قلة أدب!

تصغير
تكبير
يكاد أبناء جيلي ومن سبقنا يجزمون بأن الثقافة السياسية السائدة حاليا لجهة المصطلحات والتصنيفات والمواقف هي الأحط والأدنى في تاريخ الكويت خصوصا لجهة جنوحها نحو التصنيف والتخوين.

منذ نشأة الكويت والتباينات موجودة بين مكونات المجتمع وبين الناس والسلطة وبين السلطة والسلطة. لكنها كانت تجد دائما مساحة للتعبير عن نفسها في إطار احترام ثقافة الاختلاف مهما بلغ حجم هذا الاختلاف. ابناء جيلي والجيل الذي قبلي شهدوا مواقف تصعيدية تتعلق بكل مفاصل الحياة السياسية وصولا الى بنية النظام نفسه، لكنها كانت تتم على قاعدة وطنية لا طائفية ولا قبلية ولا مذهبية، وكانت لغة الخطاب تتميز بالرقي والاحترام خصوصا في الاحداث الكبرى التي شهدتها الكويت قبل ولادة الدستور وبعده وتعاقب المجالس وتعطيلها... وصولا إلى الغزو العراقي ومؤتمر جدة الذي أعطى كثيرين درسا كبيرا في أدب الاختلاف ودرسا أكبر في الولاء والوفاء.

اليوم نحن أمام مرحلة لا ترقى إلى الأدبيات الكويتية بصلة. نعتز بديموقراطيتنا وبالحريات ونطالب بالمزيد منها لكننا فعلا أمام مسؤولين ليسوا بمستوى الديموقراطية ولا الحريات بالمعنى الحضاري لهذه القيم الانسانية. ان تكون مسؤولا يعني ان تكون رافعة جديدة للارتقاء بالهم الوطني العام إلى مستويات حضارية لا ان تثقل هذا الهم بأحجار وأصنام تقوده الى هاوية التخلف.

هل نبالغ؟

نظرة واحدة الى جملة المواقف الاخيرة التي تعصف بالكويت تجيب عن السؤال. اذا حصلت ازمة في بلد قريب او بعيد ينقل مسؤولون كويتيون الازمة الى الشأن المحلي وتصبح لدينا قضية اساسية تتعلق بالامن والاقتصاد والاستقرار، وبدل ان يهدئ المسؤول الشارع ويستوعب غرائزه بخطاب جامع متقدم اذا به يسبقه الى التصنيف والتخوين والتجييش الطائفي والمذهبي فيصبح المسؤول منقادا من الشارع بدل ان يقوده وتتسع مساحة الغوغاء والغرائز المنفلتة.

أنا أخالفك الرأي إذاً انا عميل او خائن او طائفي... نعم وصلنا الى هذه المرحلة من السفاهة والدناءة والاسفاف، بل اكثر من ذلك. سبقنا العنصريين الاسرائيليين احيانا في خطاب التعاطي مع الآخر حين خرج من يعتبر للاسف «مسؤولا» ليدعو من لا يعجبه كلامه الى الرحيل عن الوطن. يريد ترحيل الذين يختلفون معه في الرأي وهم شركاء في الوطن ولا نجد من يحاسبه بحجة انه مسؤول او محصن فماذا نتوقع من الطرف المقابل مثلا؟

هذا الوزير غير جيد لانه شيعي، وذاك مقصر لانه سني، وثالث يجب ان يستقيل لانه لم يعين موظفين من قبيلة ما... ابحثوا في غالبية المواقف تجدوا ان النائب او رجل الدين او المسؤول يفصّل هجومه على قياس أفكاره ومعتقداته وانتماءاته لا على قياس الوطن، والاخطر من ذلك انه مسيّر تماما بغريزة تهييج الشارع الموالي له بحجة الانسجام مع القاعدة، والنتيجة ان الفكر الطائفي المذهبي القبلي المناطقي ينتشر في صفوف القاعدة فيفرز مسؤولا على شاكلته... تتقلص الكويت ومدنيتها وتتضخم الكهوف والغرائز.

زد على ذلك ان الكويت تعيش عصرا آخر من ثقافة الانحطاط، فاذا كان المخطئ من مذهب ما او طائفة ما أو دين ما أو قبيلة ما او منطقة ما أو بلد ما... نرى الهجوم يتركز فورا على جميع ابناء المذهب والطائفة والدين والقبيلة والمنطقة والبلد وكأن هؤلاء لم يسمعوا يوما بالقاعدة الشرعية «ولا تزر وازرة وزر أخرى».

لا نكذب على بعض. الديموقراطية تحتاج إلى ديموقراطيين والحرية تحتاج الى احرار والتطور يحتاج الى رجال دولة والوحدة تحتاج الى توحيديين والمجتمع المدني يحتاج الى متمدنين... أما هؤلاء الذين لم يتعلموا الارتقاء بخطابهم الى المستوى الوطني الحضاري فيمكنهم أن يتعلموا بعضا من حياء يعصمهم عن مزيد من التخلف والفتن.

 

جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي