ستظل قضية البدون في الكويت كرة الثلج التي يزداد حجمها يوما بعد يوم، ويستمر معها التسويف الحكومي من دون بارقة أمل غير الوعود والأمنيات التي يوزعونها كإبر تخدير للمستحقين للتجنيس.
لقد كان الجيل الأول الذي عاش عدم التفرقة بينه وبين الكويتي، وعمل في مرافق الدولة، ومؤسسة الجيش والشرطة، وشارك في الحروب التي خاضتها الكويت، وعاش كمواطن، أو هكذا أملوه، ليفاجأ في منتصف الثمانينات أن الأمر قد اختلف، وأن النوايا قد تبدلت، وأن الربيع الذي كان يعيش فيه استحال خريفا، وبدأت الأوراق تتساقط، وتكشفت معه العورات الفكرية والعنصرية.
جاءنا الغزو فلم يكن من أولئك الجيل الأول من البدون إلا مواقف الرجال، شاركونا الشهادة والأسر، ورفض بعضهم الخروج من الكويت، لأنه لا يعرف غيرها، وأرادوا أن يثبتوا لأنفسهم على الأقل أنهم مستعدون أن يفدوا تراب هذا الوطن الذي أعطاهم الكثير.
توقع الجيل الأول أن يكون خروج الجيش العراقي من الكويت هو خاتمة أحزانه، ولكنه كان ابتداء لكثير من ممارسات التضييق على جيل الأبناء، حيث كبروا وتلفتوا حولهم، فلا تعليم ولا خدمات صحية ولا وظائف، وازداد الأمر سوءا، فلا عقود زواج ولا شهادات ميلاد، ولا حتى شهادات وفاة لمن يموت من جيل الآباء.
بعضهم أتيحت له الفرصة ليهاجر للحصول على حياة كريمة تحترم آدمية الإنسان، وكان لهم ما أرادوا، وبعضهم نصبوا عليه بجوازات وجنسيات مزورة لدول أفريقية وأميركية لاتينية، وما زالت الأغلبية تنتظر أن يتحقق حلمها القديم الذي يتجدد كل لحظة على لسان تلك اللجان الحكومية التي ليس لها وظيفة إلا تأجيل الحل الجذري للقضية، فيا لها من مأساة!
توالت السنون والأعوام، وسلمها جيل الأبناء لأولادهم (أحفاد الجيل الأول)، وقد خالطهم في حقهم عشرات الألوف ممن انتسب للبدون، لتتعقد المسألة أكثر فأكثر، ويختلط الحابل بالنابل، ليأتي من أتى بعد الغزو أو بعد منتصف التسعينات وقد مزق جوازه ليشارك تلك الأجيال الثلاثة في حق المواطنة، بعد أن رفع لافتة (أنا بدون).
في ظني أن قضية البدون لا تعني البدون أنفسهم، بل هي قضية الكويتيين بالدرجة الأولى، لأنهم يشاركونهم العيش على هذا الوطن، منهم المستحق للمواطنة، ومنهم المستحق للحياة الكريمة على الأقل، ويجب على الكويتيين الإصرار والمطالبة بالحل الجذري لها من دون تسويف أو تأجيل، فالوضع على صفيح ساخن.
د.عبداللطيف الصريخ
كاتب كويتي
Twitter : @Dralsuraikh