف فراغا وانهم الوحيدون القادرون على ملئه.
العباءات تخفي احيانا لكنها لا تحمي... وحدها الدولة تحمي.