فوزية سالم الصباح / المظاهرات السلمية ورأي التجمّع السلفي

تصغير
تكبير
| فوزية سالم الصباح |

في الاسبوع الماضي افتى اربعة من اعضاء التجمع السلفي بحرمة المظاهرات والتجمعات السلمية شرعا، ووضعوا السلبيات والتبريرات والاسباب غير المقنعة ونشرت بعض وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي فتواهم... ولعلي استميح العذر لهؤلاء نظرا لحداثة ثقافة الديموقراطية لديهم وتعارضها مع افكارهم وتوجهاتهم، ولكن الغريب في الامر آراء بعض من يسمون انفسهم بمشايخ دين حيث نجدهم يفتون بعدم مشروعية التظاهر السلمي في بلد، بينما يفتون مشروعيته وان كان غير سلميا في بلد اخر. هؤلاء نسوا او تناسوا ان الشعب الكويتي بكل اطيافه قد تظاهر في كل أنحاء العالم خلال فترة احتلال النظام الصدامي لدولة الكويت في العام لشرح قضيته 1990... ولم يتم القبض على أي متظاهر كويتي تحت أي ذريعة قانونية او فتوى... فكيف لنا أن نطالب العالم بالسماح لنا بالتظاهر السلمي للمطالبة بحقوقنا، ونفتي بحرمة التظاهر السلمي في مجتمعنا؟؟!!!.

لقد اباحت الشريعة الإسلامية حق التظاهر السلمي وأولت حقوق الإنسان جلّ اهتمامها بدءاً من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حتى كتابات الفقهاء. فقال الله تعالى: «ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا» (الإسـراء 70). وقال الله تعالى: «لقد خلقنا الإنسان في أحـسن تقويم» (التين4). صدق الله العظيم. فالكرامة الإنسانية أي حقوق الإنسان هبة من الله سبحانه وتعالى ولا يجوز التطاول عليها وهي ليست منحة تقدمها الحكومات للأفراد، وليست قابلة للسحب والانتقاص لأنها أساس رقي الإنسان وحضارته.. وعندما قال المولى عز وجل (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)، وقوله سبحانه وتعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً) إنما قصد في هاتين الآيتين الكريمتين أن من يتعرض لسلب حقوقه يحق له أن يشتكي ويرفع صوته ويعلن ذلك، فكيف إذا كان ذلك عاماً، فللناس الحق أن تعلن ذلك بشكل جماعي وفردي برفع الظلم عنها حتى يسمع الأصم صوتها، بل وعلى الجميع الإعلان بتضامنهم معهم والمطالبة بحقوقهم.. وقال سبحانه وتعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).. فهذه الآيات تنص على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمظاهرات السلمية تعد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. أما في السنة النبوية فهناك أدلة على شرعية المظاهرات السلمية منها : عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم... وروي أنه جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه واله وسلم يشكو جاره فقال له (اصبر ثم قال له في الثالثة والرابعة اطرح متاعك في الطريق فطرحه، فجعل الناس يمرون به فيقولون مالك؟ فيقول آذاني جاري. فيلعنون جاره حتى جاءه وقال له : رد متاعك إلى منزلك فإني والله لا أعود) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.. لذلك على الجماعة النطق بالحق والجهر به ولو كان مراً، وكيف ينطقون به جمعاء إلا من خلال التجمعات السلمية حتى يوصلوا صوتهم ويحقق لهم ما يريدون من الصواب. بل انني ارى ان المظاهرات السلمية هي تنبيه للحكومات لتعديل مسارها قبل فوات الاوان.

ومن المفارقات الغريبة العجيبة انه وبينما تتسابق الدول منذ سنوات طويلة لإرساء المزيد من الحريات التي تتواكب مع العصر والتطور، حيث انه في العام 1935 أصدرت فرنسا مرسوما أكدت فيه أن حق التظاهر السلمي كحق من الحقوق الأساسية للإنسان، نجد ان الاخوة بعض اعضاء التجمع السلفي يفتون بحرمة المظاهرات السلمية تحت مبررات وأسباب واهية وغير مقبولة في عصر اصبح العالم كله قرية صغيرة. وقد ترجم الدستور الكويتي مبادئ حقوق الإنسان وحق التظاهر السلمي بكل وضوح وجاءت مواده تخاطب المستقبل البعيد... باعتباره خريطة طويلة المدى، وهو ميراثنا الحقيقي الذي نتباهى به ويجب أن نتركه للأجيال المقبلة من غير شوائب حتى يبقى لهم وطناً متحضرا يحترمه العالم، ونصت المادة 44 على الاجتماعات والمواكب والمسيرات مباحة. وقد صرح النائب الأول ووزير الداخلية الشيخ احمد الحمود الصباح خلال أعمال الدورة 29 لمجلس وزراء الداخلية العرب الذي انعقد في تونس في 14 مارس الماضي عندما أعلن عن : (حق الشعوب في التعبير عن مطالبها وانه لا تضييق لأي مظهر من مظاهر التعبير عن مطالبها المشروعة بالطرق السلمية)

كما استقر القضاء الدستوري الكويتي على هذا المبدأ كما جاء في حيثيات حكم المحكمة الدستورية 1/2005 على: (أن الناس أحرار بالفطرة ولهم آراؤهم وأفكارهم وهم أحرار في الغدو والرواح فرادى ومجتمعين وفي التفرق والتجمع مهما كان عددهم ما دام عملهم لا يضر بالآخرين، وقد غدت حريات وحقوق الإنسان جزءاً من الضمير العالمي واستقرت في الوجدان الإنساني، وحرصت النظم الديموقراطية على حمايتها وتوفير ضماناتها).

لذلك نجد من الصعوبة تجريم او تحريم حرية التظاهر السلمي في الكويت او في أي دولة في العالم، واصبح الاهتمام العالمي الحالي بحقوق الإنسان أصبح من الأمور الشائعة لتقييم سلوك الحكومات بمدى احترامها لحقوق الإنسان... لذلك نحن أمام تحد حقيقي في سبيل احترام حقوق الإنسان، من خلال قوانين متحضرة ودساتير عصرية، وعلينا أن نتعلم ونقبل الصيغة الجديدة من الديموقراطية الوافدة من الدول المتحضرة، ونتعامل معها وفقا لمتغيرات النظام العالمي الجديد. فالديموقراطية ليست بالدساتير ولا بالبرلمانات المنتخبة بل باحترام حقوق الإنسان. ومن ثم فإن التجمع أو التظاهر السلمي هو حق مشروع ويعبر عن أرقى حالات الثقافة الديموقراطية.وان جميع اطواق النجاة لن تتكمن من انتشالنا من الغرق، اذا لم نحترم ونتماشى ونستوعب التطورات العالمية في حقوق الإنسان التي اقرتها المواثيق الدولية.

ان الأمم المتحدة التي تمثل شعوب العالم قد أكدت في ميثاق الإعلان العالمي لحقـوق الإنسان الصادر في عام 1948إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره وحزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية وقد تعهدت الدول الأعضاء ومنها دولة الكويت التي وقعت على هذا الميثاق بالتعاون مع الأمم المتحدة على مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها، وضرورة الالتزام التام بهذا التعهد.. .

وفي النهاية، نؤكد اننا كبلد صغير ليس لدينا ما نتباهى به سوى دستورنا ومبادئ ديموقراطيتنا وثوابت احكام شريعتنا الاسلامية.

 

Alsabah700@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي