ما نعيشه اليوم من أحداث ومواقف ما هو إلا تاريخ أجدادنا الذي سطروه بدوافعهم للعبرة والموعظة، وكلنا يعلم أن التاريخ ما هو إلا وقائع وأحداث نشئت بدوافع من سبقونا، ولكن! ما لا نعلمه جميعاً، كيف يتم اختيار هذه الدوافع والبواعث التي تجعل من أحداثنا ومواقفنا تاريخاً نافعاً ومفيداً تستفيد منه الأجيال القادمة.
مر على التاريخ شخوص وأعلام ورموز سجلت أسماؤهم ومازال التاريخ يذكرهم بوصف اذمم لأنهم لم يحسنوا اختيار الدوافع لما قبل الحدث وفي أثناء ومعمعة الحدث وما بعد الحدث حتى يترك أثرا وبصمة لتاريخ يجعلهم أسطورة لمن بعدهم، ويتوارث الأجيال هذه الأسطورة التي لا يمكن أن تتكرر ولا يمكن أن نجد لها نسخاً معادة.
نحن اليوم لا نأرب لذم أو مدح أشخاص وأفراد مروا على التاريخ، ما نصبو ونرمي له هو كيف يمكننا إيثار واصطفاء البواعث والدوافع للأحداث والمواقف؟ حتى نرتقي ونصعد إلى مرتبة التقييم والتقويم لهذه الدوافع التي سوف تكون تاريخاً يوماً من الأيام إما أن يكون مُشرِّفاً أو مدنساً لأشخاصه وسيرهم، وإما أن يصبحوا أعلاماً نبلاء أو يجعلوا من أنفسهم سفهاء يحتقرهم ويحقرهم التاريخ. انني لاعتقد من يخطط وينظم لأي حدث وموقف يجب عليه أن يحسن اختيار وانتقاء البواعث والدوافع لهذا الحدث حتى يسطر التاريخ أعماله الجليلة وأفعاله المهيبة ويقف لها (أي التاريخ) إجلالاً واحتراماً وتقديراً لصاحب التاريخ.
إن من عقد العزم والطوية ونظم ونمق لإقامة تجمع أو مظاهرة أو مسيرة أو أي حدث من الأحداث التي عشناها وعايشناها وذقنا حلوها ومرها طيبها وخبثها، عبقها ودهاءها عليه حق عريق وأصيل تجاه مجتمعه بأن يطلع أفراده ويجعلهم ملمين بالدافع والوازع التي أنأى به لمثل هذا الصنع، لأن يوماً ما هذه الأحداث والأزمات ستصبح تاريخاً وتقيد وتدرس في صفحات تاريخ الوطن، لأفراد وشخوص ينتمون ويوالون وطناً احتضنهم فمن حقه عليهم أن يصبح تاريخ وزمان البلد متألقاً وزاهراً تفخر به حقب متتالية ومتوالية من الأجيال، ويصبح صرحاً متلألئا وضاحاً في سجلات تاريخ الوطن، ويصبح ذلك التاريخ حصناً وقلعة يحمي ويحصن أبناءه من الوقوع والسقوط في هفوات وسقطات صفحات التاريخ الذي لن يجامل وينافق أحداً، وسيذكر كل من دنس وكدر ملفاته وسجلاته وصفحاته بأفعال مشينة لم تتقن وتجيد اختيار وانتقاء البواعث والدوافع للأحداث والمواقف التي لابد يوما ما ستصبح تاريخاً يروى ويحكى، تاريخ فخر واعتزاز لعقلاء وحكماء سطروا قواعد تاريخهم بسواعدهم وشموخهم وكبريائهم.
إن للتاريخ شطحات ونطحات وحتى لا نقع في هفواته وزلاته فعلينا أن نفهم الماضي فهماً عميقاً لتوظيفه للحاضر، ونتنبأ للأحداث والمواقف لمستقبل نتخذ منه الدوافع والبواعث، وصنع تاريخ لا يمل ولا يكل قارئه منه بل يتمنى لو عاش وعاصر ذلك الزمان ليذكره التاريخ ذكرا برقشا براقاً حسناً.
منى فهد العبدالرزاق الوهيب
m.alwohaib@gmail.com
twitter: @mona_alwohaib