سامحوني... فقد بلغ اليأس مداه


عزيزي القارئ، لن أطيل عليك اليوم لأنني لن أكتب افتتاحية بل سأقرأ إعلانا.
بداية أنا مدين لك باعتذار عن كل المحاولات التي بذلتها سابقا من أجل البحث عن زوايا مضيئة في الفضاء الكويتي، وتكبيرها، والتمني بوجوب البناء عليها كي تتسع وتنتشر وتزحف على مساحة الظلام التي يبدو أنها تتجذر شيئا فشيئا.
وأنا مدين لك باعتذار عن انحيازي الدائم لمنطق الأمل لا لمنطقة الألم، فقد كنت أدعو دائما إلى رؤية المساحة المليئة من الكوب لا المساحة الفارغة، لكني اكتشفت أن التعلق بالأمل في بعض الأحيان يشبه التشبث بخيوط الوهم... خصوصا إذا كان الكوب فارغاً تماماً.
وأنا مدين لك باعتذار لرهاني الدائم على «طريق ثالث» وعلى تحرك الغالبية الصامتة من أهل الكويت، إذ يبدو ان الاستقطابات بلغت مرحلة مخيفة بين الفريقين السائدين اللذين احتلا المساحات ولم يتركا بضعة أمتار للآخرين.
عزيزي القارئ، أعلن أمامك اليوم أنني كنت واهما، وأعترف أن ما كنت أكتب عنه لا أساس له في الكويت، وأنني أضعت جهدك وشتت تفكيرك بين الحلم الذي تتمناه وبين الواقع الذي تعيشه. لم تعد الكويت هي الكويت التي عاشها جيلي ولم أعد استطيع إلا أن أضع يدي على قلبي وأنا أفكر في ما سيواجهه جيل الأبناء والأحفاد مكررا: «اللهم لا أسالك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه».
لم تعد القيم هي نفسها إذ لا توجد في العالم قيم منفصلة عن واقع الأفراد... كأن نقول إن النظرية صحيحة والتطبيق خطأ. هذا كلام نريد من خلاله دائما التستر على أخطائنا وتبريرها، وإلا فلماذا كانت القيم سابقا متجانسة مع واقع الأفراد؟ ماذا تغير؟.
اللغة مختلفة. الثقافة مختلفة. مفردات السلطة والمعارضة مختلفة. العادات والتقاليد مختلفة... والإدارة متخلفة، وحركة المجتمع متخلفة، وعجلة التنمية متخلفة. اختلاف وتخلف في أرض حباها الله بثروات وأكرم أهلها بالنعم كي يعملوا ويعلموا ويتعلموا ويتقدموا، لكن النتيجة هي ما نراه اليوم من تراجع على كل المستويات بدءاً من مخرجات التعليم وصولا إلى مخرجات السياسة مرورا بكل التفاصيل الاجتماعية والاقتصادية والخدماتية.
عزيزي القارئ، أعترف مرة جديدة أن اليأس ينتصر على كل كلمة أكتبها، وها أنا أعلن استسلامي أمامه انسجاما مع مصداقيتي أمامك. أكذب عليك إن قلت إنني قادر اليوم على الاستمرار في محاربته. أكذب عليك إن قلت إنني سأبحث عن زوايا جديدة مضيئة في فضاء بلدي لأسكنها وأتفيأ بنورها وأستمد منها طاقة جديدة للمواجهة واستنهاض الهمة. الآن تغمرني عتمة الفضاء العام. يلفني ظلامه ويحاصرني. يمد لسانه لي مستهزئا بكل ما كتبته سابقا عن التقدم وتطهير الإدارة ومكافحة الفساد وتطبيق القانون وتغيير المناهج التربوية وتطوير القطاعات الخدماتية والاجتماعية والاقتصادية وفتح أوسع الآفاق أمام شباب الكويت للعلم والأمل والعمل وقيادة قطار التنمية... أما عن تحديث النظام السياسي الذي شكل غالبية الافتتاحيات فلم يكتف ظلام الفضاء الكويتي بالاستهزاء ومد اللسان بل غاب في ضحك هستيري ثم توقف ونظر إليّ بشفقة قبل أن يغرق في الضحك ثانية.
بلغ اليأس مداه وبلغ استسلامي مداه. لم أعد أقوى على التصدي والصمود والمقاومة والممانعة وكل ما في الأدبيات العربية من مفردات وأحلام.
عزيزي القارئ، أعتذر منك مجددا وأطلب السماح لأنني كنت أكتب في دولة أخرى غير دولتنا، وعن مجتمع آخر غير مجتمعنا فدولتنا التي نعرفها ونحبها يبدو أنها في الطريق إلى الضياع، وأستأذنك باستراحة المهزوم، وباستكانة المتقهقر، أن تجيزني من الكتابة لفترة كي أستعيد قواي التي خارت أمام شراسة الهجمة... فقد يقضي الله أمراً كان مفعولاً وتتسع حلقة الاعتراف بالخطأ والرغبة في التصحيح... ويأخذ بيدنا مجدداً لنغير ما بأنفسنا ونستعيد بلدنا.
جاسم بودي
بداية أنا مدين لك باعتذار عن كل المحاولات التي بذلتها سابقا من أجل البحث عن زوايا مضيئة في الفضاء الكويتي، وتكبيرها، والتمني بوجوب البناء عليها كي تتسع وتنتشر وتزحف على مساحة الظلام التي يبدو أنها تتجذر شيئا فشيئا.
وأنا مدين لك باعتذار عن انحيازي الدائم لمنطق الأمل لا لمنطقة الألم، فقد كنت أدعو دائما إلى رؤية المساحة المليئة من الكوب لا المساحة الفارغة، لكني اكتشفت أن التعلق بالأمل في بعض الأحيان يشبه التشبث بخيوط الوهم... خصوصا إذا كان الكوب فارغاً تماماً.
وأنا مدين لك باعتذار لرهاني الدائم على «طريق ثالث» وعلى تحرك الغالبية الصامتة من أهل الكويت، إذ يبدو ان الاستقطابات بلغت مرحلة مخيفة بين الفريقين السائدين اللذين احتلا المساحات ولم يتركا بضعة أمتار للآخرين.
عزيزي القارئ، أعلن أمامك اليوم أنني كنت واهما، وأعترف أن ما كنت أكتب عنه لا أساس له في الكويت، وأنني أضعت جهدك وشتت تفكيرك بين الحلم الذي تتمناه وبين الواقع الذي تعيشه. لم تعد الكويت هي الكويت التي عاشها جيلي ولم أعد استطيع إلا أن أضع يدي على قلبي وأنا أفكر في ما سيواجهه جيل الأبناء والأحفاد مكررا: «اللهم لا أسالك رد القضاء بل أسألك اللطف فيه».
لم تعد القيم هي نفسها إذ لا توجد في العالم قيم منفصلة عن واقع الأفراد... كأن نقول إن النظرية صحيحة والتطبيق خطأ. هذا كلام نريد من خلاله دائما التستر على أخطائنا وتبريرها، وإلا فلماذا كانت القيم سابقا متجانسة مع واقع الأفراد؟ ماذا تغير؟.
اللغة مختلفة. الثقافة مختلفة. مفردات السلطة والمعارضة مختلفة. العادات والتقاليد مختلفة... والإدارة متخلفة، وحركة المجتمع متخلفة، وعجلة التنمية متخلفة. اختلاف وتخلف في أرض حباها الله بثروات وأكرم أهلها بالنعم كي يعملوا ويعلموا ويتعلموا ويتقدموا، لكن النتيجة هي ما نراه اليوم من تراجع على كل المستويات بدءاً من مخرجات التعليم وصولا إلى مخرجات السياسة مرورا بكل التفاصيل الاجتماعية والاقتصادية والخدماتية.
عزيزي القارئ، أعترف مرة جديدة أن اليأس ينتصر على كل كلمة أكتبها، وها أنا أعلن استسلامي أمامه انسجاما مع مصداقيتي أمامك. أكذب عليك إن قلت إنني قادر اليوم على الاستمرار في محاربته. أكذب عليك إن قلت إنني سأبحث عن زوايا جديدة مضيئة في فضاء بلدي لأسكنها وأتفيأ بنورها وأستمد منها طاقة جديدة للمواجهة واستنهاض الهمة. الآن تغمرني عتمة الفضاء العام. يلفني ظلامه ويحاصرني. يمد لسانه لي مستهزئا بكل ما كتبته سابقا عن التقدم وتطهير الإدارة ومكافحة الفساد وتطبيق القانون وتغيير المناهج التربوية وتطوير القطاعات الخدماتية والاجتماعية والاقتصادية وفتح أوسع الآفاق أمام شباب الكويت للعلم والأمل والعمل وقيادة قطار التنمية... أما عن تحديث النظام السياسي الذي شكل غالبية الافتتاحيات فلم يكتف ظلام الفضاء الكويتي بالاستهزاء ومد اللسان بل غاب في ضحك هستيري ثم توقف ونظر إليّ بشفقة قبل أن يغرق في الضحك ثانية.
بلغ اليأس مداه وبلغ استسلامي مداه. لم أعد أقوى على التصدي والصمود والمقاومة والممانعة وكل ما في الأدبيات العربية من مفردات وأحلام.
عزيزي القارئ، أعتذر منك مجددا وأطلب السماح لأنني كنت أكتب في دولة أخرى غير دولتنا، وعن مجتمع آخر غير مجتمعنا فدولتنا التي نعرفها ونحبها يبدو أنها في الطريق إلى الضياع، وأستأذنك باستراحة المهزوم، وباستكانة المتقهقر، أن تجيزني من الكتابة لفترة كي أستعيد قواي التي خارت أمام شراسة الهجمة... فقد يقضي الله أمراً كان مفعولاً وتتسع حلقة الاعتراف بالخطأ والرغبة في التصحيح... ويأخذ بيدنا مجدداً لنغير ما بأنفسنا ونستعيد بلدنا.
جاسم بودي