يعتصرني الألم وأنا أرى التمجيد والتقديس للأشخاص، حيث لا معصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فبعض الناس لا يقبل افتراض خطأ من يرسم حوله هالة القداسة، وذلك خلل فكري يجب علينا أن نجاهد لاقتلاعه.
في ثقافتنا تعشعش رمزية البطل، الذي يمتطي صهوة جواده، وبيمينه سيف صقيل بتار يقطع به رؤوس الأعداء، ولذا تغنينا بالفرسان والقادة، وكأنهم وحدهم من صنع النصر في تلك المعارك، ووجودهم كان كافيا لإرهاب العدو، ولا عزاء لآلاف ممن ساهموا في ذلك النصر وشارك في تلك المعارك.
في ثقافتنا إما أن تكون معي، وإلا فأنت ضدي، هكذا يريدون تصنيف الناس وكأنهم قوالب جاهزة، يمكن التعامل معها بيعا وشراء، يريدونها كتلا بشرية ينظمها فكر ورأي واحد، لا مجال فيها للرأي الآخر، أو الأفكار المغايرة للسائد... تبا لتلك الثقافة التي أوقفت عقارب حضارتنا عن الدوران، وأثقلتها عن الحركة في أفلاك التقدم والازدهار والنمو.
ويل لمجتمع يسمي الفوضى بطولة، وقلة الأدب حرية رأي، وسوء العبارة شجاعة، والتطبيل للظالم والمفسد وطنية، والسكوت عن قول كلمة الحق ولاء لولي الأمر، وكيف له أن ينهض من كبوته، ويستعيد صحته وعافيته إذا تخلى الأخيار عن دورهم وركبوا موجة الشارع خشية أن يفقدوه.
يعقد بعضهم الولاء والبراء حول أشخاص، وبعضهم حول أحزاب وتجمعات بشرية أيا كان مسماها أو تصنيفها، ويقيس ما تقول وتفعل وفق تلكم المحاور التي يدور حولها، ولا يستطيع عنها فكاكا، فهي الحقيقة المطلقة وما عداها باطل محض، ويجب أن تقبله كله أو ترفضه كله، رغم أنها اجتهادات بشرية في النهاية، ولذا فهي قابلة للأخذ والترك في كل جزئية من جزئياتها.
بعض الناس يزعجه التفكير، ولذا فقد أراح نفسه من ذلك الصداع، وقرر أن يكون تابعا لغيره في كل ما يقول، فالحق ما يقول ذلك الرمز البطل، ولو كان باطلا في ميزان الشرع والأخلاق، فهو المرجع بالنسبة له، وبمواقفه وأفعاله يقيس الآخرين، ولا عزاء للمبادئ والأخلاق والمنطق السليم.
د. عبداللطيف الصريخ
كاتب كويتي
Dralsuraikh@