د. يعقوب أحمد الشراح / صدى الكلمة / الدماغ الأيمن والتعليم

تصغير
تكبير
في هذا العصر الذي يتسم بتفجر المعرفة وشبكات الاتصال والرحلات المكوكية الى الفضاء نواجه تعقيدات في قدرتنا على فهم ما في داخلنا من دوافع ونوازع وسلوكيات فنحن لا نعرف أشياء كثيرة عن العواطف والآليات المحفزة لسلبيات وايجابيات السلوك مما يعني أننا مازلنا نجهل الكثير من الحقائق عن الدماغ بعد كل الأبحاث والدراسات عن السلوك والعمليات العقلية. فلقد تعودنا أن ننظر الى المشهد السلوكي على أنه شيء عام نأخذ بنتائجه ولا نركز على معرفة آلياته وسبر أغواره تماماً مثل مشاهدتنا من داخل القطار للأشياء الخارجية فيتراءى لنا أننا نحن في سكون والأشياء في الخارج هي التي تتحرك. أو رؤيتنا للأشياء على الأرض ونحن نمشي عليها على انها أشياء وجدت على أرض مستوية بينما نعرف أن الأرض كروية الشكل وتدور حول محورها بسرعة بينما نعتقد أنها ساكنة!

الدماغ سر من أسرار الخالق يقوم بإدارة العمليات الوظيفية في المخلوقات من خلال مليارات الخلايا العصبية او العصوبنات، فهو يطلق الألفاظ للتعبير عن المعاني والمفاهيم والافكار من خلال عملية يطلق عليها «الاستبطان» أو ادراك الإنسان لأنماط أفكاره ودوافعه ومشاعره لكي يتمكن من التعبير عنها لفظياً. هذه العملية هي من اختصاص الجزء الأيسر من الدماغ الذي يستخدم اللغة مع الافكار ثم تنتقل ويحدث التفاعل عاطفياً ووجدانياً. أما الجزء الأيمن من الدماغ فيكمل دور الجزء الأيسر من الدماغ، كما أن كثيرين يستخدمون الجزء الأيسر من الدماغ وقلة تستخدم الأيمن الذي يلعب دوراً حاسماً في العمليات العقلية العليا مثل حل المشكلات والمنطق وضبط السلوك والعمليات الحسابية وغيرها.

صحيح أن الفصين الأيمن والايسر للدماغ لا ينفصلان في التركيب والوظيفة على نحو ربما يتهيأ لنا أننا نمتلك دماغين يعملان بشكل مختلف. فكل فص يكّمل الآخر رغم اختلاف وظيفة كل فص. فإذا كان الجانب الايسر من الدماغ يميل لوظيفة التفكير بالكلمات فإن الجانب الأيمن من الدماغ ينساق في ربط الافكار بالتخيلات الحسية وبالمعرفة غير اللفظية، أي تلك التي يشعر بها الفرد ويخمن وفق نمط فكري وادراكي يوصل الى الحقيقة.

مع الأسف، أن أنظمة التعليم لا تعطي اهتمامات لتدريب الطفل على استخدام الفص الايمن من الدماغ المعني بالمنطق والادراك والتخيل والابداع. فالعمل منصب كله على الفص الايسر الذي يركز على الألفاظ والافكار والتحصيل، لكن الوجدانيات والمهارات غائبة، والقدرة على التحليل والتفسير ضعيفة، وهذا سر فشل أنظمة التعليم في عدم القدرة على خلق الابداع والنبوغ. ويقال ان العالم الفيزيائي ألبرت آنشتين كان يركز دائماً على استخدامه للجزء الأيمن من دماغه على نحو بصري وعضلي جعلته من العلماء البارزين في ميدان علم الفيزياء. لا شك أن النبوغ والابداع لا يأتيان إلا من التدريب على العمليات العقلية للجزء الأيمن من الدماغ، وهو تدريب يجب أن يكون متواصلاً ومستداماً من خلال اعداد البرامج التعليمية، والمعلمين المتمكنين من فهم آلية تحقيق التفوق والنبوغ باستخدام محفّزات الفص الأيمن من الدماغ، وتفعيل دوره بالتعليم والتدريب. هذه العملية أصبحت اليوم جزءاً وظيفياً مهماً لمؤسسات التعليم المتقدمة التي تقدم برامج خاصة للطلاب وتعد معلمين لاكتساب النبوغ وتحفيز الدماغ للقيام بالعمليات العقلية العليا. فلا غرابة أن تكون المؤسسة التعليمية المصدر الأساسي لإعداد العلماء والمخترعين والتأثير في تطور المجتمع من كافة الجوانب.





د. يعقوب أحمد الشراح

كاتب كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي