وزير الخارجية اللبناني يرى وجهة نظر روسيا والصين «منطقية»
منصور لـ «الراي»: لن أكون «شاهد زور» في اجتماع القاهرة والنار إذا التهمت سورية فلهيبها سيصل لبنان بدليل ما يحصل شمالاً
عدنان منصور
| بيروت - من دارين الحلوي |
أكد وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور أنه لن يكون «شاهد زور» في اجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة «واذا كانت هناك ملاحظات سنقولها بكل جرأة. ولا سيما اذا كان هذا القرار يهدد أمن سورية واستقرارها».
وقال منصور لـ «الراي»: «ان أمن لبنان وسورية متلازمان، والنار اذا التهمت سورية فإن لهيبها سيصل الى لبنان»، معتبراً «ان ما يحصل في الشمال خير دليل على ذلك».
وفي ما يأتي نص الحديث:
• تشاركون (اليوم) في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، وعلى جدول أعماله البحث في إمكان إيفاد فريق من مراقبي الجامعة العربية والامم المتحدة الى سورية، ما موقف لبنان في هذا الشأن؟
- الاجتماع سيتناول موضوعين، اولا المبادرة العربية للسلام، وفي اجتماع ثانٍ سيجري بحث الاوضاع في سورية. ونحن لم نتسلّم بعد اعمال الاجتماع المتعلق بالملف السوري لنعرف فحواه. لكن سيكون لنا موقف في ضوء ما سيطرح للبحث.
• ما المسلمات التي ستستندون اليها في اي موقف قد تتخذونه؟
- لجنة المراقبين العرب ما زالت موجودة في سورية، ونحن ننتظر لنرى ما هو قرار الجامعة العربية، واذا كان يقضي باستمرار عمل لجنة المراقبين او زيادة فعاليتها من خلال زيادة عديدها، وربما تلجأ الجامعة الى اتخاذ قرار بوقف عمل اللجنة. وفي كل الأحوال، من السابق لاوانه بحث هذا الموضوع قبل الاطلاع على جدول الاعمال.
• ما رأيك بطرد دول مجلس التعاون الخليجي لسفراء سورية وسحب سفرائها من دمشق؟ ولبنان الذي اعتمد معادلة «لن نصوّت على العقوبات ونلتزم بها»، هل يمكن ان يلجأ الى هذا النوع من العقوبات في حال صدر عن الجامعة العربية؟
- هذا شأن يتعلق بدول الخليج. ما نريده هو مساعدة سورية على ايجاد الحل والخروج من ازمتها، وليس تعقيد الامور. على الارض، هناك فريقان، ولا بد من حوار بينهما. واي حل خارج إطار الحوار سيزيد الامور تعقيداً. أما في ما يتعلق بلبنان فهو اعتمد خيار النأي بالنفس عن القرارات التي اتخذت تجاه سورية نظرا للتركيبة السياسية في لبنان وخصوصية العلاقة بين البلدين. وسبق أن قلنا إن للبنان خصوصيات تاريخية وجغرافية وعائلية وسياسية وبالتالي لا يمكن الذهاب بعيدا ضد الاشقاء السوريين خصوصاً اننا ملتزمون واياهم باتفاقات موقّعة، وعلينا الالتزام بها، كاتفاقية الاخوة والتعاون، واتفاقية الامن والدفاع. ما يعني ان علينا الاخذ في الاعتبار ما تنص عليه الاتفاقات لا سيما فيما يتعلق بتوفير الامن بين البلدين والاستقرار وتبادل المعلومات. لذا لا يمكن اللجوء الى عقوبات، لا اقتصادية ولا سياسية ولا تجارية، لأننا سنكون المتضررين. بالدرجة الاولى لبنان معني بما يجري في سورية، معني بالاستقرار والامن، فاستقرار سورية وامنها هو ضمان لاستقرار لبنان وأمنه. ومن يظن اننا بمنأى عما يجري في سورية هو مخطئ. نحن نتأثر بما يجري هناك شئنا ام أبينا. وأتصور ان ما جرى من أحداث أمنية في شمال لبنان لا شك انه نتيجة للجو السائد في كل من سورية وشمال لبنان.
• هناك مَن يأخذ عليكم انكم تترجمون سياسة النأي بالنفس بالوقوف مع طرف ضد آخر؟
- مطلقاً. نحن نبحث بالدرجة الاولى عن مصلحة لبنان وبالتالي مصلحة سورية. سياسة النأي بالنفس تجنبنا المخاطر، وتحول دون زج لبنان في مسائل علينا الابتعاد عنها. نحن لا نقبل بأي شكل من الاشكال التدخل في الشأن السوري. وسياسة لبنان منذ الاستقلال كانت واضحة. لبنان يتعاون ويتضامن مع كل الاشقاء العرب ومع دول العالم وليس لنا عدو الا الكيان الاسرائيلي. لذلك تحرُّكنا ينطلق من حرصنا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للاخرين، فكيف الحال اذا كانت سورية البلد الذي تربطنا به علاقات وثيقة؟ نحن نعمل لتحقيق الاستقرار والأمن في سورية، لأننا معنيون بذلك.
• في ضوء استمرار تفاعلات الفيتو الروسي ـ الصيني ضد المشروع العربي ـ الغربي حيال سورية في مجلس الامن... كيف قاربت الديبلوماسية اللبنانية المسألتين اي مشروع القرار والفيتو؟
- قلت في اجتماعات الجامعة العربية السابقة إن سورية دولة عربية، والجامعة تضم الدول العربية كافة. وبما ان الأزمة في سورية مسألة عربية، فإن ذلك يحتم علينا ايجاد حل عربي للازمة، مع ما يعنيه ذلك من تجنب الذهاب الى الدول الخارجية أو الامم المتحدة لتجنب تدويل الازمة. نحن ضد تدويل الازمة السورية لأنه لن يؤتي ثماراً، ولن يوفر ما نريده من استقرار لسورية، بل سيزيد الامر تعقيداً. وربما هناك جهات في العالم تريد تصفية حسابات مع النظام السوري نظراً لمواقفه الرافضة لسياسات الهيمنة في المنطقة وخطط اسرائيل التوسعية ورفضها لعملية السلام. موقف سورية في هذا المجال صلب، فهي ترفض اخضاع المنطقة لسياسات خارجية لا تخدم مصالح الشعب السوري ولا شعوب المنطقة. من هنا يبدو واضحاً عمل بعض القوى وتوجهاتها لإزاحة هذا النظام. روسيا والصين تدركان جيداً هذه المعادلة السياسية، ولهما مصالح استراتيجية بعيدة، كما انهما تعرفان ما يجري في ساحات المنطقة، لذلك وجدتا في مشروع قرار مجلس الامن ما يخل بالتوازن، لأنه يأخذ بوجهة نظر فريق دون الآخر. وبالتالي قامت روسيا والصين باعتماد الفيتو لمنع صدور القرار. وإذا كنا فعلاً نريد إعادة الامور الى نصابها وتوفير الاستقرار والامن والاصلاح لسورية، فعلينا الاخذ في الاعتبار الافرقاء كافة، من دون تحميل المسؤوليات لفريق ضد الاخر.
نحن نرى منذ البداية انه كان من الافضل تجنيب الملف السوري التدويل. حتى ان اعضاء الجامعة العربية كانوا يرفضون التدويل، لكننا كنا نشتمّ رائحة تدويل. وهذا ما حصل بالفعل امام مجلس الامن. لقد أثبت العرب بهذه الخطوة أنهم غير قادرين على ايجاد الحل اللازم، فذهبوا الى الامم المتحدة.
• هل تشاطرون روسيا موقفها في تحميل المعارضة السورية المسؤولية عما وصفته استمرار «حمام الدم» في سورية؟
- عندما يكون هناك اقتتال، فهذا لا يعني ان هناك فريقا واحداً. ما يحصل يمكن اختصاره بأن هناك فعلا ورد فعل. لماذا نتجاهل الامور؟ لكل دولة في العالم كرامتها وهيبتها ووضعها المميز داخل اراضيها، فهي المسؤولة عن حماية سيادة البلاد. في سورية لا يمكن اغفال وجود جماعات مسلحة، وهذا امر لا يمكن لأحد انكاره، حتى المعارضة في سورية التي تجاهر في بياناتها بقيامها بعمليات مسلحة. اذاً هناك جانب عسكري على الارض، وهناك دولة تتمثل بالجيش وقوى الامن وقوات حفظ النظام، وهناك اقتتال.. هذا فعل ورد فعل. لكن من الضروري وقف هذا النزيف على الارض، فهو لا يخدم سورية، لا دولة ولا شعبا ولا وحدة ولا استقراراً. يجب البدء بالحوار، والدولة السورية جاهزة للحوار، لكن على الطرف الاخر المساعدة لإجرائه. فمن دون الحوار لا يمكن الوصول الى السلام. نحن في لبنان كانت لنا تجربة مُرة في هذا المجال. خضنا حربا داخلية على مدى 15 عاما. دفعنا ثمناً غالياً في شتى المجالات وفي نهاية الامر لم يبق امامنا الا الحوار الذي انقذ لبنان واخرج البلاد من الحرب. سورية اليوم ليس امامها الا الحوار. القرارات التي تملى من الخارج لن تؤدي الى السلام والاستقرار، بل على العكس ستزيد النار ناراً.
• وصف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز ما جرى في مجلس الامن بـ «البادرة التي لا تبشر بالخير»... الا تعتقدون ذلك؟
- لكل دولة وجهة نظر. اليوم عندما طرحت الصين وروسيا الفيتو، كانت لكل منهما وجهة نظر، ونحن نراها منطقية. منذ العام 1994 ولغاية اليوم استخدمت الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الامن 14 مرة، 13 منها كانت تتعلق بالاستيطان الاسرائيلي وبالممارسات التعسفية لاسرائيل والعدوان على غزة!! اتصور ان امتلاك الدول الكبرى حق الفيتو، يمكّنها من استخدامه خدمة لوجهة نظرها. بالتالي الصين وروسيا استخدمتا حقهما بالفيتو مستندتيْن الى حقائق ووجهات نظر حول المسألة السورية. روسيا والصين بدأتا بخطى ثابتة ومتقدمة في توجهاتهما، ليس حيال سورية فحسب، بل حيال المنطقة ككل. هما لا تريدان ان تكون المنطقة بيد دولة او أكثر أو طرف معين. هناك نوع من التوازن الآن في المنطقة. بالنسبة لروسيا والصين، الاحادية في المنطقة لم تعد واردة.
• غالباً ما يظهر السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي إما معاتباً الحكومة واما حاضاً لها على اتخاذ مواقف وتدابير ما... ألا يحرجكم هذا التعاطي؟
- السفير السوري لم ينتقد الدولة اللبنانية، وأنا التقيته مرارا في الوزارة. كل ما هناك انه باستمرار، يتمنى على الدولة اللبنانية ان تراقب عن كثب الحدود، لأن سورية تشكو حصول عمليات تسلل وتهريب سلاح عبر لبنان. ما يطلبه السفير السوري ليس تدخلاً في الشأن اللبناني ولا هو اعتراضا على سياسة لبنان، ولا سيما اذا قارنا الامر بما كان يطلق من تصريحات لسفراء اجانب في لبنان، حينها كنا نظن ان لبنان خاضع للسيطرة. ما يحصل في سورية اليوم أمر مهم ومسألة تتعلق بالامن القومي وبوحدة سورية واستقرارها، وما يطلبه السفير السوري لا يؤذي لبنان لاسيما في ضوء الاتفاقية الامنية الموقعة بين البلدين.
• الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله يجاهر بدعم النظام في سورية وزعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري يطالب بالاعتراف بالمجلس الوطني المعارض... كيف تتحدد السياسة الخارجية في ضوء هذا الانقسام الداخلي؟
- السيد حسن نصر الله يقف الى جانب سورية لأنها وقفت الى جانب المقاومة وكانت تشكل الحاضنة لها. كما اننا لا ننسى أنه في عام 2006، استقبلت سورية مئات الالاف من اللبنانيين، ووفرت لهم الحماية والدعم والرعاية. ولطالما تقدّمت سورية الخط الاول الممانع للسياسة والهيمنة الاسرائيلية، وهي كانت سنداً للمقاومة ومن حق السيد نصر الله الوقوف الى جانبها حالياً. اما الاعتراف بالمجلس الوطني السوري فهو انزلاق في امور خطيرة الان. علينا ان نجري حسابات للمستقبل والمقبل من الايام. والاتفاقات الموقعة بين الجانبين السوري واللبناني ما زالت فاعلة. فكيف يمكن ان نوفق بين هذه الاتفاقات والخصوصية التي تربطنا بسورية وفي الوقت نفسه نعترف بالمجلس الوطني السوري؟ وإذا كانت سياسة لبنان هي النأي بالنفس فكيف له ان يعترف بالمجلس الوطني؟ اليس هذا تدخلا في الشأن السوري؟ هل الاعتراف يخدم، على المدى البعيد، المصلحة السورية اللبنانية المشتركة؟ هل ندرك المخاطر التي ستترتب مستقبلا على العلاقات بين البلدين؟ علينا ان ننظر الى الامور بحكمة وواقعية وان لا نذهب بعيدا. نحن نأينا بأنفسنا لأننا ادركنا اننا بذلك نصون وحدتنا والعلاقة مع سورية. الاخوة في سورية متفهمون لسياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية، وكذلك هو حال اعضاء الجامعة العربية والمجتمع الدولي. لماذا نتجاوز التفهم الدولي والعربي للموقف اللبناني وندعو للاعتراف بالمجلس الوطني؟ اعتقد أن لا مصلحة للبنان بهذا الاعتراف.
• هل تهدف سياسة النأي بالنفس الى تجنب تكريس الانقسام الداخلي؟
- طبعا، هناك فريقان لبنانيان، احدهما مؤيد لسورية وداعم للمقاومة، والاخر يثبت من خلال التصريحات انه ضد النظام. وفي هذه الحال، يتوجب على لبنان أن ينأى بنفسه من أجل صون الوحدة اللبنانية وتجنب تعزيز الانقسام الداخلي. نحن نتمنى للشقيقة سورية الخير والاستقرار والامن لأنها قوة داعمة لنا ولكل العرب، كما نتمنى ان تستعيد دورها من جديد في خدمة قضايا عالمها العربي.
• غالباً ما كانت السياسة الخارجية تستند الى «توافقات داخلية»، الا تخشون من اتهامكم بـ «الفئوية» في تبني موقف احادي على المستوى الديبلوماسي؟
- موقف لبنان واضح. هناك ازمة في سورية ونحن لا نقف ضد النظام في سورية. وقلنا مراراً ان المعارضة لها مطالب محقة بالاصلاح. من الضروري اجراء الاصلاحات وكل دولة بحاجة الى اجراء اصلاحات. والقيادة السورية قالت منذ البداية انها تتفهم مطالب الشعب وواقفت على الإصلاح. ولو أنها رفضت الاصلاحات لوقفنا ضدها. نحن لا نقف ضد الشعب السوري، بل نؤيد مطالبه الاصلاحية. لكننا لا نقبل ان يكون هناك حمام دم، وأن يلجأ من يطالب بالاصلاح الى القتل وتنفيذ عمليات عسكرية، وبشكل عشوائي. هل هناك من سوري شريف ووطني يقبل أن تُمس مؤسساته العسكرية والمدنية وتتعرض للدمار؟
• في الوقت الذي تستعدون للمشاركة في مؤتمر وزراء الخارجية العرب... هل ستلتزمون «الصمت»، استجابة لما طالبكم به شريككم في الحكومة النائب وليد جنبلاط؟
- لن نصمت ونحن لسنا شهود زور. لنا الحق في التعبير عن رأينا بكل وضوح وصراحة انطلاقا من المبدأ العام الذي تبناه لبنان. لن نكون شهود زور، واذا كانت هناك ملاحظات سنقولها بكل جرأة. ولا سيما اذا كان هذا القرار يهدد أمن سورية واستقرارها. نحن حريصون كل الحرص على امن سورية واستقرارها، تماما كما نحرص على امن لبنان واستقراره. أمنا البلدين متلازمان. وكل من يظن اننا بعيدون عما يجري في سورية هو مخطئ. النار اذا التهمت سورية فإن لهيبها سيصل الى لبنان. وما يحصل في الشمال اليوم خير دليل على ذلك.
• انتم هنا ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي في باريس، ما صحة ما اشيع عن انه جرى استبعادكم بعد اشتراطكم مشاركة الرئيس ميقاتي في محادثاته مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي؟
- سبق وان نشرت احدى الصحف هذا الخبر وانا كذّبته. ما نشر عار عن الصحة. كنت ذاهباً مع الرئيس ميقاتي لكن طرأ اجتماع الجامعة العربية. وتزامُن توقيت زيارة ميقاتي مع الاجتماع العربي حال دون ذهابي مع رئيس الحكومة الى فرنسا. وهذا كل ما في الامر.
أكد وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور أنه لن يكون «شاهد زور» في اجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة «واذا كانت هناك ملاحظات سنقولها بكل جرأة. ولا سيما اذا كان هذا القرار يهدد أمن سورية واستقرارها».
وقال منصور لـ «الراي»: «ان أمن لبنان وسورية متلازمان، والنار اذا التهمت سورية فإن لهيبها سيصل الى لبنان»، معتبراً «ان ما يحصل في الشمال خير دليل على ذلك».
وفي ما يأتي نص الحديث:
• تشاركون (اليوم) في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، وعلى جدول أعماله البحث في إمكان إيفاد فريق من مراقبي الجامعة العربية والامم المتحدة الى سورية، ما موقف لبنان في هذا الشأن؟
- الاجتماع سيتناول موضوعين، اولا المبادرة العربية للسلام، وفي اجتماع ثانٍ سيجري بحث الاوضاع في سورية. ونحن لم نتسلّم بعد اعمال الاجتماع المتعلق بالملف السوري لنعرف فحواه. لكن سيكون لنا موقف في ضوء ما سيطرح للبحث.
• ما المسلمات التي ستستندون اليها في اي موقف قد تتخذونه؟
- لجنة المراقبين العرب ما زالت موجودة في سورية، ونحن ننتظر لنرى ما هو قرار الجامعة العربية، واذا كان يقضي باستمرار عمل لجنة المراقبين او زيادة فعاليتها من خلال زيادة عديدها، وربما تلجأ الجامعة الى اتخاذ قرار بوقف عمل اللجنة. وفي كل الأحوال، من السابق لاوانه بحث هذا الموضوع قبل الاطلاع على جدول الاعمال.
• ما رأيك بطرد دول مجلس التعاون الخليجي لسفراء سورية وسحب سفرائها من دمشق؟ ولبنان الذي اعتمد معادلة «لن نصوّت على العقوبات ونلتزم بها»، هل يمكن ان يلجأ الى هذا النوع من العقوبات في حال صدر عن الجامعة العربية؟
- هذا شأن يتعلق بدول الخليج. ما نريده هو مساعدة سورية على ايجاد الحل والخروج من ازمتها، وليس تعقيد الامور. على الارض، هناك فريقان، ولا بد من حوار بينهما. واي حل خارج إطار الحوار سيزيد الامور تعقيداً. أما في ما يتعلق بلبنان فهو اعتمد خيار النأي بالنفس عن القرارات التي اتخذت تجاه سورية نظرا للتركيبة السياسية في لبنان وخصوصية العلاقة بين البلدين. وسبق أن قلنا إن للبنان خصوصيات تاريخية وجغرافية وعائلية وسياسية وبالتالي لا يمكن الذهاب بعيدا ضد الاشقاء السوريين خصوصاً اننا ملتزمون واياهم باتفاقات موقّعة، وعلينا الالتزام بها، كاتفاقية الاخوة والتعاون، واتفاقية الامن والدفاع. ما يعني ان علينا الاخذ في الاعتبار ما تنص عليه الاتفاقات لا سيما فيما يتعلق بتوفير الامن بين البلدين والاستقرار وتبادل المعلومات. لذا لا يمكن اللجوء الى عقوبات، لا اقتصادية ولا سياسية ولا تجارية، لأننا سنكون المتضررين. بالدرجة الاولى لبنان معني بما يجري في سورية، معني بالاستقرار والامن، فاستقرار سورية وامنها هو ضمان لاستقرار لبنان وأمنه. ومن يظن اننا بمنأى عما يجري في سورية هو مخطئ. نحن نتأثر بما يجري هناك شئنا ام أبينا. وأتصور ان ما جرى من أحداث أمنية في شمال لبنان لا شك انه نتيجة للجو السائد في كل من سورية وشمال لبنان.
• هناك مَن يأخذ عليكم انكم تترجمون سياسة النأي بالنفس بالوقوف مع طرف ضد آخر؟
- مطلقاً. نحن نبحث بالدرجة الاولى عن مصلحة لبنان وبالتالي مصلحة سورية. سياسة النأي بالنفس تجنبنا المخاطر، وتحول دون زج لبنان في مسائل علينا الابتعاد عنها. نحن لا نقبل بأي شكل من الاشكال التدخل في الشأن السوري. وسياسة لبنان منذ الاستقلال كانت واضحة. لبنان يتعاون ويتضامن مع كل الاشقاء العرب ومع دول العالم وليس لنا عدو الا الكيان الاسرائيلي. لذلك تحرُّكنا ينطلق من حرصنا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للاخرين، فكيف الحال اذا كانت سورية البلد الذي تربطنا به علاقات وثيقة؟ نحن نعمل لتحقيق الاستقرار والأمن في سورية، لأننا معنيون بذلك.
• في ضوء استمرار تفاعلات الفيتو الروسي ـ الصيني ضد المشروع العربي ـ الغربي حيال سورية في مجلس الامن... كيف قاربت الديبلوماسية اللبنانية المسألتين اي مشروع القرار والفيتو؟
- قلت في اجتماعات الجامعة العربية السابقة إن سورية دولة عربية، والجامعة تضم الدول العربية كافة. وبما ان الأزمة في سورية مسألة عربية، فإن ذلك يحتم علينا ايجاد حل عربي للازمة، مع ما يعنيه ذلك من تجنب الذهاب الى الدول الخارجية أو الامم المتحدة لتجنب تدويل الازمة. نحن ضد تدويل الازمة السورية لأنه لن يؤتي ثماراً، ولن يوفر ما نريده من استقرار لسورية، بل سيزيد الامر تعقيداً. وربما هناك جهات في العالم تريد تصفية حسابات مع النظام السوري نظراً لمواقفه الرافضة لسياسات الهيمنة في المنطقة وخطط اسرائيل التوسعية ورفضها لعملية السلام. موقف سورية في هذا المجال صلب، فهي ترفض اخضاع المنطقة لسياسات خارجية لا تخدم مصالح الشعب السوري ولا شعوب المنطقة. من هنا يبدو واضحاً عمل بعض القوى وتوجهاتها لإزاحة هذا النظام. روسيا والصين تدركان جيداً هذه المعادلة السياسية، ولهما مصالح استراتيجية بعيدة، كما انهما تعرفان ما يجري في ساحات المنطقة، لذلك وجدتا في مشروع قرار مجلس الامن ما يخل بالتوازن، لأنه يأخذ بوجهة نظر فريق دون الآخر. وبالتالي قامت روسيا والصين باعتماد الفيتو لمنع صدور القرار. وإذا كنا فعلاً نريد إعادة الامور الى نصابها وتوفير الاستقرار والامن والاصلاح لسورية، فعلينا الاخذ في الاعتبار الافرقاء كافة، من دون تحميل المسؤوليات لفريق ضد الاخر.
نحن نرى منذ البداية انه كان من الافضل تجنيب الملف السوري التدويل. حتى ان اعضاء الجامعة العربية كانوا يرفضون التدويل، لكننا كنا نشتمّ رائحة تدويل. وهذا ما حصل بالفعل امام مجلس الامن. لقد أثبت العرب بهذه الخطوة أنهم غير قادرين على ايجاد الحل اللازم، فذهبوا الى الامم المتحدة.
• هل تشاطرون روسيا موقفها في تحميل المعارضة السورية المسؤولية عما وصفته استمرار «حمام الدم» في سورية؟
- عندما يكون هناك اقتتال، فهذا لا يعني ان هناك فريقا واحداً. ما يحصل يمكن اختصاره بأن هناك فعلا ورد فعل. لماذا نتجاهل الامور؟ لكل دولة في العالم كرامتها وهيبتها ووضعها المميز داخل اراضيها، فهي المسؤولة عن حماية سيادة البلاد. في سورية لا يمكن اغفال وجود جماعات مسلحة، وهذا امر لا يمكن لأحد انكاره، حتى المعارضة في سورية التي تجاهر في بياناتها بقيامها بعمليات مسلحة. اذاً هناك جانب عسكري على الارض، وهناك دولة تتمثل بالجيش وقوى الامن وقوات حفظ النظام، وهناك اقتتال.. هذا فعل ورد فعل. لكن من الضروري وقف هذا النزيف على الارض، فهو لا يخدم سورية، لا دولة ولا شعبا ولا وحدة ولا استقراراً. يجب البدء بالحوار، والدولة السورية جاهزة للحوار، لكن على الطرف الاخر المساعدة لإجرائه. فمن دون الحوار لا يمكن الوصول الى السلام. نحن في لبنان كانت لنا تجربة مُرة في هذا المجال. خضنا حربا داخلية على مدى 15 عاما. دفعنا ثمناً غالياً في شتى المجالات وفي نهاية الامر لم يبق امامنا الا الحوار الذي انقذ لبنان واخرج البلاد من الحرب. سورية اليوم ليس امامها الا الحوار. القرارات التي تملى من الخارج لن تؤدي الى السلام والاستقرار، بل على العكس ستزيد النار ناراً.
• وصف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز ما جرى في مجلس الامن بـ «البادرة التي لا تبشر بالخير»... الا تعتقدون ذلك؟
- لكل دولة وجهة نظر. اليوم عندما طرحت الصين وروسيا الفيتو، كانت لكل منهما وجهة نظر، ونحن نراها منطقية. منذ العام 1994 ولغاية اليوم استخدمت الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الامن 14 مرة، 13 منها كانت تتعلق بالاستيطان الاسرائيلي وبالممارسات التعسفية لاسرائيل والعدوان على غزة!! اتصور ان امتلاك الدول الكبرى حق الفيتو، يمكّنها من استخدامه خدمة لوجهة نظرها. بالتالي الصين وروسيا استخدمتا حقهما بالفيتو مستندتيْن الى حقائق ووجهات نظر حول المسألة السورية. روسيا والصين بدأتا بخطى ثابتة ومتقدمة في توجهاتهما، ليس حيال سورية فحسب، بل حيال المنطقة ككل. هما لا تريدان ان تكون المنطقة بيد دولة او أكثر أو طرف معين. هناك نوع من التوازن الآن في المنطقة. بالنسبة لروسيا والصين، الاحادية في المنطقة لم تعد واردة.
• غالباً ما يظهر السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي إما معاتباً الحكومة واما حاضاً لها على اتخاذ مواقف وتدابير ما... ألا يحرجكم هذا التعاطي؟
- السفير السوري لم ينتقد الدولة اللبنانية، وأنا التقيته مرارا في الوزارة. كل ما هناك انه باستمرار، يتمنى على الدولة اللبنانية ان تراقب عن كثب الحدود، لأن سورية تشكو حصول عمليات تسلل وتهريب سلاح عبر لبنان. ما يطلبه السفير السوري ليس تدخلاً في الشأن اللبناني ولا هو اعتراضا على سياسة لبنان، ولا سيما اذا قارنا الامر بما كان يطلق من تصريحات لسفراء اجانب في لبنان، حينها كنا نظن ان لبنان خاضع للسيطرة. ما يحصل في سورية اليوم أمر مهم ومسألة تتعلق بالامن القومي وبوحدة سورية واستقرارها، وما يطلبه السفير السوري لا يؤذي لبنان لاسيما في ضوء الاتفاقية الامنية الموقعة بين البلدين.
• الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله يجاهر بدعم النظام في سورية وزعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري يطالب بالاعتراف بالمجلس الوطني المعارض... كيف تتحدد السياسة الخارجية في ضوء هذا الانقسام الداخلي؟
- السيد حسن نصر الله يقف الى جانب سورية لأنها وقفت الى جانب المقاومة وكانت تشكل الحاضنة لها. كما اننا لا ننسى أنه في عام 2006، استقبلت سورية مئات الالاف من اللبنانيين، ووفرت لهم الحماية والدعم والرعاية. ولطالما تقدّمت سورية الخط الاول الممانع للسياسة والهيمنة الاسرائيلية، وهي كانت سنداً للمقاومة ومن حق السيد نصر الله الوقوف الى جانبها حالياً. اما الاعتراف بالمجلس الوطني السوري فهو انزلاق في امور خطيرة الان. علينا ان نجري حسابات للمستقبل والمقبل من الايام. والاتفاقات الموقعة بين الجانبين السوري واللبناني ما زالت فاعلة. فكيف يمكن ان نوفق بين هذه الاتفاقات والخصوصية التي تربطنا بسورية وفي الوقت نفسه نعترف بالمجلس الوطني السوري؟ وإذا كانت سياسة لبنان هي النأي بالنفس فكيف له ان يعترف بالمجلس الوطني؟ اليس هذا تدخلا في الشأن السوري؟ هل الاعتراف يخدم، على المدى البعيد، المصلحة السورية اللبنانية المشتركة؟ هل ندرك المخاطر التي ستترتب مستقبلا على العلاقات بين البلدين؟ علينا ان ننظر الى الامور بحكمة وواقعية وان لا نذهب بعيدا. نحن نأينا بأنفسنا لأننا ادركنا اننا بذلك نصون وحدتنا والعلاقة مع سورية. الاخوة في سورية متفهمون لسياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية، وكذلك هو حال اعضاء الجامعة العربية والمجتمع الدولي. لماذا نتجاوز التفهم الدولي والعربي للموقف اللبناني وندعو للاعتراف بالمجلس الوطني؟ اعتقد أن لا مصلحة للبنان بهذا الاعتراف.
• هل تهدف سياسة النأي بالنفس الى تجنب تكريس الانقسام الداخلي؟
- طبعا، هناك فريقان لبنانيان، احدهما مؤيد لسورية وداعم للمقاومة، والاخر يثبت من خلال التصريحات انه ضد النظام. وفي هذه الحال، يتوجب على لبنان أن ينأى بنفسه من أجل صون الوحدة اللبنانية وتجنب تعزيز الانقسام الداخلي. نحن نتمنى للشقيقة سورية الخير والاستقرار والامن لأنها قوة داعمة لنا ولكل العرب، كما نتمنى ان تستعيد دورها من جديد في خدمة قضايا عالمها العربي.
• غالباً ما كانت السياسة الخارجية تستند الى «توافقات داخلية»، الا تخشون من اتهامكم بـ «الفئوية» في تبني موقف احادي على المستوى الديبلوماسي؟
- موقف لبنان واضح. هناك ازمة في سورية ونحن لا نقف ضد النظام في سورية. وقلنا مراراً ان المعارضة لها مطالب محقة بالاصلاح. من الضروري اجراء الاصلاحات وكل دولة بحاجة الى اجراء اصلاحات. والقيادة السورية قالت منذ البداية انها تتفهم مطالب الشعب وواقفت على الإصلاح. ولو أنها رفضت الاصلاحات لوقفنا ضدها. نحن لا نقف ضد الشعب السوري، بل نؤيد مطالبه الاصلاحية. لكننا لا نقبل ان يكون هناك حمام دم، وأن يلجأ من يطالب بالاصلاح الى القتل وتنفيذ عمليات عسكرية، وبشكل عشوائي. هل هناك من سوري شريف ووطني يقبل أن تُمس مؤسساته العسكرية والمدنية وتتعرض للدمار؟
• في الوقت الذي تستعدون للمشاركة في مؤتمر وزراء الخارجية العرب... هل ستلتزمون «الصمت»، استجابة لما طالبكم به شريككم في الحكومة النائب وليد جنبلاط؟
- لن نصمت ونحن لسنا شهود زور. لنا الحق في التعبير عن رأينا بكل وضوح وصراحة انطلاقا من المبدأ العام الذي تبناه لبنان. لن نكون شهود زور، واذا كانت هناك ملاحظات سنقولها بكل جرأة. ولا سيما اذا كان هذا القرار يهدد أمن سورية واستقرارها. نحن حريصون كل الحرص على امن سورية واستقرارها، تماما كما نحرص على امن لبنان واستقراره. أمنا البلدين متلازمان. وكل من يظن اننا بعيدون عما يجري في سورية هو مخطئ. النار اذا التهمت سورية فإن لهيبها سيصل الى لبنان. وما يحصل في الشمال اليوم خير دليل على ذلك.
• انتم هنا ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي في باريس، ما صحة ما اشيع عن انه جرى استبعادكم بعد اشتراطكم مشاركة الرئيس ميقاتي في محادثاته مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي؟
- سبق وان نشرت احدى الصحف هذا الخبر وانا كذّبته. ما نشر عار عن الصحة. كنت ذاهباً مع الرئيس ميقاتي لكن طرأ اجتماع الجامعة العربية. وتزامُن توقيت زيارة ميقاتي مع الاجتماع العربي حال دون ذهابي مع رئيس الحكومة الى فرنسا. وهذا كل ما في الامر.