| فهد توفيق الهندال |
ان تقرأ عملا قصصيا يحضن ذاكرتك المتعبة ويستحضر من بين أدراج الزمن بعض أطياف الماضي فتفتش بين جيوب معطف الحياة عن بعض الصور القديمة المستوطنة في الوجدان والعابرة على الخاطر، لهو عمل جدير بالقراءة لأكثر من مرة، لما لتأثيره الحي عليك في تنشيط الحنين واشعال الوعي بكل ما مرّ عليك من أحداث وشخصيات.
عندما تتصفح بعض الأعمال الإبداعية الخارجة عن وصاية الثقافة الرسمية وتتعمق في خطوط الكتابة، تتبادر لذهنك تلك الصور المتحررة من رقابة المصالح وبروتوكولات التبجيل النخبوي والنفاق الإعلامي، منطلقة في فضاء رحب جدا لا يحده خيال ولا سقف محال، وحدها اللغة تنسج منطق الحياة وتحفظ للتاريخ وقاره متى ما كان أمينا مخلصا.
هذا ما وجدته شخصيا في المجموعة القصصية (يسقط المطر تموت الأميرة) للقاصة والكاتبة منى الشمـري، وقد اختصـرت الزمن السابق في بقعة منسية في ضمير الأدب الكويتي لم يُسلط عليها الضوء المفترض في رسم تفاصيل أمكنتها، والولوج للعوالم الداخلية لشخصياتها التي تقف على باب الرزق والأمل واستنطاق همومها المكبوتة بالحزن والألم، وما قد اعترض طريق دروب أحلامها للتحليق في سماء كانت زرقاء، خالية من تلوث العصر الحديث، وأرض كانت خضراء قبل تمدد الاسمنت وتحجر المشاعر.
المجموعة القصصية لم تكن سوى شاهد على المكان «الفحيحيل» البعيد نسبيا عن مناطق الداخل كما يحلو للبعض أن يسميها أو يصنفها وفق منظوره «التنموي» الخاص ورؤيته لبقية المناطق الأخرى «النائية» البعيدة عن قلب التمدن والحداثة والتحضر!
فتتساءل... من الذي تغيّر المكان أو الإنسان؟
المكان أرض تحتمل الخصوبة أو اليأس، وليس كل خصب ينتج ثمرا يانعا، وليس كل يأس هو انقطاع حبل الأمل والإيمان. إذاً الإنسان وحده المسؤول عن إعمار الأرض واصلاحها أو خرابها وفسادها. فالمكان يصلح للسكن بوعي الإنسان، ولا يكون عندما يهجر الإنسان أيَ ضمير.
يسقط المطر تموت الأميرة... ليست مجرد مجموعة قصصية، بل هي مجاميع من مشاعر إنسانية محتشدة تكافح للحياة والوجود معا.
فاصلة أخيرة
مثل هذه الأعمال الأدبية بحاجة لمن يتبناها دراميا فيعيد الاعتبار للأعمال الدرامية الكويتية التي تهجنت أخيراً بسبب النصوص المستنسخة من مجتمعات لا تمت بصلة للواقع الكويتي لغة أو مشاعر أو حتى رؤية مستقبلية.
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر
Kwt1972@gmail.com