الجاسوس الإيراني في مصر ... ورسائل وكرات بلياردو
| القاهرة - من عبدالله كمال |
لم تستغرق الجهات المصرية وقتا طويلا قبل أن تدفع بالديبلوماسي الايراني قاسم الحسيني، المتهم بالتجسس الى خارج البلاد. فبعد ساعات قليلة من التحقيق في نيابة أمن الدولة مُنح 48 ساعة لكي يغادر مصر، لم يتمكن من أن يستنفدها، وبُعيد وقت قصير من اخلاء سبيله كان أن ترك البلد مجبرا.
في هذا النوع من القضايا، لا يتوقف الكثيرون عند تبعات الاجراءات القانونية ونتائجها، وانما عند الأبعاد السياسية التي كشفت عنها، والرسائل التي بعثت بها، وفي حالة هذا الديبلوماسي - الذي ضبطته المخابرات المصرية في مطعم بحي المهندسين قرب مقر سكنه - فان الملف الذي فاجأ الكثيرين، بدا كما لو أنه أصاب مجموعة من كرات البلياردو على مائدة لعب اقليمية وداخلية.
الرسالة الأهم، داخليا واقليميا، هي أن مؤسسة المخابرات المصرية، بفرعها المكافح لعمليات التجسس، لا تزال قائمة، تعمل، ولم تعتريها الشظايا المتطايرة في اتجاه أجهزة الأمن التابعة لوزارة الداخلية المصرية التي بلغت ذروتها بالاعلان قبل أسابيع عن حل جهاز أمن الدولة وتسريح عدد كبير من ضباطه وتغيير اسمه الى «جهاز الأمن الوطني»، وصولا الى تغيير مهامه، كنتيجة لمجريات ونتائج 25 يناير التي دفعت بالرئيس السابق حسني مبارك لترك موقعه في 11 فبراير الماضي.
أبعدت المخابرات - التي كان يرأسها اللواء عمر سليمان، نائب الرئيس الوحيد لمبارك، والتي يرأسها الآن اللواء مراد موافي الذي كان محافظا لشمال سيناء وقبلها مديرا للمخابرات الحربية - أبعدت نفسها عن تفاعلات المناخ المصري الضاري والمضطرب، الى أن كشفت عن ذاتها باعتبارها جهازا عريقا يعود تاريخه الى منتصف خمسينيات القرن الماضي، بعملية ميدانية محكمة عامرة بالدلالات، حتى لو كانت قد انتهت أوراقها قانونا بسرعة لافتة.
لا يمكن هنا اغفال أمر مهم للغاية، على المستوى الداخلي كذلك، يتعلق بأن هذه المؤسسة الرصينة تقول ان لديها مجموعة من الثوابت، وأن عددا من الملفات الاقليمية التي تعني بها مصر، خصوصا ملف ايران، لها أبعاد أمنية مهمة، ما يعني أن وزارة الخارجية في ثوبها الجديد وبتوجهات وزيرها نبيل العربي انما ذهبت بعيدا، حين راح الوزير يتحدث باستفاضة عن سعيه الى فتح صفحة جديدة في العلاقات المصرية - الايرانية، واستعداده الى رفع مستواها وتبادل التمثيل الديبلوماسي على مستوى السفراء، ما يعتقد أنه سبب للتفاعلات المصرية اقليميا ودوليا «لخبطة غزل»، وهو ما لم يعد اليه الوزير مجددا، وهو على كل حال سيترك موقعه في نهاية الشهر الحالي بعد أن أصبح أمينا عاما للجامعة العربية.
على المستوى السياسي، كانت المخابرات المصرية، باعتبارها أحد أبرز أدوات السياسة الخارجية، قد أومضت ثلاث مرات بُعيد خروج مبارك من حكمه التليد. مرة في زيارة اللواء موافي الى دمشق، ومرة في زيارته الى الدوحة، ثم في قيام المخابرات برعاية اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة قبل ثلاثة أسابيع.
ومن ثم، فان قضية التجسس تبعث برسائل بالغة الأهمية من القاهرة في اتجاه الأشقاء في الخليج الذين لا شك أنهم قد انتابتهم تساؤلات قلقة واستفهامات عميقة حول توجهات مصر ما بعد 25 يناير بعد بعثرة التصريحات التي أدلى بها العربي، الذي لم يحصد من ايران مقابل تصريحاته على أي ثمرة، بل قوبل بترفعات مثيرة للتعجب من قبل طهران.
وفي ذات السياق، فان هناك رسائل تلقتها ايران بدورها، معناها أن الساحة المصرية ليست مفتوحة على مصراعيها، اذ لا بد أن طهران قد تساءلت اذا كان ديبلوماسي بدرجة سكرتير ثالث قد وصل به الحال الى درجة الاتهام بالتجسس، فكيف بغيره من أعضاء البعثة الايرانية المحدودة في القاهرة، وهو ما يجعل أي مراقب يتساءل: هل سيمضي القائم بالأعمال الايراني قُدما في حالة الانتشار الاعلامي التي انتابته بعد تصريحات العربي، وهل سيجد في كل يوم دعوة جديدة لمحطة تليفزيون مصرية لاجراء حوار معه؟ حيث كان يقول كلاما كثيرا وتصريحات مختلفة.
وبينما لا بد أن تكون أطراف اقليمية غير عربية ودولية أخرى تخضع هذا الذي تفجر بالاعلان عن قضية تجسس الديبلوماسي الايراني للتحليل الدقيق، فان أطرافا مصرية محلية سيكون عليها أن تفرض على نفسها أسئلة جادة تعيد وفقها ترتيب أوراقها، خصوصا اذا كان بينها من أجرى معه هذا الديبلوماسي اتصالات ولم ترد أوراق التحقيقات السرية أن تكشف عنها.
لقد قال الديبلوماسي الذي اتهم بالانتساب الى أجهزة أمنية ايرانية، أن هناك سوء تفاهم، وأنه لم يكن يتجسس، وهو ما تقوله غالبية العناصر الديبلوماسية التي تجد نفسها في مثل هذه المواقف بين الدول، خصوصا الايرانيين الذين تساقطوا واحدا تلو الآخر في دول مختلفة، وبما في ذلك في الكويت قبل نحو شهر ونصف الشهر، على أنه ومن يشغلونه يدركون بالتأكيد أن المسألة تتخطى ما كان يفعل، والمعلومات التي كان يجمعها عن شؤون مصر وأوضاعها الداخلية وعلاقاتها الخليجية.
ومن المؤكد في هذا السياق، أن جماعات مصرية ذات طابع ديني، آخذة في الصعود السياسي في الساحة المصرية الجديدة والمتغيرة، انتبهت جيدا الى هذه الرسائل المدوية، فالقضية لم تكن مجرد ديبلوماسي تم طرده خارج البلاد بعد اتهامه بالتجسس.
لم تستغرق الجهات المصرية وقتا طويلا قبل أن تدفع بالديبلوماسي الايراني قاسم الحسيني، المتهم بالتجسس الى خارج البلاد. فبعد ساعات قليلة من التحقيق في نيابة أمن الدولة مُنح 48 ساعة لكي يغادر مصر، لم يتمكن من أن يستنفدها، وبُعيد وقت قصير من اخلاء سبيله كان أن ترك البلد مجبرا.
في هذا النوع من القضايا، لا يتوقف الكثيرون عند تبعات الاجراءات القانونية ونتائجها، وانما عند الأبعاد السياسية التي كشفت عنها، والرسائل التي بعثت بها، وفي حالة هذا الديبلوماسي - الذي ضبطته المخابرات المصرية في مطعم بحي المهندسين قرب مقر سكنه - فان الملف الذي فاجأ الكثيرين، بدا كما لو أنه أصاب مجموعة من كرات البلياردو على مائدة لعب اقليمية وداخلية.
الرسالة الأهم، داخليا واقليميا، هي أن مؤسسة المخابرات المصرية، بفرعها المكافح لعمليات التجسس، لا تزال قائمة، تعمل، ولم تعتريها الشظايا المتطايرة في اتجاه أجهزة الأمن التابعة لوزارة الداخلية المصرية التي بلغت ذروتها بالاعلان قبل أسابيع عن حل جهاز أمن الدولة وتسريح عدد كبير من ضباطه وتغيير اسمه الى «جهاز الأمن الوطني»، وصولا الى تغيير مهامه، كنتيجة لمجريات ونتائج 25 يناير التي دفعت بالرئيس السابق حسني مبارك لترك موقعه في 11 فبراير الماضي.
أبعدت المخابرات - التي كان يرأسها اللواء عمر سليمان، نائب الرئيس الوحيد لمبارك، والتي يرأسها الآن اللواء مراد موافي الذي كان محافظا لشمال سيناء وقبلها مديرا للمخابرات الحربية - أبعدت نفسها عن تفاعلات المناخ المصري الضاري والمضطرب، الى أن كشفت عن ذاتها باعتبارها جهازا عريقا يعود تاريخه الى منتصف خمسينيات القرن الماضي، بعملية ميدانية محكمة عامرة بالدلالات، حتى لو كانت قد انتهت أوراقها قانونا بسرعة لافتة.
لا يمكن هنا اغفال أمر مهم للغاية، على المستوى الداخلي كذلك، يتعلق بأن هذه المؤسسة الرصينة تقول ان لديها مجموعة من الثوابت، وأن عددا من الملفات الاقليمية التي تعني بها مصر، خصوصا ملف ايران، لها أبعاد أمنية مهمة، ما يعني أن وزارة الخارجية في ثوبها الجديد وبتوجهات وزيرها نبيل العربي انما ذهبت بعيدا، حين راح الوزير يتحدث باستفاضة عن سعيه الى فتح صفحة جديدة في العلاقات المصرية - الايرانية، واستعداده الى رفع مستواها وتبادل التمثيل الديبلوماسي على مستوى السفراء، ما يعتقد أنه سبب للتفاعلات المصرية اقليميا ودوليا «لخبطة غزل»، وهو ما لم يعد اليه الوزير مجددا، وهو على كل حال سيترك موقعه في نهاية الشهر الحالي بعد أن أصبح أمينا عاما للجامعة العربية.
على المستوى السياسي، كانت المخابرات المصرية، باعتبارها أحد أبرز أدوات السياسة الخارجية، قد أومضت ثلاث مرات بُعيد خروج مبارك من حكمه التليد. مرة في زيارة اللواء موافي الى دمشق، ومرة في زيارته الى الدوحة، ثم في قيام المخابرات برعاية اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة قبل ثلاثة أسابيع.
ومن ثم، فان قضية التجسس تبعث برسائل بالغة الأهمية من القاهرة في اتجاه الأشقاء في الخليج الذين لا شك أنهم قد انتابتهم تساؤلات قلقة واستفهامات عميقة حول توجهات مصر ما بعد 25 يناير بعد بعثرة التصريحات التي أدلى بها العربي، الذي لم يحصد من ايران مقابل تصريحاته على أي ثمرة، بل قوبل بترفعات مثيرة للتعجب من قبل طهران.
وفي ذات السياق، فان هناك رسائل تلقتها ايران بدورها، معناها أن الساحة المصرية ليست مفتوحة على مصراعيها، اذ لا بد أن طهران قد تساءلت اذا كان ديبلوماسي بدرجة سكرتير ثالث قد وصل به الحال الى درجة الاتهام بالتجسس، فكيف بغيره من أعضاء البعثة الايرانية المحدودة في القاهرة، وهو ما يجعل أي مراقب يتساءل: هل سيمضي القائم بالأعمال الايراني قُدما في حالة الانتشار الاعلامي التي انتابته بعد تصريحات العربي، وهل سيجد في كل يوم دعوة جديدة لمحطة تليفزيون مصرية لاجراء حوار معه؟ حيث كان يقول كلاما كثيرا وتصريحات مختلفة.
وبينما لا بد أن تكون أطراف اقليمية غير عربية ودولية أخرى تخضع هذا الذي تفجر بالاعلان عن قضية تجسس الديبلوماسي الايراني للتحليل الدقيق، فان أطرافا مصرية محلية سيكون عليها أن تفرض على نفسها أسئلة جادة تعيد وفقها ترتيب أوراقها، خصوصا اذا كان بينها من أجرى معه هذا الديبلوماسي اتصالات ولم ترد أوراق التحقيقات السرية أن تكشف عنها.
لقد قال الديبلوماسي الذي اتهم بالانتساب الى أجهزة أمنية ايرانية، أن هناك سوء تفاهم، وأنه لم يكن يتجسس، وهو ما تقوله غالبية العناصر الديبلوماسية التي تجد نفسها في مثل هذه المواقف بين الدول، خصوصا الايرانيين الذين تساقطوا واحدا تلو الآخر في دول مختلفة، وبما في ذلك في الكويت قبل نحو شهر ونصف الشهر، على أنه ومن يشغلونه يدركون بالتأكيد أن المسألة تتخطى ما كان يفعل، والمعلومات التي كان يجمعها عن شؤون مصر وأوضاعها الداخلية وعلاقاتها الخليجية.
ومن المؤكد في هذا السياق، أن جماعات مصرية ذات طابع ديني، آخذة في الصعود السياسي في الساحة المصرية الجديدة والمتغيرة، انتبهت جيدا الى هذه الرسائل المدوية، فالقضية لم تكن مجرد ديبلوماسي تم طرده خارج البلاد بعد اتهامه بالتجسس.