فهد توفيق الهندال / فاصلة / نغم تحت الأنقاض!

تصغير
تكبير
| فهد توفيق الهندال |

لا أعلم ما كان يدور في مخيلة الشاعر أنسي الحاج، ولا أدري أي شارع سار فيه وهو يرسم الكلمات، وأي أناس رآهم أمام ملء ناظريه يعبرون، ولا أسماء الجوامع أو الكنائس التي استوطن قلبه بها يتأمل معاني الحياة، سوى أنني على يقين أنه أينما كان... رأى بها جميعا بيروت.

في كل زيارة خاطفة لهذه المدينة العاشقة للأمل، الشامخة على الألم، الشاعرة بأهلها، الممتلئة بكل الطوائف الإنسانية، تزداد جمالا فنيا لا تحتوي لوحاتها الفاتنة أي إطارات ولا يحدها أي سقف.

بيروت... مدينة العالم القديمة بلغتها الإنسانية، الجامحة بخيال الفنون، المتحررة من تزمت التاريخ وسطوة الجغرافيا.

بيروت، ليست مجرد مدينة عاصمة تحتسب ضمن الخرائط السياسية، وإنما وطن في قلب الإنسان اللبناني أينما كان، يحمله حلما جميلا لا يتسعه مكان.

بيروت أغنية لم تتمكن من إنهائها حتى اليوم ولا غدا فيروز، تتقاطع تفاصيل شوارعها مع قوافي وأنغام الساكنين على شواطئ الروشة وتيجان جبل لبنان والبقاع الخضراء.

بيروت لا تختزلها طائفة أو لون أو أي يوم من تواريخ آذار، لأنها المصير الوحيد المتجدد والخيار، لكل العاشقين.

بيروت لا تهاب الريح، وثرثرتها العابرة، وأمطار الفصول الغاضبة، بل تستحيل نسيما عليلا بالهوى يتبارك به الوادي الحزين.

هذه هي بيروت، الهادئة بصخبها، الصاخبة بهدوئها، المحلقة مع الشمس المجاورة للقمر، المبحرة مع الروح، المهاجرة من القلوب إلى القلوب، الساهـرة في مقاهي الحمـرا، الساحـرة في الأشرفية، الصامدة في الضاحية، المدهشة في كل ضواحي الزهر والكنافة بالكعك، وصور أنتيك الأغنياء، وأرغفة الفقراء. فالكل في بيروت... بيروت.

فاصلة أخيرة

اختمها مع شعر زاهي وهبي من قصيدة «لكم الدولة لكم الدولة»:

لكم الآن والغد الأكيد

لكم شرفة الصبح، حسرة الدمع، وشمس طالعة من جوف الجراح

لكم غناء البلابل في الحقول

وصمت الظهيرة الكسول

حبة القمح إذ تصير سنبلة أو قنبلة

ونهارات ناصعة مثل فرح الأولاد

لكم تغني الأرض الحزينة

لا الخوف يكتم صوتها ولا الجلاد.

والعاقبة لمن يعقل ويتدبر

 

Kwt1972@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي