د.عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / سجن الباستيل

تصغير
تكبير
اقتادوه إلى السجن، رغم أنه الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، من دون ذنب إلا أن قال «رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه» ونسوه، فما لبث أن خرج منه وجيها عزيزا وزيرا على خزائن الأرض، إنه يوسف عليه السلام.

أرادوا منه أن يقر بفساد عقيدتهم بخلق القرآن فأبى، وأصر على رأيه، فكبلوه بالسلاسل، وضربوه بالسياط كي يخرسوا صوت الحق داخله، فلم يكن لهم ما أرادوا، بل حفظ الله بثباته عقيدة الأمة، وأخذ الله أعداءه أخذ عزيز مقتدر، إنه الإمام أحمد بن حنبل.

قاد المسلمين في المعارك ضد المغول، وجاهد من أجل الحفاظ على بيضة المسلمين، حتى علا صيته وبزغ نجمه، ما أغرى أعداءه وأقرانه من العلماء، فأوغروا صدر الحاكم عليه، فزجه بالسجن بتهمة ملفقة ليتخلص منه، فكان له ما أراد بحكم ما يمتلك من سلطة وقوة، وقد سجن قبلها ثلاث مرات في القاهرة والاسكندرية ودمشق، ولكننا مازلنا نقرأ كتب ابن

تيمية وتلامذته كابن القيم وابن رجب والذهبي.

وفي عصرنا الحديث يأتي سيد قطب وغيره من الآلاف مثالا حيا على عقلية الاستبداد، التي تعتقد أن السجن سوف يغير من عزيمة الرجال الأحرار، وما علموا أن السجن استراحة محارب لمن اعتاد على البذل والعطاء والتضحية لأمته.

في البحث عن أشهر السجون التي كانت رمزا للطغيان والاستبداد في العصور المتأخرة التي سبقت الثورة الفرنسية، يأتي سجن الباستيل الشهير في باريس في المقدمة، ليكون شاهدا على أن الظلم والقهر لا يدوم، وإن استمر فأيامه معدودة، وقد جاء في الويكيبيديا: الباستيل هو سجن أُنشئ في فرنسا بين عامي 1370 و1383م كحصن للدفاع عن باريس، ومن ثم كسجن للمعارضين السياسيين والمسجونين الدينيين والمحرضين ضد الدولة، وأصبح على مدار السنين رمزاً للطغيان والظلم وانطلقت منه الشرارة الأولى للثورة الفرنسية في 14 يوليو 1789، وماتزال فرنسا حتى اليوم تحتفل بمناسبة اقتحام السجن باعتبارها اليوم الوطني لفرنسا في الرابع عشر من يوليو من كل عام وانتهاء حقبة طويلة من الحكم المطلق.

ورحم الله الشاعر هاشم الرفاعي الذي سطر قصيدة «رسالة في ليلة التنفيذ» بأحرف من قهر وقال فيها:

وتقول لي إن الحياة لغاية

أسمى من التصفيق للطغيان

أنفاسك الحرى وإن هي أخمدت

ستظل تعمر أفقهم بدخان





د.عبداللطيف الصريخ

كاتب كويتي

Twitter : @Dralsuraikh
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي