تذكر كتب التاريخ أن أبا بكر الصديق وجَّه عكرمة بن أبي جهل وشرحبيل بن حسنة لقتال مسيلمة الكذاب، ولما فشلا وجَّه إليه خالد بن الوليد في جيش جمع خيار الصحابة والقرّاء، فلما سمِعَ مسيلمة دنوَّ خالد ضرب عسكره بعقرباء، فاستنفر الناس فجعلوا يخرجون إليه حتى بلغوا 40000 رجل تبعه أكثرهم (عصبية)، حتى كان بعضهم يشهد أن مسيلمة (كذاب) وأن محمدا صلى الله عليه وسلم (صادق)، لكنهم كانوا يرددون «كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر».
بل تذكر كذلك حوارا طويلا لمسيلمة الكذاب مع صديقه عمرو بن العاص، وكان ذلك قبل إسلامه، حيث روى مسيلمة بعض ما يدعي أنه وحي السماء على صديقه، فإذا بعمرو يقول له بصريح العبارة «والله إنك تعلم أني أعلم أنك تكذب».
إن الانتصار للعصبية ظاهرة عربية بامتياز، وقد فُقْنا الأمم في ذلك، بل أصبحت ماركة مسجلة. وإن كانت مثل هذه الظاهرة طبيعة بشرية، حيث يأنس الرجل لمن يرتبط معه في النسب، فمن غير المقبول عقلا أو شرعا أن ينتصر له أو يدعمه أو يسانده لتلك الخصلة فقط، وهي الانتماء لجد واحد، من دون اعتبار لأمانته وقوته.
تعيش الكويت انتخابات مجلس الأمة هذه الأيام، والتي تكثر فيها الإشاعات والأقاويل، ونعيش فيها كذلك (ردة حضارية)، أساسها التمايز وفقا للتصنيف الجيني، وقد شهدت ذلك بنفسي، ورأيته بأمِّ عينيَّ، وسمعته بأُذُنَيَّ، رأيت من نادى بما نادى به أنصار مسيلمة: كذاب حنيفة أحب إلينا من صادق مضر.
وأنا هنا لا أزكي أحدا، ولا أنتقد فردا أو مجموعة على حساب أخرى، ولا يعنيني هنا إلا أن نكون مثال (المنهج) الجديد الذي خرجنا من أجله في ساحة الإرادة، وألا نرتدَّ على أدبارنا خاسرين، فإن طالبنا السلطة في الكويت بنهج جديد، فعلينا أن ننتهج طريقة جديدة في تقييم المرشحين للنيابة عن الأمة، وأن نراجع المسطرة التي كنا نقيس بها في المرات السابقة.
المسألة يجب ألا تتعلق بالمصلحة الشخصية البحتة، ولا العلاقة العائلية المحفوفة، ولا الصداقة الحميمية، ولا الارتباط الحزبي الضيق، ولا الميول الطائفية البغيضة، ولا الشكل الظاهري الخادع، فمسألة الاختيار لممثلي الأمة مسألة حساسة وفي غاية الأهمية، وإذا فشلنا في تأسيس وعي جديد لنهج جديد في الاختيار، فستستمر السلطة على طريقتها القديمة، وكأنك يا بوزيد ما غزيت!
د.عبداللطيف الصريخ
كاتب كويتي
Twitter : @Dralsuraikh