مدينة الصدر... «مدينة موت»

تصغير
تكبير
| بغداد - من حيدر الحاج |

لا تزال الحياة في مدينة الصدر، المعقل الرئيسي لميليشيا «جيش المهدي»، تتسم بالخطورة البالغة لسكانها الذين يزدادون خوفا يوما بعد آخر، في ظل استمرار الحصار الذي تفرضه السلطات الامنية عليها، مع ارتفاع وتيرة وحدة المواجهات المسلحة بين الميليشيات الشيعية والقوات الحكومية التي تدعمها المقاتلات وقوات اميركية تتحاشى الى حد كبير، المواجهة المباشرة.

الوضع العام في المدينة الفقيرة التي تقع في شرق بغداد ويصل تعداد سكانها الى نحو 3 ملايين نسمة، غالبيتهم العظمى من الشيعة - يزداد صعوبة على سكانها في ظل نقص كبير في الخدمات الاساسية وتحذيرات يطلقها مسؤولون محليون من «كارثة» انسانية وبيئية وصحية اخذت تتفشى في المدينة، التي تعاني اصلا من نقص في تلك الخدمات على مدى عقود ماضية.



وفي هذا السياق، اكدت النائبة في الكتلة الصدرية غفران الساعدي، ان المدينة تعاني من كارثة بيئة وانسانية بسبب الحصار الذي تفرضه القوات الحكومية ويساندها الجيش الأميركي على مداخل ومخارج المدينة منذ اكثر من أسبوعين، في محاولة من القوات المشتركة لكبح جماح الجماعات الخارجة عن القانون الذين يتحصنون في المدينة، حسب قيادة عمليات بغداد.

وقالت الساعدي، التي تسكن في احد الاحياء الفقيرة لمدينة الصدر، لـ «الراي»، ان «الوضع الصحي متدهور جدا ويعاني السكان من امراض شتى ونقص في الخدمات الطبية والرعاية الصحية المفقودة منذ مدة طويلة، بسبب ما خلفته عمليات القصف الاميركي، وتعمد الحكومة الحالية والمؤسسات الخدمية اهمال المدينة وسكانها الذي يبلغ تعدادهم 3 ملايين نسمة». واضافت: «حسب التقارير الصادرة من دائرة البيئة والمستشفيات في المدينة فان الوضع الانساني والصحي والبيئي يشكل تهديدا كبيرا على حياة الناس بعد انتشار وتكدس النفايات في شكل مخيف منذ اكثر من 15 يوما، وهو ما ينذر بتفشي كارثة بيئية».

واكدت ان «المدارس والمؤسسات التربوية في المدينة وكل دوائر الدولة الاخرى تعطلت بعد ما سيطرت قوات الأمن العراقية والقوات الأميركية عليها ونشرت القناصين فوق بناياتها وجعلتها مركزا لادارة عملياتها العسكرية».

في غضون ذلك، فان قتال الشوارع بين المسلحين ذوي الاقنعة السوداء وجنود القوات المشتركة، دائر في احياء وازقة المدينة منذ ايام، لكن في شكل متقطع، ويشتد في ساعات الليل عندما تشن القوات الحكومية غارات ومداهمات للقبض على مطلوبين، لكنها تتعرض لنيران وهجمات بالقذائف تجبرها على التراجع للوراء، وطلب المساندة من الطائرات لقصف مواقع المسلحين.

السكان يتحاشون الخروج من منازلهم، وبعضهم تركها وغادر الى المحافظات الجنوبية، موطنه الاصلي، والبعض الاخر اتخذ من منزل اقربائه مأوى موقت له، الى حين انتهاء المعارك العنيفة، حيث يقول عبدالله المياحي (52 عاما)، وهو رب اسرة من 6 افراد، «تركت منزلي ولجأت الى منزل شقيقي في منطقة الوزيرية لكي احافظ على ارواح عائلتي، فالمواجهات كانت تحصل قرب منزلي الواقع في ساحة القتال بين الطرفين، ونحن لا حول ولاقوة لنا مجرد ننتظر قدرنا»، مؤكدا انه «في اي ساعة يمكن ان يسقط صاروخ او قذيفة يطلقها المسلحون او الطيران الاميركي على منازلنا ويودي بحياة الجميع، وهو ما حدث بالفعل لعائلة تسكن المدينة متكونة من اربعة افراد اودت بحياة ثلاثة منهم وادت الى اصابة الفرد الرابع منهم بقطع ساقيه».

واضاف الاستاذ الجامعي، وله ايضا ابناء في الجامعة، ان «السكن في تلك المدينة كالعيش في الجحيم، فبين فترة واخرى تتجدد المعارك وتتحول المنازل الى ثكنات عسكرية، والضحية الاولى والاخيرة هي المواطن الفقير الذي يحاول عبثا الخروج من الأزمة باقل خسائر ممكنة لكن من دون جدوى، ففي افضل الاحوال تكون الخسائر منزله بما يحويه وممتلكاته».

واوضح ان عددا من العوائل التي تسكن جوار منزله ذهبت الى مدن ومحافظات الجنوب، موطنها الاصلي، وتركت خلفها كل شيء الى حين انتهاء المعارك وعودة الهدوء الى المدينة التي اصبحت بفعل المعارك التي تتجدد بين فترة واخرى «مدينة موت».

وحسب شهود ما زالوا يسكنون المدينة، فان شوارع عدة ملغمة بالعبوات الناسفة التي يزرعها المسلحون على جوانب الطرق لاستهداف المركبات العسكرية الأميركية في حال دخولها المدينة، وهو ما يمنع تلك القوات من التقدم نحو معاقل المسلحين داخل المدينة ويجعلها تقف عند مداخلها ومخارجها وتستعين بالطيران الحربي والمروحيات في قصف تلك المواقع، كما تضع مسؤولية التوغل في ازقة واحياء المدينة على عاتق قوات الجيش العراقي التي بدأ عدد كبير من جنوده بالتسرب من الوحدات التي تكلف واجبات عسكرية في مدينة الصدر او على اقل تقدير التقاعس عن اداء الواجب، لكونهم من ابناء تلك المدينة وان البعض منهم تم تهديد عائلته بالقتل والتهجير وهو ما حدث لبعض العوائل ما لم يترك العمل في صفوف الجيش.

مصدر عسكري عراقي في الفوج الثالث - الفرقة 11 كانت تتمركز في «معسكر الرشاد» على الحدود الجنوبية لمدينة الصدر، اكد لـ «الراي»، فرار اكثر من 400 جندي باسلحتهم من الواجب المكلفين به من قبل القيادة العسكرية، لكونهم من ابناء المدينة وخوفهم على عوائلهم التي لا تزال موجودة فيها. وتابع، «اضافة الى الجنود الفارين، هناك عشرات الجنود الذين يتمتعون باجازاتهم الدورية او اولئك الموجودون في المعسكر يرفضون الالتحاق وتأدية واجباتهم، وهو ما دفع قيادة المعسكر لطلب تعزيزات عسكرية من مناطق اخرى».

وتحدث المصدر عن شدة المواجهات التي تحصل مع «جيش المهدي» الذين يستخدمون اسلحة متوسطة وقاذفات «ار بي جي» ويطلقون قذائف الهاون نحو أي تحرك عسكري يسير في اتجاههم، مؤكدا ان «القوات الاميركية تدفع بالجنود العراقيين الى المقدمة اثناء التوغل الى داخل المدينة وهو ما يعرضهم للمخاطر الناجمة عن مواجهة المسلحين، وبالتالي تتفاقم الخسائر في الارواح بين صفوف اولئك الجنود».

واشار الى ان «القوات العسكرية المرابطة على حدود المدينة ترفض التوغل الى داخل الاحياء والشوارع الفرعية بسبب العبوات الناسفة والالغام التي تم زراعتها من قبل المسلحين على جانبي الطريق والتي تستهدفهم في حال توغلهم في أي وقت».

وتابع: «لم يتقدم أي شخص في المدينة لتسليم اسلحته لغاية الان رغم انتهاء المهلة التي حددتها الحكومة، ودائما ما يتعرض جنودنا العراقيون والاميركان ايضا الى هجوم باسلحة خفيفة ومتوسطة الحجم مما يخلف اصابات بالغة بين الجنود يتم على اثرها نقلهم للمستشفيات لتلقي العلاج، لكن للاسف البعض منهم يفارق الحياة هناك بسبب تردي الخدمة الصحية».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي