سهيل زكار لـ «الراي»: لا ينفعنا القول إننا سنة أو شيعة... نحن فقط مسلمون
عندما تشتد الأزمات يعود المثقف إلى التاريخ، يتلمس العبرة، بدلاً من ذرف العبرات، ويسكن العقل بخزون التجارب، فينير طريقه إلى هدي الصواب.
حديث نائب رئيس اتحاد المؤرخين العرب الدكتور سهيل زكار مع «الراي» ممتع إلى حد يأخذك في الأعماق، يستغرق في التفاصيل، تتقلب جوانب القضية من خلال سرد الأحداث، لكن الواقع يفرض نفسه. واقع عربي مأزوم في الخلافات، وغزة تحت نار المحرقة الإسرائيلية التي لا ترحم رضيعاً أو طفلاً فلسطينياً، ولا تميز بين ما هو مدني أو مقاتل.
زكار المتفائل بانعقاد القمة العربية في سورية بعد اندفاعة الكويت والإمارات للتوسط بين الرياض ودمشق، حذر من تقسيم المنطقة، وإبادة الشعب الفلسطيني يرافقه «ترانسفير»، كي يكمل الإسرائيلي مشروعه ببناء الدولة اليهودية الخالصة، لكنه رغم ذلك لا ينسى السياق التاريخي للأحداث، مستشهداً من خلال استطرادات بما جرى ويجري على المنطقة من نوائب.
ورغم أن زكار خاض في التاريخ السياسي إلا أنه أشار في الحوار إلى آراء تاريخية جديدة يؤمن بها على أنها حقائق، مثل أن الإمام علي بن الحسين، زين العابدين، مدفون في سورية، وأن المدفونة في راوية هي أم كلثوم ابنة زينب لا زينب السبطة. وإلى نص الحوار:
• بداية يخشى البعض من عدم انعقاد قمة جامعة الدول العربية في دمشق في نهاية الشهر الجاري وسط خلافات بين سورية والرياض، ألا تشاطرهم في ذلك؟
- أنا متفائل بدور إخواننا في الخليج، عندما أرى سمو رئيس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر المحمد في دمشق... ثم يعقبه رئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فإنه يتكون لدي أمل بإعادة الأمور إلى نصابها بين دمشق والرياض، وخادم الحرمين الشريفين محب للعروبة، وهو لا يحمل غلاً، ولا حقدا بتركيبته، وهو كريم وأصيل ويعرف دمشق أكثر من سواه. إنني اسأل الله أن يوفق الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس بشار الأسد... أنا أعرفهما وأرى أن ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما. القمة ستُعقد، وأؤكد لك ذلك!
• كيف تقرأ ما يجري من مجازر في غزة في ظل الحديث في تل أبيب وواشنطن عن يهودية إسرائيل بعد مؤتمر أنابوليس؟
- إن شعار يهودية إسرائيل سيقوم على إبادة الفلسطينيين. وهناك حديث عن الترانسفير، وهم يريدون قولاً وفعلاً إبادة الفلسطينيين وإبادة غيرهم من العرب.
نحن كنا متعبين، ولدى اوروبا مشاريعها، وكان اليهود منذ زمن طويل يخططون، ولهم ميثولوجيا خاصة بهم، بأن فلسطين بلادهم وأن القدس لهم، وأن عليهم العودة، وامتلكوا المال لذلك. فمنذ عام 1700 سيطر السفارديم على اقتصادات الدولة العثمانية، أو قبل ذلك، ومحمد الفاتح لما دخل القسطنطينية وجدها مفرغة من السكان فأعاد إسكانها وكان 36 في المئة من سكان المدينة من اليهود!
• هل يمكن أن تحدث إبادة في العصر الحاضر؟
- ومن يمنعهم... ولماذا لا يمكن ذلك ... نحن لا نمتلك القدرات، وقدراتنا نوجهها ضد بعضنا البعض... نحن الآن نختلف على بقايا وآثار «سايكس ـ بيكو»، ولا نعلم أن هناك خططاً جديدة وهائلة ومرعبة، ولما كان دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي، وورد الأمر في كتاب «كيف تربح الحرب» فإنه كلف وزارة الدفاع الأميركية بوضع خطط للاستيلاء على دول هي إيران وسورية والسعودية ولبنان والأردن، ونشرت محاضر، هذا ضمن خرائط مشروع الشرق الأوسط الجديد، وبعد هذا الكلام فإن برنارد لويس في آخر ما نشره وضع مشروعاً بتوزيع الشرق الأوسط الجديد إلى 30 دولة إثنية وطائفية... وبرنارد لويس لا يوجد الآن من يعادله أو يضالعه في الاستشراق العالمي.
• ما الحل إذاً؟
- الحل بإعادة الوحدة... وأن هذا العدو يريد اقتلاعنا كلنا من الأرض، ويريد إلغاء الإسلام. ففي كتاب بلاك ووتر للمؤلف برنس يورد عن بول بريمر أمور لم يذكرها هذا الأخير في مذكراته عن العراق... يقول إن بريمر عندما وصل إلى بغداد قال: «الاحتلال كلمة صعبة لكنها الحقيقة». وقال: «أنا جئت لأنهي عصوراً من الظلام الإسلامي لأحل محله عصوراً من النور الكاثوليكي». لماذا لا نتعايش مع ما يجري، وأن بوش والمحافظين الجدد هم أكثر الناس تعصباً، وعدد كبير من الأميركيين يرون ذلك. وعندما ينفق بوش على حرب أفغانستان والعراق نحو 2600 مليار دولار هل أنفقها من أجل بترولنا نحن العرب؟... كل بترولنا لا يوازي هذا... لكن هناك عقلية صليبية وتعصباً دينياً قاتلاً يلغي العقل... وأنا أتمنى على العرب أن يلغوا التعصب ويستخدموا العقل.
• أنا أعتبر أن إسرائيل سقطت عملياً ولا مستقبل لها كونها فشلت بتفريغ الأرض نهائياً من العرب وإقامة وطن يهودي كامل «ونقي»؟
- قبلهم الصليبيون أقاموا مستوطنات في غزة وجنين وطرطوس وبانياس... لكنها كانت مناطق مسورة لا يجرؤ الصليبي على الخروج منها وعاشوا فيها كسجون وانتهوا بالطرد وهذا مصير الإسرائيلي... يطول الزمان أم يقصر... لن تستطيع قوة في الدنيا اقتلاع الإسلام أو المسلمين... والله تعالى يقول «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون».
• كيف تقرأ التاريخ عموماً والتاريخ الإسلامي خصوصاً؟ وما مشكلتك معه؟
- نحن لما نتعامل مع حوادث التاريخ نتعامل مع حوادث بطلها الإنسان، وفي فهم الطبيعة الإنسانية، والأجواء الداخلية والخارجية، المحيطات، القوى، وأيضاً الحالة النفسية المرضية أو الصحية للشعوب، ودرجة التوعية، والثقافة، والاهتمامات.
إن مشكلتي الكبرى تتعلق بأصل قيام الحوادث مثل الاستيلاء الصهيوني على فلسطين... وتداعيات هذا الحادث الجلل التي وصلت إلى التمزق والمواجهات والحروب العربية - العربية، واستنزاف طاقاتنا. عليّ أن أقف عند أصل الداء، ولماذا لم توجد لدي مناعة حتى أقف ضده، ولم توجد لدي حتى محاولة للتداوي الصحيح.
ولا أغالي، أو أمدح نفسي، إن قلت إنني متعامل جيد مع التاريخ الإسلامي وغيره من تواريخ الأمم، وتجربتي في هذا الميدان واسعة. ونحن منذ أن خلق الله الدنيا تجد أن الوطن العربي يشكل وحدة جغرافية وإثنية، وعادات، ولكن كثيراًً من الأمور انقلبت من الحالة الإيجابية إلى السلبية.
• ما الداء الذي ابتلي به العرب في التاريخ؟
- المشرط الذي يستخدمه الجراح لإزالة ورم أو مرض أداة قاتلة... عليّ أن أعي الأمور، ونحن كأمة ابتلينا وصمدنا وبقينا... لكننا تعبنا، خلال التاريخ، منذ قيام المعتصم أو قبله... لقد ابتلينا بالعسكر غير العرب، سواء أتراك المعتصم أو المرتزقة من الأنواع كلها، ثم جئنا وواجهنا الاجتياح الذي مثلته الشعوب (الغز) أو التركمان... صحيح أننا الآن نقول إن الأتراك إخواننا وأسلموا وغير ذلك، لكن لا يمكن أن أنكر أن التركمان عندما اجتاحوا المشرق دمروه! وعلى سبيل المثال، أتشز ابن أوقد الذي حاصر دمشق واستولى عليها من أيدي الفاطميين لما حاصر دمشق لم يبق من إمكاناتها الزراعية والاقتصادية والاجتماعية 5 في المئة... دمرها... وبعد عقدين من الزمان كان واجبنا على دمشق ان تواجه الحملة الصليبية الأولى!
• هذه مأساة؟
- نعم... جاءت الحروب الصليبية لقرنين واستنزفت كل إمكاناتنا البشرية والاقتصادية والعقلية، ومع ذلك فإننا صمدنا. دخلوا إلى القدس في العام 1099 وقتلوا أهلها كلهم، حتى القطط لم تنجُ منهم... 70 ألفاً قتلوا، وفي الحملة الخامسة قتلوا في دمياط وحدها 90 ألفاً.
وأثناء تصدي صلاح الدين للحملة الصليبية الثالثة أرسل إلى القاضي الفاضل وزيره، والكاتب المسؤول عن إدارة الدولة أنه بحاجة إلى خشب لصنع النشاب والنبال، فقال له إنه لم يبق بالغوطة (غوطة دمشق) حطب! لقد استنفدوه... قرنان من الحرب الصليبية، ثم جاء المغول باجتياحهم... وتوجها تيمورلنك فلم تبق لدينا إمكانات، ثم جاء الاستيلاء العثماني ليضعنا في الثلاجة... وأكثر من ذلك ليأخذ العثماني البنية التحتية كلها وينقلها إلى هناك.
• حتى شعرة الرسول (عليه أفضل الصلاة والسلام) وختمه... ووثائق الملكية؟
- كتبنا ومصادرنا، وكل شيء، هوياتنا موجودة في أسطنبول... ولما واجهنا التاريخ الحديث كنا منهكين، والأمية في كل مكان، والغرب امتلك تجربة حضارية، والدنيا كلها قائمة على الصراعات، صراعات البقاء، وصراعات المصالح. أنا لا أؤمن بعقلية المؤامرة حتى لا أضعف نفسي، أؤمن بعقلية الصراعات، وأحافظ على مصالحي بوجه مطامح الآخرين. والذي لا يستطيع الحفاظ على ذاته يصبح ذكرى من ذكريات التاريخ.
• لكن على من تقع المسؤولية؟
- لا يتحمل المسؤولية إلا الإنسان المقصر، الذي لم يع الأمور.
• وماذا عن التخوين؟
ـ لا تخوين... الخائن أو العميل في كثير من الأحيان يلقى مصالحه متوافقة مع العدو، ولا يوجد أمر مغرٍ بقدر إغراء المال والسلطة... الأمة الإسلامية نشأت من عناصر المؤمنين، ولا أريد أن استخدم كلمة المواطن... لكن أمير المؤمنين هو أمير الأمة كعناصر مؤمنة، والإسلام ميّز بين أمة مسلمة، وشعوب غير مسلمة... أنا لا أؤمن لا بسنة ولا بتشيع... أنا على دين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعلي وأبا بكر وعمر وعثمان والحسن والحسين... وبقية السادة أصحاب رسول الله الأوائل، فهؤلاء لم يكونوا لا سنة ولا شيعة... إن الدين عند الله الإسلام.
• هل تخشى من تقسيم المنطقة إلى كيانات أكبر؟
- هذا يتوقف علينا نحن. منذ مدة زارنا وفد أكاديمي تركي من المختصين بالتاريخ ووجدت من يحذر من تقسيم المنطقة... الأمور تتوقف علينا نحن كأتراك وعرب وإيرانيين... وإلا فعلى الدنيا السلام.
• لكن تركيا تشهد مشروعا اقتصادياً ونهوضاً طيباً، وهي ترفض التقسيم؟
- لكنها تستنزف بالحرب على الأكراد، هذا قد يؤدي إلى جر سورية وإيران إلى الأزمة... إن الحرب نزيف يأخذ الأخضر واليابس.
• هل تظن أن العراق سيُقسم؟
- الشعب العراقي بجميع أطيافه عصي على التقسيم... إنهم يتقاسمون الأدوار في رفض الاحتلال... والمشروع الأميركي في العراق يفشل واقتصادهم منهك.... والنفقات هائلة جداً وصعب تسديدها. ونحن كعرب لا يجوز أن نترك العراقيين، لأن النار لو نشبت في دار جارك فإنها ستمتد إلى بيتك... لم يكن أمام الأخوة في الخليج جراء ما فعله صدام غير التحالف مع أميركا، كانوا مضطرين لذلك، هو دفعهم لهذا، وما حدث بالعراق جرى التمهيد له طويلاً.
الأسد طلب مني دراسة لمن تتبع الكويت
وصدام ليس يهودياً لكنه تركماني!
يقول زكار: «دعاني صدام لزيارة بغداد عام 1977 ورفضت وهددوني بالقتل... ولكن عندما بدأ حربه مع إيران بتعليمات من دونالد رامسفيلد وبلا مسوغ تابعت اهتمامي به... ثم تطورت الامور لغزو الكويت. وهنا طلب مني الراحل حافظ الأسد دراسة ما حدث. ومما طلبه مني أن ادرس لمن تتبع الكويت: لبلاد الرافدين أم جزيرة العرب ومتى ظهر العراق وما معناه وما المعلومات التاريخية عن صدام وأسرته، وقد راجعت ما لدي من مادة بحثية. أنا أحب الكويت، والتاريخ سيكشف حقيقة صدام حسين الذي لا أظن أنه يهودي، لكنه تركماني من أحفاد الباجات (الباكات) وهؤلاء هم أحفاد أوزون حسن مؤسس الأقونيلو بعد تيمورلنك. وهناك أمور كثيرة ترتبط بشخصية حسين والده وحسن عمه ويقال إنه كان (شاياتي) في السفارة البريطانية، لكنه اختفى، من هو؟ هو (أي صدام) لم يتحدث عنه ولم يذكره، وعندما غزا صدام الكويت وسع باب التمزق العربي، وهو باب تمزق كان فتحه قبله أنور السادات بصلحه المنفرد مع إسرائيل، وصدام في رقبته أكثر من 2.3 مليون قتيل. صدام بالنسبة إلى الأميركيين انتهى دوره مثل الشاه الذي لم يجودوا عليه بقبر يدفن فيه».
المسيحيون العرب ينصرون المسلمين
... وعبدالقادر الجزائري ماسوني
يشيد زكار بموقف المسيحيين في العالم العربي، خصوصاً خلال الحروب الصليبية، فهم تعاونوا كل التعاون مع المسلمين وآثروا الوحدة الإسلامية. وجاءت مناسبات كثيرة ساعدوا المسلمين في الأعمال العسكرية... صلاح الدين 1087 عندما حاصر القدس فإن السريان تعاونوا معه، والظاهر بيبرس عندما حاصر عام 1274 صفد تعاون السريان معه على فتحها، وعندما حاصرت الحملة الصليبية الثانية قبل صلاح الدين دمشق ونقلت مكان الحصار من المزة إلى باب شرقي ما استطاعت أن تقف ساعات أمام المقاومة المسلمة والمسيحية، ونور الدين لما دخل إلى دمشق فإن حطاباً هو الذي كسر له مغلاق الباب وفتحه».
ويؤكد زكار «أنه لا توجد مشكلة طائفية. وأنا أعمل على كتاب عن مذابح عام 1860 ووجدت أن الإرساليات البروتستانتية بشكل رئيسي هي التي مولت هذه المذابح... بل ووجدت أكثر من ذلك، وهو أن القنصليتين الإنكليزية والفرنسية دفعتا أموالاً قبل اشتعال الحرب لعبدالقادر الجزائري فاشترى بيوتاً وجند ألف إنسان ليقوم بدوره الذي رسم له على أمل ان يصبح ملكاً على سورية، فعبدالقادر الجزائري كان من أكبر زعماء الماسونية في المنطقة، وهذا تاريخ ولا دخل لنا به».
موسوعة القدس في طريقها للنور... ولكن
يعمل زكار حالياً على موسوعة للقدس من عشرة مجلدات، راجياً أن يهب أحد لمساعدته في هذا العمل. ويقول: «القدس عندي هي كما عند صلاح الدين... المقيم المقعد وهي طريق السماء إلى مكة والمدينة والتفريط بالقدس تفريط بمكة والمدينة. لدي أمل بأن تنجدني موسوعة الحروب الصليبية بالتمويل لموسوعة القدس، أو أجد دعماً من إحدى الدول العربية لهذا العمل. أنا عندما أديت العمرة كنت بين الركن اليماني وباب الملتزم عندما سألت ربي سبحانه أن يعينني على إنجاز موسوعة الحروب الصليبية. ومنذ 15 عاماً، وأنا أعمل وأنجزت 100 ألف صفحة، وهذه ليست قدرة بشر، بل هي توفيق من الله سبحانه وعونه وفضله».
ويضيف: «موسوعة الحروب الصليبية تضم 100 مجلد وقد بدأنا بالخطوات النهائية، وهو مشروع فرد. لكن الرئيس الأسد (رحمه الله) أنفق عليه ومازالت الرئاسة السورية تنفق عليه ولدي أماني كبيرة بمشروع موسوعة تاريخ العرب والإسلام والمكتبة متوافرة، فلدي مكتبة شخصية من 30 إلى 50 ألف عنوان، ولكن ما حدث لدور النشر في لبنان بسبب الأزمة يعقد الموقف... وأبشر الذين ينتظرون الموسوعة الصليبية بأنها تضم مراجع من المصادر بمختلف اللغات ومنها اللاتيني والسرياني والأرمني والفرنسي والإغريقي والصيني والإنكليزي والفرنسي القديمة وغيرها من اللغات».
الإمام زين العابدين مدفون في دمشق
يذكر زكار أن عبدالملك عندما أسند ولاية الحجاز إلى الحجاج وأراد الحجاج ان يرغم أم كلثوم ابنة عبدالله بن جعفر، ابنة السبطة زينب، على الزواج، فاستغاثت بالخليفة فأرغمه على عدم الإقدام على ذلك، وجلب إلى دمشق عبدالله بن جعفر والسيدة زينب وابنتها أم كلثوم وهؤلاء قبورهم موجودة في دمشق، ودفنوا في دمشق».
ويقول زكار: «حتى الإمام زين العابدين مدفون في دمشق، وأنا وصلت تقريباً إلى معرفة مكان قبره ومكان قبر السيدة زينب الحقيقية، وأن المدفون في راوية هي أم كلثوم ابنة زينب وليست السيدة زينب السبطة. وذكر كثيرون من علماء الشيعة كلاماً عن المقامات، منهم السيد محسن الأمين رحمه الله في كتابه «أعيان الشيعة»، وهناك عدد كبير يعرف هذا من العلماء، لكنهم لا يقولون».
ويضيف: «زرت منطقة زين العابدين في المهاجرين بدمشق وزرت بيتاً، ومن سجلات الطابو ومن الوثائق هو مدفن السيدة زينب الحقيقية، وهناك بيوت عدة إلى جوار المنطقة حيث هناك قبر زين العابدين علي الأصغر (عليه السلام)».
عبدالرحمن الداخل أرسى اللبنة الأولى لسقوط الأندلس بمؤامرة
يرى زكار أن عبدالرحمن الداخل أرسى اللبنة الأولى لسقوط الأندلس، إذ إنه فصل جسم الأندلس عن دار الخلافة أو دار الاسلام وجعل الأندلس بإمكاناتها فقط تواجه أوروبا كلها المستيقظة مع شارلمان ومع تأسيس الإمبراطورية الرومانية ومع دور البابا الجديد، وقد استطاعت الأندلس أن تصمد، لكنها تراجعت خطوة خطوة، وكان صعباً عليها أن تواجه أوروبا وتخشى من جيرانها المغاربة ثم لا تستطيع ان تفرط بقواها، ثم مع الانحسار من الشمال جنوباً جنوباً... سقطت الأندلس.
أما عن دور المرابطين والموحدين ونجدتهم الأندلس، فيشير زكار إلى «أن المرابطين في معركة زلاقة 1086 خاضوا معركة دفاعية، لكنهم لم يستثمروها في ما بعد إلا في سبيل ازالة ملوك الطوائف، ثم جعل الأندلس ولاية مغربية، والموحدون لم يقوموا بعمليات هجوم... وكان العمل غير كاف. وسقوط غرناطة مرتبط بعوامل كثيرة، أولها التمزق داخل أسرة بني الأحمر، ثانيها الأوضاع والتطويق والقوى القشتالية والأرغونية والكتالونالية التي احتلت مضيق جبل طارق، سبتة، طنجة، مليلة، واحتلت المهدية وصارت غرناطة محاصرة من الجهات كلها، ثم كانت مفاجأة المدفعية والأسلحة الجديدة، وكان هناك تحصينات وإرادة قتال وشجاعة، ولكن لا توجد مدفعية، ولا توجد قوة إسلامية قادرة على تقديم العون لأهل الأندلس. والدولة العثمانية أيام بايزيد الأول (ضلغرم)، الصاعقة، مزقها تيمورلنك عام 1402 في معركة سنقرة ودمرها... واحتاجت الدولة العثمانية نصف قرن حتى استردت قواها، وفي هذا الوقت كانت أوروبا الغربية والكنيسة الشرقية بدأتا محاولات التوحيد، وعقد مؤتمر في فلورنسا أثمر فعلياً في توحيد الكنيستين. ولدي مخطوط رائع في مجلدين عن المحاضر، وهو بعنوان (المجامع الكنسية) وسأنشرها باذن الله... وتيمور قبل أن يهزم بايزيد الأول فإنه دمر دمشق ودمر الجيش المملوكي، وصارت المملوكية عاجزة عن تقديم أي دعم للأندلس». لكن هل كانت هناك مؤامرة؟ يقول زكار: «في أيام تيمور استقبل وهو مقبل نحو الشرق العربي سفارة أرسلتها مملكة قشتالة... وهو رد على هذه السفارة بسفارة من عنده، ثم أرسلت قشتالة سفارة برئاسة السفير كلابيجو وبقي مع تيمور أربعة أعوام في سمرقند، وقدم لنا مادة مثيرة! لكن السؤال هو: ما العلاقة بين تيمور وقشتالة؟ إن تيمور عند حصاره لدمشق واستقباله للعلماء اهتم بشكل رئيسي بكون ابن خلدون موجوداً في دمشق مع السلطان فرج بن برقوق الذي هرب إلى القاهرة فجلب تيمور ابن خلدون وعامله برقي وعلو، وطلب منه أن يعد له كتاباً يصف فيه أوضاع المغرب العربي وكتب له الكتاب، وهذا ما ذكره ابن خلدون في كتابه التعريف بابن خلدون ورحلته شرقاً وغرباً! وهذا يعني أن هناك تنسيقاً بين تيمور وقشتالة وأنه ربما طمح بعد دمار الجيشين العثماني والمملوكي أن يتابع زحفه إلى مصر، ثم إلى اقصى الشمال الأفريقي، لكن هذا وغيره ولأسباب كثيرة تعلقت بأوضاع الهند ومشروع تيمور لغزو الصين جعلت تيمور يعود». ورغم أن نصر عين جالوت مهم، إلا أن زكار يعتبر «أن ما تلاه من معارك عدة لا تقل اهمية مثل معركة حمص أيام قلاوون وهي لا تقل اهمية، ثم معركة شقحة قرب دمشق بايام غازان، وهي أهم من عين جالوت. إن الفكرة الأساسية هي أن الأمة ارهقت واستنزفت طاقتها خلال قرون عدة، ولم يعد بإمكانها أن تقاوم... وأمام هذه الحال زاد الطين بلة، عبر الاستيلاء العثماني ثم وضع الناس بالثلاجة والافكار، والكوادر واستيقظنا امام اوروبا العملاقة بعد الثورة الصناعية والاكتشافات، وبدأت تخطط وفي اذهانها احلام الحروب الصليبية، وقد نشرت في كتاب لي عن الحروب الصليبية صورة الجنرال اللنبي، وهو يرتدي زي فارس صليبي كأنه ريتشارد قلب الاسد يقف على مشارف القدس، وأنه في عام 1917 أكمل ما أخفق ريتشارد قلب الأسد بتحقيقه في الحملة الصليبية الثالثة. ومثلما نردد بدمشق ان الجنرال غورو نزل إلى قبر صلاح الدين وركله بقدمه وقال له: (ها قد عدنا يا صلاح الدين...). إن ما فعله اللنبي في القدس أصعب من ذلك. إن لدى الأمم الأوروبية مشاريعها وعقليتها وتدينها، وبالتالي فانهم أخذوا ينفذون خططهم، وعلينا ان ننتبه لمسألة اساسية وهي أننا بتعاملنا مع هذه الأمم فإن هذه الأمم لا تبالي بالشعوب وبالدماء. شارلمان أباد شعوبا أوروبية بأسرها ووضع شعباً جديداً لأسباب كنسية، وأيضاً الأنكلوساكسون الذين ذهبوا إلى أميركا الشمالية أبادوا 200 مليون إنسان من الهنود الحمر، وتثبت ذلك الوثائق الأميركية، وأحلوا محلهم الأميركيين الحاليين، ومنذ أعوام قليلة طلب الرئيس جورج دبليو بوش مسبحاً في البيت الابيض واختار بقعة من الأرض، وعندما حفروا اكتشفوا أكبر مقبرة جماعية للهنود الحمر فطمروا الحفرة».
صافي لزكار: وزارة الدفاع السورية
لا تستطيع اغتيال الحريري
يشير زكار إلى أنه سيمضي وقت وأزمان حتى يُعرف من قتل الرئيس رفيق الحريري، ويقول: «تحدثت مع العماد إبراهيم صافي، نائب وزير الدفاع، في سورية وقال لي: والله يا دكتور إن الوزارة كلها وأركانها لا تستطيع أن تنفذ عملية كهذه (عملية اغتيال الحريري)... لكن بدهم يلبسونا إياها! المخابرات العالمية تعرف كيف تعمل ولها خبرات عالية، فالاغتيالات ابتداء من اغتيال الحريري وحتى آخرها في دمشق (عماد مغنية) تتداخل فيها عوامل المخابرات، وما تم تنفيذه وكشف هو قليل بجانب ما ينفذ ولا يعرف عنه أحد! في عالم المخابرات هناك غرائب، ورؤساء الحكومات الإسرائيلية كلهم تدخلوا للإفراج عن جاسوس (جوناثان بولارد) لصالح إسرائيل لدى الرؤساء الأميركيين».
سورية... فسيفساء
يلفت زكار إلى «أنه منذ أعوام عندما توفيت السيدة ناعسة أم الرئيس حافظ الأسد وكنت مع صديقين إلى القرداحة، ورآني (رحمه الله) أجلس بصف خلفي فاستدعاني وأشار لي ألا اتحرك. وخلال جلوسنا دخل اللواء عدنان مخلوف وهمس في أذنه بكلمات، فقام وانتقل لغرفة خارجية، وأشار لي بألا اتحرك. ولما عاد وقفت معه لوقت. فسألني دكتور سهيل: لقد جلبت مشايخ من عندنا من اللاذقية، من درعا، من حلب، حمص، كل مكان، وقلت لهم أن يدعوا للوالدة، وكلهم دعوا الدعاء نفسه، وبالحرف. فقلت إن هذا طبيعي، لأن الدين عند الله الإسلام، ويا سيدي فإننا لا نمتلك ديانات، بل مدارس واجتهادات. وهذا نوع من أنواع العطاء الحضاري، فالتفت وقال: هذه رسالتك. إن سورية فسيفساء، لكن هذا الفهم جعلها مجتمعاً متماسكاً».