عبدالعزيز صباح الفضلي / رسالتي / في سنتين وخمسة أشهر فقط!

تصغير
تكبير
| عبدالعزيز صباح الفضلي |

عند تولّي مسؤولية دولة أو وزارة أو مؤسسة، وهي مليئة بالفساد والخراب، فإن إصلاحها يتطلب توافر شروط عدة، ومنها أن تكون هناك رغبة شخصية وذاتية للإصلاح، وأن يستعين المسؤول بمستشارين ذوي كفاءة وأمانة، ثم يضع برنامج الإصلاح، ويبدأ بتطبيقه أولا على نفسه والمقربين إليه، ثم يصبر ويتحمل المعارضة التي سيواجهها، ليجني بعد ذلك ثمرة النجاح.

عمر بن عبدالعزيز والملقب بالخليفة الراشد الخامس طبق هذه القواعد عندما تولى الحكم، فلقد كانت لديه رغبة صادقة في إصلاح ما أُفسِد قبله، وقام بالاستعانة بالثقات من أهل الرأي والمشورة كالوزير ( رجاء بن حيوه ) وهذا الوزير هو من أشار على الخليفة سليمان بن عبدالملك بأن يجعل الولاية من بعده لعمر بن عبدالعزيز لما رأى فيه من الخير والصلاح، ولحُسن سيرته وعدله حين تولى إمارة المدينة.

وقد ابتدأ الخليفة عمر بتطبيق خطوات الإصلاح على نفسه وأهله، فلم يقبل أن يعيش في القصور وإنما سكن في بيت من طين، وباع ما يملك ولم يترك سوى أرض يأتيه من رزقها ما يكفيه وأهل بيته، ولبس خشن الثياب بعد أن كان يلبس أنعمها، ولما أُتِي بموكب الخلافة قال: قربوا لي بغلتي رحمكم الله.

تأتيه عمته والتي تعودت على المنح والعطايا ممن سبقه من الخلفاء فتُعاتبه على قطعها، فيقول هي أموال المسلمين، فإن شئت أعطيتك شيئا من مالي، فتقول لا حاجة لا بمالك، وترجع خالية الوفاض.

ثم بدأ بخطوات التصحيح وتطهير البلاد من رموز الفساد، فكتب بعزل (أسامة التنوخي ) من ولاية مصر لظلمه الناس، وبعزل ( يزيد بن أسلم ) عن أفريقيا لأنه كان طاغية متجبرا.

وكان يتابع شؤون الأمصار حتى كتب لأحد الولاة: قد كثر شاكوك وقل شاكروك فإما اعتدلت وإما اعتزلت.

ولم يكن يقبل بظلم الناس، كتب إليه والي خرسان يستأذنه في استعمال العنف والسوط، فيرد عليه عمر: بل يصلحهم العدل والحق فأبسط ذلك فيهم، واعلم أن الله تعالى لا يصلح عمل المفسدين، ويكتب له أحد ولاته يطلب منه دعما ماليا ليرفع أسوار المدينة ليُحصّنها من الأعداء، فيجيبه : وما تنفعها الأسوار، حصّنها بالعدل ونقّ طريقها من الظلم.

كان رحمه الله يستشعر عِظم المسؤولية الملقاة على عاتقه تقول زوجته: دخلت عليه يوما وهو يبكي فقلت ما بالك فقال: ويحك يا فاطمة لقد وُلّيت أمر هذه الأمة فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع، واليتيم المكسور والمظلوم المقهور، والغريب والأسير والشيخ الكبير، وأمثالهم في أقطار الأرض كثير، وعلمت أن الله سيسألني عنهم يوم القيامة وأن خصمي هو محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت ألا تثبت لي حجة فبكيت على نفسي.

وقد كان لتلك الخشية والخوف أثر في قراراته إذ أمر بأن يعطى لكل مسلم مسكنا يؤويه وخادما يكفيه وفرسا يجاهد عليها.

ولعدل هذا الخليفة وصلاحه عمت الخيرات فأمر بأن تُكفى حاجات العلماء، وأن يخصص لكل أعمى قائد ولكل مريضين خادم، وتمت كفالة الأيتام وافتداء الأسرى، وكان من بركات عدله أن أخرج الأغنياء زكاتهم فلم يجدوا فقيرا يأخذها.

لقد تحقق كل هذا الإصلاح خلال عامين وخمسة أشهر وبضعة أيام، هي الفترة التي تولى فيها عمر بن عبدالعزيز الخلافة قبل أن يتم اغتياله بسم دسّه الخادم في طعامه، مقابل مبلغ من المال دفعه رموز الفساد المعارضون لسياسته.

لقد رحل الخليفة عمر بن عبدالعزيز عن الدنيا بعد أن نحت اسمه في سجل الخالدين، فهل تفكر كل مسؤول في أعماله التي سيسطرها التاريخ في سجله بعد رحيله؟

 

Twitter : @abdulaziz2002
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي