عبدالعزيز صباح الفضلي / رسالتي / يا ليتني ماليزي

تصغير
تكبير
من نعم الله على العبد أن ييسر له أمور الطاعة فيتزود منها بخير زاد ألا وهو التقوى. ومن فضل الله علينا ومنته أن وفقنا لزيارة بيت الله الحرام وأداء مناسك الحج، وهناك اختلطت المشاعر مع الشعائر، وشاهدت الموافقات مع المتناقضات.

هناك ترى ما يفرحك وما يحزنك، ما يبكيك وما يضحكك، ما يبعث في نفسك التفاؤل، وما يصيبك بخيبة الأمل، واسمحوا لي أن أنقل لكم بعض المشاهد...

كان من مشاهد الفرح هذه الملايين التي أتت من كل فج عميق باختلاف ألوانها وأشكالها ولهجاتها، وهي برغم ذلك كانت تردد نداء واحدا «لبيك اللهم لبيك» لتعلن أنها أمة واحدة لا تعرف سوى الله ربا، والاسلام دينا، ومحمدا نبيا ورسولا.

لكنني خشيت على هذه الأعداد أن تكون هي من أخبر عنها الرسول عليه الصلاة والسلام بأنها ستكون كغثاء السيل من كثرتها، وأن المهابة ستكون منزوعة من قلوب أعدائها، بسبب حبها للدنيا وكراهيتها للموت. لكن هذا الشعور سرعان ما تبدد حين تذكرت ثورات الربيع العربي، والذي أعلنت الشعوب العربية فيها أنها أصبحت تطلب الموت لتُوهب لها الحياة.

فرحت كثيرا وأنا أرى مشهد الحجاج الماليزيين أولئك الذين يتحركون كالآلة في نظامها وكالساعة في دقتها، يسيرون في طابور منظم، يؤدون المناسك من دون إيذاء لأحد، يحافظون على نظافة أماكنهم، ويحسنون إلى من حولهم، وهذه الفرحة طبعا لم تتم لمّا نظرت إلى تصرفات غيرهم، فهذا الذي يأتي لأداء أحد المناسك وكأنه مقبل على حرب ضروس، فلا يقيم اعتبارا لمن هو أمامه من شيخ كبير أو امرأة ضعيفة، وكم ارتفعت الصرخات أثناء الطواف نتيجة اندفاع أولئك زعما منهم الحرص على تطبيق سنة تقبيل الحجر الأسود.

ومن المناظر تلك الفضلات الملقاة في كل مكان وبعضها من الأطعمة، وكم تألمنا ونحن نرى الأقدام تدوسها على أرض عرفات رغما عنها من كثرتها عند نفرة الحجيج إلى مزدلفة، ومع هذه المشاهد المؤذية كم تمنينا لو أن كل الحجاج كانوا ماليزيين.

كم ملأت الفرحة القلب وأنا أرى نسبة كبيرة من حجاج الكويت هم من فئة الشباب من الجنسين، وهذا من بشائر الخير لهذا الجيل، ففي الوقت الذي ضيع فيه آخرون من أعمارهم نفسها فترة إجازة العيد من دون فائدة تُرجى، أو بحثا وراء متعة محرمة، ترى هؤلاء يستمتعون بالقدوم إلى بلد الله الحرام، ليؤدوا هذه الشعيرة فتكتحل عيونهم برؤية الكعبة، وتزكو نفوسهم على صعيد عرفات، وتطهر قلوبهم في مزدلفة، وينحرون هواهم في مِنى فهنيئا لهم.

من أجمل المناظر وأروعها دموع التائبين ومناجاة الخائفين وانكسار المذنبين، ومن أسوئها وأقبحها: السيجارة في فم المحرمين، الذين لم يراعوا حرمة الزمان ولا المكان، فلم يحترموا ثياب الإحرام التي يرتدونها، ولا المناسك التي يؤدونها، فمن لم تقو نفسه على هزيمة سيجارة كيف سينتصر على شيطانه؟

هذه بعض المشاهدات من أرض مهبط الوحي وأسأل الله تعالى أن يمن على من حج بيته، بأن يجعل حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا وذنبهم مغفورا.





عبدالعزيز صباح الفضلي

كاتب كويتي

twitter : abdulaziz2002

alfadli-a@hotmail. com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي