زين الشامي / السوريون معتدلون لا يميلون للتطرف

تصغير
تكبير
| زين الشامي |

رغم وجود الكثير من المعطيات المتعلقة بالتركيبة الديموغرافية والإثنية والدينية والتاريخية التي تجعل من الصعوبة بمكان ان نقبل الخلاصات المتعجلة التي تقول ان السوريين يشبهون غيرهم من الأقوام والمجتمعات لناحية التطرف والمغالاة في التعامل مع شؤون دينهم ودنياهم، نقول رغم وجود هذه المعطيات الا ان بعض المراقبين او المتابعين لما يجري في سورية يعقدون مقاربات خاطئة لناحية رسم صورة قاتمة عن مستقبل التعايش بين السوريين انفسهم في المستقبل حتى لو انتهت الأزمة الحالية او سقط النظام الحالي.

ويعتقد الكثير من هؤلاء المراقبين والمتابعين ان النهج العنفي والدموي الذي طبقه ولا يزال يعمل به النظام في تعامله مع المنتفضين ضده والمعارضين له اضافة الى العدد الكبير من الضحايا وبسبب الكثير من المجازر التي ارتكبت وقد ترتكب لاحقا، سوف يجعل من السوريين بكل طوائفهم وخلفياتهم الاجتماعية يميلون الى اتباع مواقف متطرفة ازاء بعضهم بحيث لن تعرف الأزمة الحالية نهاية على المدى القريب او المتوسط. او سوف لن يرجع المجتمع السوري كما كان عبر تاريخه مسالما معتدلا مسامحا منفتحا على العصرنة والحداثة وتقبل الآخر المختلف عنه.

ويبدو ان وجود بعض المتطرفين الإسلاميين في صفوف المعارضة المسلحة اضافة الى الطابع الديني الذي يرخي بظلاله على خطاب ولغة ومظهر المشاركين بالثورة ضد النظام السوري قد استدعى اهتماما غربيا بحقيقة ما يفكر به السوريون وفيما اذا كان هناك خوف من انزلاق سورية كلها نحو حروب وصراعات طائفية بعد سقوط نظام الرئيس بشار الاسد.

وفي الآونة الاخيرة نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية نتائج دراسة حول الاتجاهات التي تحكم شرائح متنوعة من المعارضين السوريين بعد مرور اكثر من عام ونصف العام على بدء حركة الاحتجاجات وبعد مقتل عشرات الآلاف من المواطنين وبعد العشرات من الحوادث الطائفية وبعد انكشاف حقيقة تحالفات النظام السوري الإقليمية التي تظهر في مجملها انها تحالفات بنيت على خلفيات طائفية ودينية.

تقول الدراسة التي شملت اكثر من الف وثلاثمئة سوري معارض للنظام موزعين بين الداخل ودول المهجر وشملت كل الطوائف والأعراق والأديان من مسلمين سنة وعلويين وشيعة ودروز الى مسيحيين بكل طوائفهم، اضافة الى مواطنين اكراد وسريان وآشوريين وغيرهم من الاثنيات، ان الغالبية العظمى ممن شملتهم هذه الدراسة ظهروا معتدلين من الناحية الدينية وانهم يحترمون الكثير من القيم الغربية المتعلقة بالديموقراطية واعتبروا ان بعض الدول الغربية تشكل مصدر الهام لهم.

الدراسة التي انتهى العمل بتجميع معطياتها في يوليو الماضي واشرف عليها المعهد الجمهوري الدولي وهو منظمة غير ربحية وغير حكومية وقام بإجرائها وتنفيذها «بيتشر بول أوف برنستون. ن.ج» بالتعاون مع جامعة كارلتون، سألت فيما لو ان المعارضة تدعم حقوق الأقليات وحرياتهم فكانت نسبة الموافقة نحو 6.36 من اصل 7 ما يعكس اتجاها عاما عريضا بين المعارضين السوريين على تقبلهم واحترامهم لحقوق الأقليات وكان ملفتا ان الغالبية العظمى ممن عبروا عن مواقف مؤيدة لحقوق الأقليات كانوا من المعارضين السوريين ممن يعيشون في الداخل وليس من هم في بلاد المهجر.!

كذلك كانت النسبة متشابهة حين سئل من استطلعت آراؤهم فيما لو كانوا يعتقدون ان الأقليات الدينية تملك نفس الحقوق التي تملكها الغالبية في كل ما يتعلق بعناصر الحياة، وكانت هذه النسبة ملفتة خاصة بعد حدة الاستقطاب الطائفي التي تتموضع عليه اليوم حياة غالبية السوريين بفعل ما يجري من احداث واضطرابات دموية.

كذلك اظهرت الدراسة ان ثلث ممن استطلعت آراؤهم عن دستور سوريا في المستقبل انهم لا يودون اي ذكر للموضوع الديني به كذلك عبرت غالبية ساحقة ممن استطلعت آراؤهم عن ضرورة ان يحترم رئيس الجمهورية ويخضع مثله مثل بقية المواطنين للدستور والقوانين وان يكون اعضاء البرلمان منتخبين انتخابا حرا وشفافا وان تشكل الحكومة الاحزاب التي تفوز بالانتخابات او التي تملك الغالبية في البرلمان. أيضاً عبرت نسبة كبيرة ممن استطلعت آرائهم من المعارضين السوريين عن تطلعهم لأنظمة حكم تشبه الأنظمة السائدة في الغرب حيث احتلت الولايات المتحدة النموذج الاول الذي يتطلع السوريون اليه على اساس انه نظام جيد للحياة ثم فرنسا بدرجة ثانية اما تركيا التي يحكمها حزب العدالة والتنمية الاسلامي فحلت ثالثا ومصر رابعا.

وفي حقيقة الامر الواقع فان الدراسة وما أتت به لم تكن مفاجئة لأن غالبية السوريين ورغم الاحداث الدامية التي تمر بها بلدهم ما زالوا يتطلعون لنموذج جديد وعصري في الحكم يشبه تلك النماذج الغربية الديموقراطية والقائمة على اساس القانون والعدالة والمساواة. كذلك يجب الاعتراف ان السوريين بحكم تركيبتهم الديموغرافية الإثنية والدينية والطائفية المتنوعة جداً وبحكم مئات السنين من العيش المشترك فيما بينهم كان من الطبيعي ان يفضلوا الاعتدال على التطرف، أيضاً لا ننسى ان غالبية من المعارضين السوريين منضوون بأحزاب قومية ويسارية وعلمانية ولم يسجل يوما ان للأحزاب او التيارات الدينية اي حضور شعبي عبر تاريخها الحديث بعد الاستقلال. أيضاً هذا طبيعي بحكم التنوع الإثني والديني حيث لا يمكن لأي تيار سياسي من الاستمرار او تحقيق جماهيرية فيما لو كان ينطلق من خلفيات ورؤى دينية ضيقة تعبر عن شريحة معينة من المجتمع.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي