| علي الرز |
بعد كل قمةٍ خليجية، تبادر إيران آلياً الى انتقاد القرارات الصادرة عنها. لكن الردّ على قمة البحرين كان مختلفاً هذه المرّة، اذ أرفقت في ثناياه عناصر الغرور والعنجهية والتهديد... فيما كانت «الأفعى» عنصراً محورياً بُنيت عليه كل تلك العناصر.
يقول وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي، إن إيران «بلد قوي ومقتدر ويتمتّع بجذورٍ تاريخية عريقة»، قبل ان يطلق تساؤله الذي أطلقه قبل خمسة أعوام مسؤولون عراقيون وأطلقه قبل عام مسؤولون سوريون: «لكن كم هي العراقة التاريخية» لدول الخليج؟، ثم بتعالي المعلّم يكمل: «أوصيهم ان يفكّروا ثم يطلقوا التصريحات»، ويحذرهم بمنطق الوصيّ: «لا تتخذوا موقفاً يحرجكم تاريخياً ولا تملكون له اي تبرير... انتم تدركون ظروفكم»، ويعنّفهم بمنطق الوليّ: «ألا يستحون على أنفسهم بسبب الأفعى التي ترعرعت في أحضانهم ثم يوجّهون الاتهامات للآخرين؟»، ليخلص الى ان «هذه الأفعى ستلدغهم اولاً».
بدل ان يجد المسؤولون الايرانيون حلولاً لمشاكلهم وسوء سياساتهم من خلال حلول الحاضر، يهربون دائماً الى «العراقة التاريخية» التي لا يتسابق احد على انتزاعها منهم. مآسي الحاضر لا تحلّها عراقة الماضي... أو بمعنى أدقّ لا تبررها، انما يبدو ان مدرسة استحضار الغائب واحدة بين جملة السلوكيات الديكتاتورية. نظامٌ سوري يردّ على الدول العربية الداعية الى حجب دم الابرياء بالمقارنة بين تاريخ سورية الحضاري وتاريخ هذه الدول. صدّام حسين يبرر كل مجزرة بموْقعة إسلامية. «حزب الله» يردّ على موضوعٍ محلي لبناني داخلي بأدبيات الاستشهاد ورفْض «إعطاء الذليل وفرار العبيد».
تاريخياً وحضارياً وثقافياً، يمكن ان يجادل كثيرون في الفروقات بين الدول، انما ما همّ اليوناني بأعظم حضارة ربما شهدتها البشرية ودولته مفلسة، وما همّ العراقي وهو صاحب حضارة عظيمة ومسؤولو حاضره ضيّعوا كل قيمها. كذلك الامر باللبناني والسوري والايراني والمصري وغيرهم. في المقابل هناك دول وُلدت حديثاً ولا تاريخ حضارياً لها، لكنها الأقوى في كل المجالات. الحضارة لا تبرّر قتل الناس وتجويعهم وتشريدهم لمجرّد انهم اعترضوا. لا تعني التدخل في شؤون الآخرين وتصدير الموت (والعبارة الاخيرة قالها نوري المالكي عن بشار الاسد)، ولا تعني تجاهل التجارب الناجحة نسبياً اجتماعياً واقتصادياً للدول الاخرى وفي مقدمتها دول الخليج التي اقتربت من مفاهيم التنمية والسلام والاستقرار معبراً الى المستقبل لا من شعارات دول «الجماهير» الهادرة بالماضي.
اما عن الموقف من إيران الذي سيحرج أهل الخليج تاريخياً ولا يملكون له ايّ تبرير كما قال صالحي، فهو لن يحرج إلا إيران التي سيملك مسؤولو نظامها المقبل جملةً من التبريرات، فالأفعى الحقيقية هي التي تعيش على الانقسام المذهبي الطائفي البغيض، والأفعى الحقيقية هي التي تتباهى بأنها دولة تملك النفوذ الاول من حدود الصين الى شاطئ غزة استناداً الى مشروعٍ فرضته بأحزاب السلاح وحكومات اللون الواحد لا بخيارات الشعوب، والأفعى الحقيقية هي التي تؤسس لواقعٍ يخوض حروبها بالوكالة ليس من حدود الصين الى شواطئ غزة فحسب، بل من المتوسط حتى جنوب أميركا احياناً، والأفعى الحقيقية هي التي تؤسس لردود فعل تشبهها فتَتعمّم التنظيمات والعقائد والأفكار الظلامية، وتتكاثر أحزاب السلاح التي تفرض حلولها، وتَتمدّد العمليات خارج الحدود «المصطنعة».
ارتكبت دولٌ خليجية أخطاء، ولُدغت من تيارات وتنظيمات، لكنها اعترفت بالخلل وسمّت الاشياء بمسمياتها وأعلنت حرباً كلّفتها الكثير من خيرة شبابها، بعكس ايران التي هاجمت «القاعدة» ثم احتضنتها ووظّفتها، وهاجمت اميركا ثم استجدت القاصي والداني لفتح قنوات حوار معها، ودعمت الربيع العربي ثم أرسلت حرسها الثوري ومقاتلي «حزب الله» لإحراق ربيع السوريين.
في لعبة «الأفعى والسلّم» يهمّ ايران ان تتحوّل المنطقة الى غابة من الأفاعي كي يتمكّن في النهاية «القوي المقتدر صاحب الجذور التاريخية» من ارتقاء السلّم الى أعلى وسط انهيارات كبرى. انما ماذا لو لَدغت الحيّة نفسها وهي تفاوض «الشيطان الأكبر» لحماية رأسها؟
على إيران ان تتعامل مع المنطقة بمنطق الشرعية الدولية لا بشريعة الغاب... اللهمّ إلا اذا كانت «سلوكيّات الأسد» هي العراقة الوحيدة التي ما زالت متجذّرة!