| عبدالعزيز صباح الفضلي |
عُقد اجتماع خطير، كان الهدف منه التخلص من أهم رمز للمعارضة، طرح كل من الحاضرين رأيه وألهمهم الشيطان طريقة خبيثة للتخلص من خصمهم، واتفقوا على تنفيذها في ليلة سوداء كسواد قلوبهم، لكن الله تعالى خيب ظنهم وأفشل مخططهم، وحمى صاحب الحق وأخرجه من بين أيديهم من بعد أن أعمى أبصارهم، إنها باختصار قصة ليلة الهجرة.
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيها دروس وعبر لا نستغني عن استلهامها خصوصا مع واقعنا الذي يموج بالفتن والمنازعات والخلافات.
ندرك من الهجرة أن للباطل اتباعا ومناصرين يسعون بالليل والنهار للمكر بأهل الخير والإصلاح ويبذلون من أجل ذلك الأموال والطاقات، وفي هذا درس لكل مطالب بالحق والعدالة أن يدرك أن هذا الطريق ليس مفروشا بالأزهار والورود، ومن أراد أن يحقق تلك الآمال والطموحات فلابد وأن يضحي من أجلها.
الرسول عليه الصلاة والسلام علمنا أهمية الأمانة ووجوب إرجاعها إلى أصحابها وذلك بإبقائه لعلي بن أبي طالب في مكة من أجل تلك المهمة، والأمانة ليست مقتصرة على الوديعة، بل الرئاسة والمنصب والأبناء والوظيفة وكلمة السر كلها أمانة، يحذر المرء من خيانتها، لئلا تنطبق عليه إحدى صفات المنافق (وإذا ائتمن خان).
حركة الإصلاح والدفاع عن الحق ليست مقتصرة على عمر أو جنس معين، فلقد شارك في نجاح الهجرة الرجال كأبي بكر والنساء كابنته أسماء والشباب كعلي بن أبي طالب.
كل عمل نريد له النجاح فلابد له من التخطيط وبذل الأسباب، وهو ما قام به النبي عليه الصلاة والسلام لنجاح هجرته، كتجهيز الدابة والخروج في الليل وتغيير الطريق واستئجار الدليل...
ومن الخطأ أن يدعي البعض توكله على الله ثم لا يسعى في كسب رزقه أو يدرس لنجاحه،أو يبحث عن الدواء لشفائه.
تعلمنا الهجرة أنه من يتق الله يجعل له مخرجا، وما نسج العنكبوت لبيتها على باب الغار إلا صورة من صور نصرة الله لعباده ولمن صدق في حمل راية الحق والدفاع عنها.
وصول النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة سالما يبعث الأمل لكل صاحب حق بأنه متى أراد الله تعالى نصرته، فلن يملك أحد أن يوقف مسيرته (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).
أي دولة تريد الاستقرار والأمان لن يتحقق لها ذلك إلا بأمرين، أولهما: حسن العلاقة مع الله، وثانيهما: قوة الترابط بين أبنائها، ولذا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تحقيق المطلب الأول ببنائه للمسجد، والمطلب الثاني بعملية المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
لنقرأ السيرة النبوية قراءة المتفكر المتدبر لا قراءة الباحث عن السرد التاريخي، وساعتها سترون روعة وعظمة هذا النبي عليه الصلاة والسلام، ولن تملكوا معها إلا أن تُكثروا من الصلاة عليه :
صلى عليك الله يا علم الهدى... واستبشرت بقدومك الأيام
هتفت لك الأرواح من أشواقها... وازّينت بحديثك الأقلام
Twitter : @abdulaziz2002