| زين الشامي |
ثمة أسئلة كثيرة بات يطرحها المراقبون للشأن السوري عن حقيقة موقف الولايات المتحدة مما يجري وليس ما هو معلن إعلاميا من دعم للسوريين في تصديهم للنظام الديكتاتوري، فبعد نحو سبعة عشر شهراً من عمر الثورة ضد أقوى وأسوأ الأنظمة الاستبدادية في العالم، وبعد مقتل وتهجير واعتقال عشرات الآلاف من السوريين، وبعد تدمير غالبية المدن والقرى والبلدات المقاومة واستخدام الطيران الحربي وارتكاب العديد من المجازر، بعد كل ذلك لم يتغير شيء في حقيقة الموقف الاميركي الداعم لفظيا وإعلاميا للمحتجين لكنه السلبي تماماً عمليا وواقعيا حيث لم تبذل إدارة الرئيس أوباما اي جهد محسوس يوحي انها تريد فعل شيء لإزاحة نظام الرئيس الاسد.
وحقا انه لمن المستغرب كيف ان الولايات المتحدة لم تقدم دعما ملحوظا لثورة لم يرفع فيها المتظاهرون اي شعار ضد الغرب ولم يحرقوا علما اميركيا؟ بل كل مطالبها كانت داخلية تتعلق بالحرية وإقامة نظام ديموقراطي ودولة تضمن الحرية والكرامة لمواطنيها وبناء علاقات طبيعية مع دول الجوار مثل لبنان وغيره؟
وانه لمن المستغرب أيضاً كيف ان الولايات المتحدة لا تقوم بأي جهود قوية على الارض او ديبلوماسيا من اجل مساعدة السوريين في إسقاط نظام استبدادي عمل على قتل جنودها في العراق وتعاون مع ايران والقاعدة لزعزعة الاستقرار هناك وإفشال اي تجربة ديموقراطية قد تنشأ هناك؟
وانه لمن المستغرب حقا ألا تقوم الولايات المتحدة بأي جهود ديبلوماسية تذكر مع كل من روسيا والصين او دول داعمة لنظام الاسد مثل الهند والبرازيل وجنوب افريقيا من اجل تحييد مواقفها او إيقاف دعمها العسكري والديبلوماسي للنظام السوري الذي يقتل شعبه.
ان القول ان روسيا والصين تملكان حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي وهو الامر الذي منع صدور قرار يدين النظام السوري عدة مرات، ما هو الا حجة مقيتة لتبرير السلبية الاميركية وانعدام المبادرة لحل الأزمة في سورية ووضع حد لنظام يقتل شعبه امام مرأى العالم كله دون خشية او خوف من رادع.
ان النظام الذي يعتبر مسؤولا مسؤولية مباشرة عن زعزعة الاستقرار في دولة مثل لبنان القريب حيث قام بقتل غالبية زعماء المعارضة اللبنانية والمناهضين لحكمه. ويعمل ليل نهار ودون كلل على اشعال نار فتنة وحرب اهلية جديدة فيه، ما زالت الولايات المتحدة مترددة في طريقة التعامل معه وتمنحه مزيدا من الوقت من اجل ان يعيد اللبنانيين الى الاقتتال الداخلي. ان الفضيحة الاخيرة المتمثلة في اعترافات وزير الاعلام السابق ميشال سماحة عن تلقيه متفجرات من اللواء علي مملوك احد اهم مستشاري الرئيس الاسد من اجل استخدامها في قتل شخصيات لبنانية بغية تصدير الأزمة الى خارج سورية، لهو مثال ساطع عن مدى الضريبة الدموية التي ستدفعها كل دول المنطقة في حال التأخر في إسقاط هذا النظام وبقائه فترة أطول في الحكم.
ان التذرع بأن المعارضة السورية ما زالت مشتتة وان هناك مخاطر من حرب إقليمية وانزلاق المنطقة الى حروب أهلية او احتمال اشتعال حرب كونية او ان الولايات المتحدة لا تعرف حقيقة المقاتلين على الارض او التعبير عن الخشية من وصول عناصر من القاعدة الى سورية، ما هي الا حجج مضحكة ومثيرة للسخرية، فالنظام السوري بات ساقطا فعليا على الارض ولا يملك الا سلاح المدفعية والطيران الحربي يقصف فيه المدن الثائرة من بعيد لأنه لا يجرؤ على التواجد بين غالبية المدن والبلدات السورية. كذلك تعرف الولايات المتحدة ان النظام السوري فقط الشرعية الشعبية ويعاني من عزلة دولية شبه تامة عليه وان غالبية دول العالم والدول
العربية قد قطعت علاقاتها الديبلوماسية معه وان مسألة اسقاطه لن تتسبب بأي نتائج سلبية على الوضع الاقليمي.
ان تفسير الموقف الاميركي الذي ناصر ثورات الربيع العربي وبقي مترددا وغير حاسم بشأن ثورة السوريين يثير الأسئلة الكثيرة عن حقيقة دعم او إيمان الولايات المتحدة لحقيقة القيم التي تدعي تمثيلها، نقصد قيم الحرية والديموقراطية ونصرة الشعوب التي تعيش تحت نير أنظمة استبدادية مثل النظام السوري.
هل تنتظر الولايات المتحدة السوريين لينزلقوا نحو الحرب الاهلية؟؟ هل تنتظر الولايات المتحدة خراب الدولة السورية وتحولها الى دولة فاشلة او مقسمة؟؟؟ هل تنتظر الولايات المتحدة تفشي التطرف الاسلامي ووصول المتطرفين الى سورية ليحكموا السيطرة على البلاد والعباد؟؟ هل تنتظر الولايات المتحدة ليموت نصف السوريين او ليستخدم النظام السوري سلاحه ومخزونه الكيماوي ضد شعبه لتقرر لاحقا التحرك؟
في عموم الاحوال، هذه ليست انتقادات السوريين وحدهم لإدارة أوباما بل هي انتقادات قادة ومسؤولين أميركيين سابقين مثل عضو الكونغرس جون ماكين وجوزيف ليبرمان وكوندليزا رايس وزيرة الخارجية في عهد الرئيس جورج بوش الابن، وغيرهم الكثير من الأميركيين الذين يسخرون من نهج أوباما الذي يدعي «القيادة من الخلف»... ان هؤلاء المسؤولين الأميركيين السابقين وبعضهم ما زال على رأس عمله يعتبر ذلك النهج مجرد تخل عن القيادة في الشرق الاوسط وتركها لقوى دولية مثل روسيا والصين.