| علي الرز |
كم كان سعد الحريري بعفويّته وتلقائيّته قريباً من قلوب اللبنانيين في إطلالته الاعلاميّة مع الزميل مارسيل غانم. لم يكن ذاك السياسي الذي ينتقي عباراته بدقّة شديدة خوفاً من ردود فعل الآخرين. لم يكن ذاك الخطيب الهادر الذي يستخدم كل لغات الجسد لتمرير رسائل التهديد والوعيد. لم يكن ذاك المتلوّن الذي يطلق مواقف ضبابية ليبيعها لاحقاً في سوق التسويات. لم يكن ذاك المسؤول الذي يعطي إشارة الى اليمين بينما هو يريد الانحراف الى اليسار او العكس... كان مباشراً واضحاً صادقاً جريئاً، والأهمّ من ذلك كله كان سعد المتجدّد الذي يستفيد من كل خبرة اكتسبها للتقدّم خطوة الى الامام بمشروع متقدّم.
كانت الإطالة في قضية المشروع الارثوذكسي للانتخابات النيابية المقبلة مقصودة في الشكل والمضمون، اعترف الرجل خلالها بان لدى المسيحيين هواجسهم لكنه استذكر ايضاً (لمَن نسي او تناسى) كيف ان القوانين الانتخابية السابقة ايام الوصاية لسورية كانت تُفصّل لضرب الرموز الاسلامية وعلى رأسها الشهيد رفيق الحريري... اذاً، موضوع الهواجس يُحلّ بالاعتراف لا بالإنكار، وبالجدية لا بالمزايدات، وبالحلول الوطنية لا بالمصْلحيّة الآنية، ومنها ما تقدّم به من مشروع متكامل أهمّ ما فيه ارتكاز الانتخابات المقبلة على الدوائر الصغرى وقيام مجلس الشيوخ كمنطقة تَوازُن للمجموعات الروحية المكوّنة للبنان، اضافة الى اللامركزية الادارية الموسعة والخطوط الاساسية للسياسة العامة للدولة في ما يتعلق بالداخل والخارج.
رأى الحريري في موضوع الانتخابات على أسس طائفية ومذهبية عودة الى زمن الكهوف والمغاور. تفرقة واحتراب. قال ان ولادته السياسية في 14 آذار (مارس) 2005 كانت بمنظر راهبة تحتضن الصليب فوق ضريح رفيق الحريري وشيخ يتلو القرآن وقس يصلي. رأى في قسَم الشهيد جبران التويني بأن يبقى اللبنانيون موحّدين بمسلميهم ومسيحييهم ميثاقاً مكمّلاً للدستور اللبناني وخصوصاً ان صاحب الميثاق وقّعه بالدم. هو ابن لحظةٍ تاريخية كانت البداية الحقيقية لإعادة الاعتبار للرأي العام العربي في وجه سلطةٍ لا تعترف بوجوده. ابن مشهدٍ وطني لوّنته الشهادة والتضحيات والحصار والمقاومة. ابن قيامة جديدة للبنان فجّرها استشهاد رفيق الحريري ورفاقه... هذا المشهد استمرّت محاولات اغتياله حتى اللحظة، جسدياً وسياسياً، لانه النقيض التام لمشهدٍ آخر يأخذ لبنان الى منطقة اخرى، لذلك يرفض سعد الحريري ان يشارك في اغتياله بعدما فشل الآخرون في ذلك رغم كل فوائض القوة والسلاح و»المال النظيف» التي في حوزتهم.
ومَن يرفض مشروعاً طائفياً مذهبياً للانتخابات احتراماً لمبادئه ولولادته السياسية، لا يمكنه النفاق في رفض الزواج المدني الاختياري لمَن يريد من اللبنانيين واللبنانيات خوفاً على موقعه من سهام المرجعيات الدينية. سعد الحريري هو رئيس الوزراء اللبناني الوحيد الذي قال لمفتي الجمهورية ان تكفير الناس ممنوع عليه، وان الغلو والتطرف والتعصب هي المعاول الحقيقية لهدم الإسلام، وانه إن كان يرفض شخصياً الزواج المدني ولا يسمح لاولاده به الا انه لن يقف امام خيارات الناس.
كان سعد الحريري متجدداً في كل شيء، في رفْضه السجال الحاد مع حلفائه او نصف حلفائه او أصدقائه او ربع أصدقائه. قال انه سيشارك في الانتخابات حتى وفق المشروع الارثوذكسي اذا أُقرّ لانه لا يؤمن الا بالمشاركة الايجابية. اعترف بان مشاكله المالية موجودة لكنه ابن مشروع سياسي وليس ابن مشروع تجاري. اعترف بكل نقاط الخلاف والاختلاف داخل منظومة 14 آذار. اعترف بأنه يتمنى (ويعمل ربما) لإنهاء حكومة «حزب الله» الراهنة وانه يدعم الثورة السورية. اعترف بأخطائه شخصياً وأهمها النوم في قصر الاسد مضطراً كرئيس لحكومة لبنان. اعترف بأن سياسة اليد الممدودة أعطت نتائج سلبية لكنه لن يغيّرها... واعترف بأنه خسر في مواقع كثيرة انما «صحتين على قلبهم» متمنياً فقط ان يتقوا الله في لبنان وان يلتزم الجميع بالاصول الديموقراطية.
ربما كانت مواقف سعد الحريري «المتجدّدة» موجّهة الى حلفائه بالدرجة نفسها الموجّهة الى خصومه كما الى أنصاره وخصوصاً اولئك الذين أطلقوا الرصاص ابتهاجاً.