«الإخوان» في السلطة

تصغير
تكبير
مع بدايات الربيع العربي بدأت دوائر الأبحاث في الغرب تتحدث عن دمج «الاخوان المسلمين» بالمجتمع المدني، كي تصبح للأحزاب والحركات والتنظيمات الخارجة من عباءة الراحل حسن البنا مشروعية انصهارية تشاركية معلنة في السلطة والدولة بعدما عانت ما عانت من قمع وملاحقات على امتداد عقود.

الغرب يرى في حزب «العدالة والتنمية» التركي نموذجا يمكن أن تقتدي به أحزاب «الإخوان» في حال وصولها إلى السلطة أو المشاركة فيها. وزارات الخارجية في عدد من الدول الكبرى كلفت هيئات ومؤسسات ومراكز أبحاث تزويدها بخلاصات عن امكان التزام تيار الاسلام السياسي أهداف الربيع العربي أي الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان وتداول السلطة، والاهم من ذلك كله ان يكون هذا الالتزام حقيقيا وليس من باب المناورة بحيث تتغير كل المعادلات لاحقا بحجة أن «الإرادة الشعبية» مع فرض هذا القانون أو الغاء ذاك أو تعديل اللوائح الاساسية للانتخابات أو احلال الاستفتاءات محل الاقتراع الحر... باختصار، يريد العالم ان يتأكد من ان وصول الإسلاميين إلى السلطة عن طريق الانتخاب لن يكون لمرة واحدة وان الزعيم لن يحكم الى... الابد.

الأيام وحدها تكشف ما اذا كانت الضمانات التي تجمعت كافية للوثوق بجنوح «الاخوان» نهائيا إلى النظام الديموقراطي والتداول السلمي للسلطة، وربما كانت التجربة التونسية هي المختبر الارقى حتى الآن لجهة سلاسة عملية الانتقال السياسي وشفافيتها، ولجهة التأكيدات التي اعطاها زعيم «النهضة» الفائز في الانتخابات راشد الغنوشي بأنه لن يمس أيا من المكتسبات المدنية للتونسيين والتونسيات خلال الحكم العلماني وعلى رأسها الحريات الشخصية والعامة... ولكن لا بد من التوقف عند جملة امور في محاولة لاستشراف القادم من الايام.

«الاخوان» انفردوا عن غيرهم من الحركات السياسية الإسلامية بانهم لم يخفوا هدف الوصول إلى الحكم أو انهم طلاب سلطة. كانوا في البداية يركزون على خدمة المجتمع وتنمية المعارف الايمانية والثقافة الشرعية لدى افراده، ثم بدأت قياداتهم تعتبر ان السلطة هي الطريق الامثل لتطبيق شعار «الاسلام هو الحل» مهما كان محفوفا بالمخاطر، خصوصا اذا لم تكن لحركتهم مشروعية أو ترخيص رسمي.

هم اختاروا وسائل قاسية ردا على ما اعتبروه اقصاء قاسيا فدخلوا في لعبة الموت والدم والاغتيالات مسلحين بكوادر تشربت ثقافة الزهد في الدنيا وان الحياة الحقيقية في الدنيا أو الآخرة طريقها «الجهاد». اضطهدوا ولوحقوا وسجنوا وتعذبوا وفروا إلى ملاذات آمنة. استخدموا في صراعات الانظمة ثم دفعوا ثمن هذا الاستخدام من سمعتهم وتاريخهم، بل انهم استخدموا من قبل انظمة كورقة في اللعبة الداخلية مثلما فعل الراحل انور السادات.

وفي مختلف الظروف، كان بعض «دهاة» الاسلام السياسي ينظر إلى المصلحة في ذلك الاستخدام، فيعيد الانتشار ويتسلل رويدا رويدا إلى مفاصل السلطة ويؤسس مشاريع مالية للاستقطاب والتوظيف والافادة والاستفادة. أما بعض من ينقصهم الدهاء فكانت خطواتهم المتسرعة تكشفهم وتنعكس سلبا على مجمل الحركة «الاخوانية» بمسمياتها المختلفة، فتعود المواجهات والاغتيالات والتفجيرات والتدخلات غير المرغوبة وتتحمل الحركة وزر كل من خرج من عباءتها «مهاجرا ومكفرا ومجاهدا ومقاتلا». هكذا تم تحذير السادات عندما قربهم ثم اغتاله الاسلامبولي، وهكذا هاجمهم قبل اعوام الامير نايف بن عبد العزيز معتبرا انهم «اصل البلاء» وان المملكة العربية السعودية التي امنت لهم الملاذ والعمل الكريم «بعدما علقت لهم المشانق في دولهم» فوجئت بأنهم لم ينسوا ارتباطاتهم السابقة «فأخذوا يجندون الناس، وينشئون التيارات، وأصبحوا ضد المملكة!». ويمكن في هذا الاطار ايضا الحديث عن موقف التنظيم الدولي لـ«الاخوان» خلال فترة الغزو العراقي للكويت حيث كانت ادبياته تركز على الولاء لـ«الأمة الإسلامية» ونصرتها والعداء للأميركيين أكثر من التركيز على ضرورة تحرير الكويت بكل الوسائل... وهو ما اعتبره كثيرون موقفا سيئا رغم كل التبريرات.

العمل السري الذي اضطر «الاخوان» إلى العمل تحت الارض صقل تجربتهم التنظيمية فتفوقوا في ذلك على غيرهم، والقمع الذي تعرضوا له احاطهم بتعاطف شعبي من جهة معطوف على الرغبة في التغيير، والجنون والاذى والدمار التي ارتكبتها بعض الحركات «الجهادية» و«التكفيرية» اعطتهم صورة اعتدال طالما تمنوها وغسلت جزءا من تاريخهم في الذاكرة... اضافة إلى انهم استفادوا كثيرا من تجاربهم وتجارب المنطقة خصوصا الجزائرية والمصرية، فأعادوا صياغة خطابهم السياسي وغيروا تسميات تنظيماتهم مقتربين من قيم الحريات والعدالة والتنمية والتغيير والتقدم. طعموا الهدف الديني بالمعايير المدنية معتبرين ان لا تعارض بين التدين والتمدن، وغابت عن ادبياتهم المصطلحات التي تعتبر الديموقراطية كفرا والحريات بدعة... ولم يعد «الاسلام هو الحل» شعارا معلنا.

في مختلف دول الربيع العربي تلافى «الاخوان» الظهور في الواجهة. شاركوا في كل الثورات الشعبية انما بأسلوب ذكي جدا ركز على ايصال صوت التغيير ولو كان المتحدث يساريا أو ماركسيا أو ناصريا أو حتى مسيحيا، ثم انخرطوا في لعبة الانتخابات مستفيدين طبعا من كل ما سبق وتحديدا قدرتهم التنظيمية من جهة ومن حالة الاستياء الشعبي العام من جهة اخرى.

في دولة مثل الكويت لم يقمع «الاخوان». سمح النظامان السياسي والاقتصادي لهم بالانخراط في الحياة العامة من اوسع ابوابها. صاروا نوابا ووزراء واسسوا جمعيات خيرية ودينية ومؤسسات اقتصادية. لم يضطروا إلى العمل السري تحت الارض ولا إلى اللجوء إلى خطاب الاستعطاف أو التظلم، ولذلك شكلوا جزءا طبيعيا من الصورة. لم يكونوا رموزا تحيط نفسها بهالة «القدسية» كما حصل في بعض الدول بل كانوا سياسيين تحت سيف المحاسبة من الناخب ان اخفقوا سياسيا ومن القضاء ان اتهموا بالفساد أو تورطوا في قضايا غير مشروعة، ولذلك كانت حصتهم في السلطتين التشريعية والقضائية تزيد وتنقص استنادا إلى ادائهم وسمعتهم وانجازاتهم أو اخفاقاتهم.

واليوم، يلعب «الاخوان» في الكويت دورا اساسيا ومحوريا في الحراك الشعبي المعارض للحكومة مستفيدين من خبرة طويلة حزبية وتنظيمية ومن تجارب نظرائهم في العالم العربي، بل هم في طليعة من ادرك أهمية التكنولوجيا ووسائطها فوظفوها في الحشد والتأطير والاستقطاب، كما انهم يركزون بشكل ممنهج على استقطاب طلاب الجامعات والثانويات... والاهم من ذلك كله ان «اخوان» الكويت يشاركون في احد اهم الاختبارات المتعلقة بطبيعة النظام السياسي الكويتي من خلال التعديلات الدستورية التي اقترحتها الكتلة النيابية التي يشاركون فيها وتتعلق تحديدا بالمواد 56 و80 و98 و101 و102 و116.

هل يصل «الاخوان» إلى السلطة بعد الربيع العربي؟ ربما كان السؤال الاهم: هل سيبقى «الاخوان» على ولائهم المعلن لمبادئ الربيع العربي ام ان «الدهاء» شيء و«الالتزام» شيء آخر؟

المنطق الأساسي للطبيعة أن الفصول... تتجدد.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي