| فهد توفيق الهندال |
العالم يحتفل باليوم الأول من العام الميلادي الجديد بشتى الوسائل التعبيرية عن الفرح والسعادة، وربما بنوع من الحزن والأسى قد يكون بسبب ما شهده العام المنصرم من أحداث مؤلمة على الصعيد الشخصي أو العام، ولكن العبرة تكون فعلا في أن العالم أجمع يتوحد ويترقب على مسافة واحدة تلك الدقائق الأخيرة من العام الماضي والأولى من العام الآتي.
في قراءة تاريخية لتقاليد الاحتفالات برأس السنة، نجد أن الشعوب الإنسانية اختلفت تقاويمها التأريخية بحسب اعتقاداتها وثقافاتها وفلسفتها في التوثيق والتأريخ لأيامها السابقة والمقبلة، فمنها ما هو مرتبط ببداية فصل مناخي - كفصل الربيع كما في الحضارات البابلية والصينية - أو حدث عام غيّر منعطف الحياة أو ميلاد أحد رموزها الدينية أو السياسية وما تبعه من تحولات جذرية في أنماط الحياة، وغيرها من القرائن والأسباب.
فالتقويم الغريغوري جاء بدايته في الرابع والعشرين من شهر فبراير عام 1582 حينما وافق البابا غريغوار الثامن على التقويم الذي طرحه العلامة ألويسو سليليوسو الذي يقضي بتقسيم السنة إلى 12 شهراً واعتبارهامؤلفة من 365 يوماً، وذلك للاحتفال بعيد قيامة المسيح في الربيع، إلا أنه أصبح عيدا في الأول من يناير من كل عام لكونه يمثل بداية العمل بالقانون المدني وبتولي ممثلي الشعب مناصبهم لمدة سنة.
إذا هناك روايتان تاريخيتان بشأن بداية العام الميلادي كما تذكر المصادر، إما الأول من يناير لبدء العمل التشريعي في الدولة الرومانية القديمة، أو بداية فصل الربيع، وغالبا فبراير، لكونه يمثل عودة الحياة بكافة حيويتها ونشاطها بعد فصل الشتاء وسباتها لثقيل، باختلاف ظروف الروايتين إلا أنهما تتفقان في أصل السبب في أن العام الجديد يمثل بداية عمل جديد في عمر الإنسان، إما على مستوى مجتمعه المدني الذي يعيش فيه أو مع العالم الذي يحيط به، فهي علاقة شخصية مع النفس في مراجعة حسابات الماضي مع الحاضر من أجل المستقبل، وعلاقة طبيعية مع الكون الذي يعتمد توازنه الاعتيادي بطبيعة الإنسان نفسه.
من يظن أن الاحتفال ببداية العام الجديد فرصة للألعاب النارية واللهو والمرح، فليس سوى رقم تكميلي في العالم لن يزيد أو ينقص فارقا في الحياة. فلكي تكون رقما صعبا فلابد من التفكير العميق قبل طي صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة من الحياة في الاستعداد للتدوين عليها فكرا وسلوكا على المستوى الشخصي أو الجماعي.
فاختر موضعك اليوم مقابل نفسك في المرآة قبل نظر الآخرين لك، فأي مقام سترتقي مع بداية العام الجديد. فقد قيل: ما من يوم جديد إلا ويقول يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فانظر ماذا تفعل.
فاصلة أخيرة
كل عام وأنتم بخير
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر
Kwt1972@gmail.com