| عبدالعزيز صباح الفضلي |
ألقيت محاضرة في أحد المساجد عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري، وكم تعجبت عندما سألت المصلين عن الاسم الحقيقي لهذا الصحابي إذ لم يتعرف عليه أحد! فعلمت كم هي الأمة مقصرة في التعرف على سيرة خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين، وهم أصحاب النبي رضي الله تعالى عنهم أجمعين، في الوقت الذي لو سألت أصغر الأبناء عن اسم بعض اللاعبين من الفرق الأجنبية لأعطاك اسمه ورقمه وفريقه الحالي وتاريخه الرياضي.
الشاهد في موضوعنا أنني أردت ربط واقعنا ببعض سمات وحياة صاحبنا ( جندب بن جنادة ) وهو الاسم الحقيقي لأبي ذر الغفاري.
قبيلة غفار هي من القبائل المعروفة عند العرب بأنهم قطاع طرق، يهاجمون قوافل الحجاج ويسلبون أموالهم، لكنها بعد الإسلام تغير حالها وصارت من القبائل المدافعة عن رسول الله تعالى وعن الإسلام، وفي هذه دلالة على أن الإنسان متى ما عمر الإيمان قلبه سيتحول من معول هدم إلى عامل بناء.
وبعض النواب قد يأتي للمجلس وفي عقله مصالح معينة لكنه بعد أن يهديه الله، ينتقل من المصلحة الشخصية إلى مصلحة وطن، ومن أن يكون مستسلما بصاما في الخير والشر إلى الاستقلال برأيه ومراقبة ربه.
أبو ذر كان رجلا شجاعا يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم، لذلك بمجرد أن نطق بالشهادتين، خرج إلى مكة ونادى في المشركين ورفع صوته بلا إله إلا الله. ونحن نحتاج في المجلس من يقول الحق لا يخاف في الله لومة لائم، خصوصا مع أزمة استجواب الوزير الشمالي، ومع توابعها في التحقيق في موضوع تجاوزات التأمينات الاجتماعية.
بعد إعلان أبي ذر لإسلامه على الملأ قام المشركون بضربه وكادوا يقتلونه، لولا أن خلصه العباس منهم، أتعرفون بماذا؟ لقد خوفهم من أزمات اقتصادية قد تلحق بهم، إذ حذرهم من انتقام قبيلة غفار إن هم تعرضوا لأحد أفرادها، والتي ستقطع عليهم طريق القوافل، عندها كف المشركون أذاهم.
فقلت يا ليت بعض دولنا العربية والإسلامية تستخدم سلاحها الاقتصادي كالبترول وغيره للضغط على الدول الداعمة للظلم كما في قضية فلسطين وسورية. من العجيب في قصة أبي ذر أنه عندما عجزت دابته عن إكمال مسيرها في الطريق لغزوة تبوك، وهي على بعد ما يقارب الألف كيلو عن المدينة، قام فحمل متاعه على ظهره والتحق بجيش المسلمين، وعندها قال الرسول عليه الصلاة والسلام: رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده.
وصاحب الحق عليه أن يكمل طريقه في الإصلاح دون البحث عن الأعذار أو الحجج والتي قد يبرر بها تكاسله أو تخاذله، والتاريخ يسجل المواقف.
كان أبو ذر محبا للخير، وظن أن في توليه الإمارة نصرة للدين، إلا أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعطه إياها، وبين له أنه ضعيف في تولي زمامها. وفي هذا الموقف درس عظيم : فالضعف ليس معناه ضعف الشخصية، وإنما قد تكون الشدة ضعف، وهذا بالفعل ما جعل النبي عليه الصلاة والسلام يعتذر لأبي ذر، فلقد كان في أبي ذر حدة وشدة غير محمودة، ومن هنا فاعتقاد بعض المسؤولين أن الشدة دائما هي أفضل أسلوب للإدارة فهو مخطئ بلا شك، ورضي الله عن معاوية بن أبي سفيان، إذ جعل بينه وبين الناس شعرة إن هم شدوا أرخاها لهم، وإن هم أرخوا شد عليهم.
هذا الأسلوب في التعامل نحن نخاطب به معالي رئيس الوزراء والسادة الوزراء والنواب باستخدام الحكمة في التعامل مع الأحداث، وقديما قيل : لا تكن صلبا فتكسر ولا تكن لينا فتعصر.
رسالتي
من رأى أنه يحرج الآخرين معه في تشدده فننصحه أن يتبع طريقة أبي ذر والذي قام فخرج إلى الصحراء ومات فيها وحيدا، ولم يسبب لأحد من الخلفاء في عهده حرجا، فهل يفعلها بعض النواب؟
Twitter : abdulaziz2002