لم يسبق ان اجتمعت صفتا الاجرام والحماقة كما اجتمعتا في رئيس وزراء اسرائيل ايهود اولمرت الذي يرتكب مجزرة تلو اخرى بأهداف معلنة ثم تنتهي العمليات العسكرية بوقائع معاكسة تماما لما اعلن عنه.
اولمرت العائد من انابوليس برهان السلام، لا يستحق غير الذهاب الى محكمة العدل الدولية في لاهاي. على رأسه قطاع كامل من القهر، وعلى كتفيه رؤوس الاطفال التي قطعتها قذائف الميركافا، وفي يده ملف باسماء النساء والرجال والمسنين الابرياء العزل الذين كان لا بد من سقوطهم ردا على سقوط صاروخ قسام بدائي في عسقلان. عليه الذهاب ليواجه هو ومحاموه الكثر ضحاياه في قفص الادعاء... الشهيد والكسيح والمعاق والمشوه والمريض.
كلما اشتدت التجاذبات الداخلية الاسرائيلية وعلا صوت الاستحقاقات الدولية يهرب اولمرت الى المجزرة. يستغل ردود افعال الآخرين في التصعيد العشوائي فيهدد بمعارك لن تنتهي قبل الوصول الى سلة اهداف... تنتهي اهدافه في سلة اخرى فيما المعارك لا تنتهي حارقة ابهى صورة من صور الحياة.
لا يفهم من خريطة الطريق سوى طريق الدم. لا يفهم من الدولة الفلسطينية سوى كيان منزوع السلاح والارادة والانسان. لا يفهم من السلام سوى اخضاع الآخرين لفكرة «الدولة المختارة». لا يفهم من القوة غير آلة القتل. لا يفهم من التعايش غير جدار الفصل. رجل مريض سفاح هاجسه الاول والاخير ألاّ يسقط سهوا من تاريخ زاره بالانتهازية تارة وبالصدفة طورا... تاريخ ولد سفاحا من تاريخ سفاح آخر اسمه ارييل شارون.
اما انت يا قطاع غزة فلك الله، لا الصديق ولا الشقيق ولا الحبيب ولا الابن ولا الاب اخذوك من يدك الى ما فيه خيرك. تركك «العدو» فانكشفت عماراتك ومخيماتك وطرقك والواح الصفيح على مئة عدو. هذا الفاسد السارق الذي تاجر حتى بأكياس الإعاشة. وهذا الضابط الذي ضبط متلبسا بكل التجاوزات. وهذا المتجاوز صاحب النفوذ الذي هد منزلا استعصى على القوات الاسرائيلية هده لأنه يريد توسيع مساحة بيته. وهذا «المستوطن» العربي الفلسطيني الذي اخذ غصبا حقل الليمون من شقيقه العربي الفلسطيني «ضريبة» لنضاله التاريخي. وهؤلاء الابطال، وما اكثرهم، قادة اجهزة المخابرات والامن الذين تفوقوا على الموساد في التصفية الجسدية وزيارات الفجر التي تنتهي غالبا بمسح السكين واعادتها الى غمدها. وها هم الاشاوس مقاتلو «حماس» و«فتح» الذين تنافسوا مع مجرمي الجيش الاسرائيلي في القتل والسحل والاغتيال بل وتفوقوا عليهم في اللحاق بالجرحى الى المستشفيات وازهاق ارواحهم في غرف العمليات، او في رمي الخصوم من الطبقات العليا.
ولك الله يا شعب غزة، يا من اصبحت آلامك ومعاناتك ورقة سياسية في ملف الانظمة الاقليمية. هذا يريد التصعيد للعب دور في صفقة يبيع دمك فيها قبل صياح الديك. وذاك يريد التهدئة في صفقة يبيع ارادتك فيها قبل صياح الديك. وثالث يريد بقاء آلية «الاستقرار واللا استقرار» للعب دور في صفقة يبيع فيها اوراقا في ملاعب آخرين خارج فلسطين، فان سارت الامور كما يشتهي جنح الى التهدئة وان سارت عكس ما يشتهي ساعد على التصعيد. ورابع يتحضر سرا وبكل ما أوتي من قوة لاستدراج صفقات في الطريق عن طريق فتح معارك جديدة على حدود جديدة.
قطاع يشعر باليتم الفعلي. قادة فلسطين لم يحترموا قسمهم عند الحرم المكي وغالبيتهم باتت اداة في ملفات الآخرين. التضامن العربي معدوم حتى لفظيا. التواطؤ الدولي موجود بأحجام غير مسبوقة. الشعب الفلسطيني يحمل بطاقة «مشبوه» اذا اقترب من اي حدود... فيما اجرام اولمرت خارج اي حدود.
لك الله يا غزة، يا من يرفرف اليوم فوق رمالك علم العجز العربي والاسلامي. علم رسمت خطوطه تصرفات قادتك ولونت مساحاته مجازر عدوك... فيما علم فلسطين صار كفنا يلفنا رويدا رويدا من المحيط الى الخليج.