| علي الرز |
بعد دفاع البطريرك الماروني المطران بشارة الراعي عن النظام السوري، تهجّم المفتي الجعفري «الممتاز» الشيخ احمد قبلان على قطر وأميرها نتيجة وقوف الدوحة مع حركة التغيير في سورية.
من «شكراً قطر» التي ملأت الفضاء اللبناني اثر حرب تموز (يوليو) 2006، الى الهجوم على قطر والتحذير من انها قد تكون «ساعدت اللبنانيين لتسمينهم قبل ذبحهم» (استناداً الى تصريح قبلان)، فترة زمنية قصيرة لكنها تكشف اموراً كثيرة اهمها ان شكر قطر او غير قطر لا علاقة له عند بعض الفئات اللبنانية بموقفها من لبنان وأهله بل بمدى قربها او بعدها عن المحور السوري - الايراني. فإعادة إعمار القرى والبلدات والمدن التي تضرّرت من العدوان الاسرائيلي ما زالت حتى اللحظة قائمة وبتوقيع قطر... لكن مصلحة ما يسمى بنظام الممانعة أهمّ عند بعض اللبنانيين من مصلحة لبنان وشعبه.
والغريب ان المساعدات القطرية صبّت، في جلّها، في المناطق التي يسكنها الجمهور الذي يفترض ان يمثل جزءاً كبيراً منه المفتي «الممتاز»، اي في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت. والغريب اكثر ان رموز الطائفة الشيعية جميعهم بلا استثناء، من روحيين وسياسيين، تباروا في كيل المديح لامير قطر عندما زار لبنان وقراه المدمرة. قال الشيخ حمد بن خليفة يومها كلاماً «لبنانياً» لم يغيّر لاحقاً حرفاً منه، فيما تغيّرت حروف وعبارات وجمل ومواقف الذين مدحوه لاسباب غير لبنانية وانكشف حجم الارتباط الحديدي بين هؤلاء والنظام السوري وحجم الخيوط الواهية التي تربطهم بمصلحة لبنان ومصالح ابنائه... وتحديداً مصالح الطائفة الشيعية.
قبل تصريح المفتي الجعفري «الممتاز»، حصلت امور كثيرة استُخدمت فيها الطائفة الشيعية وقوداً لحملات سياسية، الامر الذي انعكس سلباً عليها في بعض الدول العربية وافريقيا. تراجع بعض رجال الدولة الشيعة في لبنان الى رجال الطائفة فرجال الميليشيا فيما فضل آخرون ان يكونوا جزءاً من «شبيحة» البعث. باعوا حقوق الاوطان بحقوق الاقليات، ورسموا لطائفتهم، كما فعل غيرهم للأسف الشديد، حدوداً تسمو على الانسان وحرياته وديموقراطيته. قدموا الخطاب المذهبي سلاحاً في وجه سلاح الوحدة المجتمعية وأعطوه قدسية وشرعية وحصنوه بدولة الممانعة التي ما كان لها ان تتسع وتصمد لولا دويلات الطوائف المعلنة وغير المعلنة.
بهذا المعنى، يشعر كثيرون من ابناء الطائفة الشيعية بانها باتت طائفة مخطوفة، يقودها البعض الى الاصطدام والتأزيم والحروب ويحوّلها اكياس رمل لهذا النظام او ذاك. لا يمكن ان يستمر التأسيس والتنظير لاعتبار الشيعي شيعياً والسني سنياً والمسيحي مسيحياً وليس لبنانياً او عربياً من دون ان تكون النتائج وخيمة، ولا يمكن سلخ الانسان من انسانيته وانتمائه الحضاري الى فضاء واسع من القيم وإلغاء عقله وحصره في شرنقة مذهبية الا وسينعكس ذلك سلباً عليه مهما صوّر له «قادته»
انه المنتصر والحاكم.
والشيعة بالتأكيد غرباء عن موقف المفتي قبلان تماماً كما ان المسيحيين غرباء عن مواقف البطريرك الراعي وعن اي موقف يسيء الى عمقهم العربي وعلاقات لبنان الدولية. هم غرباء عن خطاب النظام السوري الممعن في القتل والسحل والمجازر وكمّ الافواه... وهم اقرب الى الشعب السوري التواق الى كلمة واحدة: حرية.
«شكراً قطر» لانها مسحت دمعة لبنان في أصعب أوقاته، و«شكراً قطر» لانها فعلت ذلك لتحصين الشعب اللبناني لا «لتسمينه من اجل ذبحه» كما حذر المفتي قبلان، و«شكراً قطر» لانها لا تزر وازرة وزر اخرى فهي تدرك اكثر من غيرها ان التصدي لخطف الطوائف والمجموعات لا يكون بعزلها ومقاطعتها وانما بالانفتاح اكثر عليها والاحتضان الاكبر لأهلها ومساعدتهم على التحرر من القبضة المذهبية والتبعية لمحاور خارجية. وشكراً لأمير قطر الذي وصفه الرئيس نبيه بري في بنت جبيل بـ «الأمير الذي يعرف معنى ثمرة الحياة ومعنى الوجع، الممتلىء حباً، الرافض لبيع الحرية والضمير»... شكراً للشيخ حمد الذي عرف ان الشعب السوري يتوجع في شتاء طويل ويريد الربيع من اجل ثمرة الحياة ويحتاج الى ممتلئين بالحب رافضين لبيع الحرية والضمير.
alirooz@hotmail.com