| فهد توفيق الهندال |
عندما وقعت حادثة القطار القاتل مع باص المدرسة في مصر والتي راح ضحيتها أطفال صغار خطف الموت أملهم وسرق كسل غيرهم مستقبلهم، ظهر على إحدى الشاشات الفضائية المصرية الإعلامي عمرو أديب في حالة لا أستطيع أن أصفها إلا بهستيريا الموقف المؤلم، وقال بكل جرأة «نحن مجتمع فاشل!!».
لم يقف عند هذه الجملة، بل فصّل فيها كل أسباب الفشل وحمّل عناصر المجتمع ما حدث، على الرغم من أن تلك الجملة لا تخلو من تصفية حسابات أكثر منها نقد من أجل الإصلاح.
ولكن ألا يجعلنا ذلك نفكر فعلا ونتساءل عن دور المجتمع ومؤسساته في حماية أفراده من طغيان أفراده الآخرين في ظل القانون؟
في قراءة بسيطة لدائرة الحياة، نجد أن دور الأسرة ينحصر في تلقين أولى أبجديات التربية المؤسسة لبناء الذات ونقش القيم الواعية على حجر طفولة أبنائها في أنهم جزء من مجتمع إنساني واحد لا تجزئه هوياته الصغيرة أيا كانت، لنعوّل بعدها على المدرسة في تعليمهم لشتى معارف الحياة واكتشاف مواهبهم لما فيه تقدمهم وخدمة مجتمعهم، ثم يأتي دور المعاهد والجامعات في تأهيلهم أكاديميا وتنمية قدراتهم بما يساعدهم في العطاء والإبداع في ميادين العمل المختلفة التي بدورها تساهم في كسبهم الخبرات اللازمة للتعامل مع الحياة ومواجهة مصاعبها والتغلب عليها، وهذه هي الأدوار المفترضة للمجتمع تجاه أفراده.
فهل هذه الصورة متحققة واقعا في مجتمعنا اليوم؟
الإجابة ستكون مرتبطة بفكرنا العاطفي أكثر من فكرنا العقلي، لنبقى ساكنين في موضعنا أمام جادتي طريق... إما أننا مجتمع ملائكي يخلو من الظواهر السلبية وما يحدث لا يعدو عن كونها حالات شاذة فردية وشخصية، وإما مجتمع غير ذلك يستحق ما ينتظره من مصير محتوم جهنمي لكثرة ذنوبه وخطاياه!!
إلا أن ثمة طريقا ثالثا، دربه العودة إلى المنابع الأولى لأي فرد من هذا المجتمع، في دراسة عميقة ناقدة جريئة بنتائجها، جادة بتوصياتها المستحقة واللازمة للتنفيذ، وليس المبيت في أدراج الزمن وثلاجة التفكير بعد قص شريط الفعاليات والتقاط الصور التذكارية والكلمات المرتجلة وهستيرية التصفيق والتلميع... والله لا يغيّر علينا!
إن الاستقواء اليوم الحاصل في نفوس بعض الفئات الشابة مرجعه القناعة الخاطئة بأن القانون لم يخلق إلا للضعفاء، لهذا نجد تغذية البيت لهم بأنهم افضل من غيرهم وأقوى منعة وأحصن ظهرا وأكثر عددا أمام وجه القانون، وأن غيرهم أدنى منهم وأقل.
إن تعزيز مثل هذه الأفكار المدمرة لعقلية الشباب سبقها تحريض في فرض احترام الذات بالقوة المصطنعة لا بالخُلق الواعي في أن احترام الذات يرتبط في احترام الآخرين وحقهم في الشراكة في هذا المجتمع.
إن من يظن أن تدخين السيجارة في الصغر مجرد لهو وخرق القانون مبكرا في قيادة السيارات دون السن المسموح بها حاجة اجتماعية، والتعدي على حريات الناس وكراماتهم في الأماكن المزدحمة لهي اسباب منطقية ومباشرة لما قد تؤول إليه الأمور إلى الأسوأ من ذلك. إن مخالفة قوانين الطبيعة والمضي في عكس مسارها الصحيح لن يقود إلا لمزيد من القلق ونحن في مكاننا دون حراك، ما يعني مزيدا من الفشل!
***
فاصلة أخيرة
ما حدث قبل أيام من جريمة قتل بشعة وسط مجمع تجاري مفتوح وأخرى في محطة وقود على شارع عام، ليقودنا إلى جدوى المنابر الأسرية والأمنية والإعلامية والدعوية والتربوية والاجتماعية والرياضية والحقوقية... وهي قد فشلت جميعها في حماية روح إنسان واحد؟!
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
Kwt1972@gmail.com