د. عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / الحرية مسؤولية

تصغير
تكبير
شاركت قبل أيام مع الدكتورة سعاد البشر في لقاء تلفزيوني عن موضوع الحريات من مفهومه الشامل، وخصوصا أنها باتت من أكثر الكلمات انتشارا بين أوساط الشارع العربي من الخليج للمحيط، وقد حاولت قدر المستطاع أن أضع في تلك المقابلة النقاط على الحروف، لأن ممارسة الحرية بصورتها المشوهة من خلال وسائل الإعلام المختلفة جعل كثيرا من الناس يكفرون بذلك المصطلح ويحاربونه، سواء بحسن نية أو سوء طوية.

الحرية في مفهومها الشامل تعني قدرتنا على اتخاذ قرار الفعل أو عدم الفعل لأي شيء دون إملاءات أو ضغوط خارجية أو داخلية، ولكن هذا لا يعني أبدا أن نقول كل ما يدور في أذهاننا، أو نفعل كل ما يخطر ببالنا، دون اعتبار لمعطيات المجتمع الذي نعيش فيه، ونتعامل مع مكوناته وثقافته وبيئته.

قد يعتقد بعضهم أن الحرية تعني أن له مطلق الاختيار في السلوك والملبس حسبما يقرر هو دون اعتبار للآخرين، وهذا خطأ فاحش، فالحرية المطلقة شر محض، فلو قرر أحدهم أن يقود سيارته دون اعتبار لإشارات المرور وتقاطعات الطرق واللوحات الإرشادية لشهدت الطرق أكبر مجزرة في العالم.

وقد يقرر أحدهم أن يلبس ما يشاء من ملابس السباحة في الأماكن الرسمية من باب الحرية، خادشا بذلك الذوق العام، كما قد يسمح أحدهم لنفسه بأن يمسك سيجارته في لقاء تلفزيوني دون حياء، معتبرا أن ذلك نوع من ممارسته لحريته الشخصية، وليذهب الآخرون إلى الجحيم.

إن الحرية مسؤولية شخصية في الوقت نفسه، فإن كنت ترد أن تكون حرا فعليك أن تكون مسؤولا مسؤولية كاملة عن أقوالك وأفعالك، ومن يريد الحرية فعليه أن يتحلى بكامل الشعور بالمسؤولية عن أثر ممارسته لحريته تلك على المحيط والبيئة التي يعيش فيها، وإلا فإنها أنانية بعيدة كل البعد عن مفهوم الحرية.

الحرية لا تعني الشذوذ في السلوك والفعل من باب خالف تُعرف أبدا، ولا تعني التنكُّر للحتميات الفيزيقية والاجتماعية والبيئية والقانونية المحيطة بنا، ولكنها حرية التفكير بالدرجة الأولى التي تسمح لنا أن نكون على قدر عالٍ من توليد الأفكار دون قيود مسبقة، وتسمح لنا بإيجاد صيغ جديدة للحياة دون خوف من الآخرين، كما تسمح لنا بالانتقاد الجاد القائم على أسس منطقية دون تجريح شخصي، أو استهانة بالآخرين والسخرية بهم. 





د. عبداللطيف الصريخ

Twitter : @Dralsuraikh
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي