رحم الله عبدالمنعم مدبولي، وأسكن روحه الجنة أينما كانت. كان مبدعاً وعفوياً وجميلاً وهو يقول في مسرحية صلاح جاهين الشهيرة (ريا وسكينة): «شيلوا الميتين اللي تحت»، فيبادله الجمهور التفاعل ضحكاً ولو عادها مرات ومرات. مدبولي، لو طال به الزمان إلى وقتنا هذا لوجد في الكويت من يقول «شيلوا الميتين اللي فوق» ليبادله الجمهور التفاعل ألماً وحسرةً ولو عادها «سبع» مرات.
للموت أسباب عديدة، إذ يقولون «تعددت الأسباب والموت واحد»، فهنالك الموت البيولوجي المعروف الذي تغادر فيه روح الشخص الحياة فيدفن بعدها في قبره، وهناك «الموت السياسي»، الذي تغادر فيه قدرة الشخص على التأثير السياسي بلا رجعة، فيصبح وجوده سياسياً مساوياً في المقدار ومتفقاً في الاتجاه مع عدمه، وفي الحالتين، البيولوجية والسياسية، فإن إكرام الميت بالتأكيد، وحسب كل الأديان السماوية وأغلب الأديان غير السماوية، هو في دفنه، قبل أن يتحلل عضوياً وسياسياً فينشر المرض والوباء والتلوث في المحيط.
إذا أعطيت الفرصة الواحدة تلو الأخرى، وفشلت في النجاح، فأنت ميت سياسياً، وإذا قضيت الأسابيع والأشهر في المشاورات، وعدت بذات الأسماء إلا قليلاً، فأنت ميت سياسياً، وإذا كان أقصر الطرق بالنسبة لك لمواجهة الرقابة الشعبية هو في الاستقالة، فأنت ميت سياسياً، وإذا كنت لا تتفاعل مع الأحداث ولا يعلم الناس موقفك منها، فأنت ميت سياسياً، وإذا هجرتك التيارات السياسية المحترمة وتهرّب من الارتباط بك سياسياً المستقلون، فأنت ميت سياسياً ولا أمل في الإنعاش ولا الحياة.
جسدٌ، وللأسف، يعيش على أجهزة التنفس الاصطناعي، وعلى المسكنات والعلاج النفسي، ولم يتبق له من أدوات الطب العصري والشعبي إلا «الرقية الشرعية»، وحتى هذه لن تعيد الصحة والعفوية والشباب والطاقة إلى جسدٍ «ضمر» العقل المدبر لوظائفه واضمحل وتلاشى، حتى أصبح جسداً تعمل أعضائه على غير هدى وتنسيق، لا يعرف التوازن لها طريقاً، يضرب طحاله بنكرياسه، وتفتك كرياته البيضاء بجيوبه الأنفية، وتبيّض عيناه بفعل جهازه الهضمي، ويتساقط شعره ببركة جهازه العصبي. حالة ميؤوس منها، ما لم يعد «إحياء» ذلك الجزء الضامر، و«شيلوا الميتين اللي فوق».
سعود عبدالعزيز العصفور
salasfooor@yahoo.com