أسئلة إلى الشباب

تصغير
تكبير
جميل أن يقوم الشباب الكويتي بحراك سياسي واجتماعي من أجل تحقيق مطالب عامة، فهذه هي الظاهرة الصحية التي تدل على أن الكويت بخير وأن الديموقراطية راسخة وأن للحريات جيلا يحرسها ويصونها.

شباب الكويت بهذا الحراك غيرّوا الصورة النمطية التي التصقت بهم، أو ألصقها البعض بهم، من أنهم مدللون تتمحور همومهم حول اقتناء السيارات والاستيطان في المقاهي والتفكير الدائم في السفر والبحث المستمر عن وسائل الترفيه والمعاكسات. لقد أثبتوا فعلا أن الهم العام همهم وأن الإصلاح قضيتهم وأن محاربة الفساد حربهم وأن صيانة الحريات والديموقراطية سلاحهم. وهم أعادوا بحراكهم الريادة للكويت في المنطقة وأثبتوا أن سياسة القلوب المفتوحة بين الحاكم والمحكوم وبين المسؤول والمواطن هي الحصن الذي يحمي البلاد من الهزات والاضطرابات.

وبما أنني كإعلامي على خط واحد مع الشباب في همومهم التي هي همومنا، فقد تشاركت الكثير من الأفكار والقضايا النقاشية معهم منذ مدة طويلة سواء باللقاءات المباشرة أو بالحوار الدائم المستمر عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وها أنا اليوم أتشارك معهم في طرح سؤالين يتعلقان ليس بأمور الكويت فحسب وإنما بوجودها نفسه.

عناصر كثيرة ترسم هوية الدول لكن عنصرين أساسيين يحددان بقاءها: مواردها وسيادتها... وهذان العنصران خبرتهما الكويت في القرن الذي غادرنا منذ سنوات قليلة.

قبل عقود كثيرة كان المورد الأساسي للكويت هو البحر. سفن وتجارة ولؤلؤ. واستطاع الرواد الأوائل حفر موقع للبلد كنقطة التقاء بين دول وحضارات، لكن التطور يشاء أن تكتشف دول آسيوية اللؤلؤ الصناعي، وأن تفتح مسارات بحرية جديدة كونت نقاط التقاء أخرى تجارية وحضارية، وأن تؤسس دول أخرى سفنا تجارية أكبر... باختصار كاد مورد الكويت يتلاشى لولا نعمة الكريم باكتشاف النفط.

وبعد هذه العقود نقف أمام تساؤل مشروع: ماذا لو نجح البعض في إيجاد طاقة بديلة للنفط خلال سنوات؟ ماذا لو حصلت اكتشافات مذهلة لكميات ضخمة في مناطق بعيدة ؟ وماذا لو حصل نضوب في بعض آبارنا على المدى الطويل؟ الأسئلة هنا ليست افتراضية بمجملها لكنها تتمحور حول رؤية الكويتيين، وتحديدا الجيل الشاب، بالنسبة إلى ما يمكن أن يكون عليه الوضع إذا خسرنا لا سمح الله (أو تضرر) المورد الرئيسي للدخل؟ هل أعددنا بدائل؟ فكرنا فيها؟ رسمنا الخطط والدراسات؟ وهل فكرنا سابقا أن اللؤلؤ سيتلاشى كمورد رئيس أو وضعنا بدائل؟

أعتقد أن الإجابة سلبية وأننا نسير على «البركة» في ما يتعلق بموارد الدولة خصوصا في ظل غياب أي تصور غير التصور التجاري الاستثماري، فلا خطط لبناء صناعات ثقيلة ولا مدن حرة ولا مناطق خدمات دولية... إلخ. ولذلك أتمنى ونحن نفكر مع الشباب بصوت عالٍ أن يكون هذا الموضوع في صلب الحراك السياسي والاجتماعي كي نعطي مضمونا إيجابيا فاعلا له يرضي ضمائرنا ويحقق للكويت والكويتيين مصلحة استراتيجية.

القضية الأخرى هي قضية السيادة وهذه أيضا خبرتها الكويت حين تهدد وجودها برمته عام 1990. طبعا سبقت الغزو مقدمات خارجية وداخلية واستطاع الكويتيون تقديم أمثولة حقيقية آنذاك في الالتفاف حول الأرض والشرعية. لكن تطورات الأوضاع الداخلية والخارجية بعد سنوات من الغزو وطرق التعاطي معها هل تشير إلى أننا تعلمنا فعلا من التجربة؟ هل غسل العقول بمواد التطرف الفعال ومساحيق التعصب والانتماءات الضيقة والغرائز المذهبية يدل على أننا أكبر وأرقى من تجربة مماثلة لا قدر الله؟ وهل يبشر بالخير أن يصبح الانتماء لدويلات معششة في الأدمغة أكبر من الانتماء للدولة؟

الخارجون من حروب تعلمهم التجارب كيف يتغاضون عن خلافاتهم إن كانت موجودة. كيف يتسامحون. كيف يلتفون حول هدف واحد هو التنمية لتعويض التوقف التاريخي في محطات الدمار والموت والتخلف. هذا ما حصل في اليابان وألمانيا مثلا وفي مختلف الدول الأوروبية التي تحررت من احتلال أو استعمار، أما نحن فاخترعنا خلافات لم تكن موجودة إضافة إلى أننا لم نر التفافا حول التنمية في التحركات والخطابات والمهرجانات... وجدنا خطفا لقطار التنمية في اتجاهات لن توصل إلا إلى محطات الدمار والموت والتخلف.

أتمنى أن أكون مخطئا، لكن الإجابة عن هذه الهواجس ستكون في ملعب الشباب الذين نعترف لهم أن سياسيي المرحلة عجزوا عن الإجابة.

... شاركونا النقاش.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي