| علي الرز |
في الوقت الذي يحار «حزب الله» الحاكم في لبنان والجبهة التقدمية المحيطة به وبعض اعضاء الحزب الحاكم في سورية في كيفية تفصيل التهم للرئيس سعد الحريري ازاء ما يجري في سورية ومحاولة تحميله وزر العجز والاخفاق في الداخل اللبناني، كان الرجل يقوم بتحركين لافتيْن تجاه البحرين وساحل العاج لانقاذ ما يمكن انقاذه من صورةٍ للبنانيين ومن حياةٍ حرة كريمة لهم بعد أخطاء تسببت بها قيادات لبنانية تجاه هاتين الدولتين.
من دون الدخول في تفاصيل ما تسببت به تصريحات قادة «حزب الله» وتعبئته الاعلامية في ما يتعلق بالبحرين او بالخطأ الذي ارتكبه وزير حركة «امل» للخارجية اللبنانية وانعكس سلبا على اللبنانيين في ساحل العاج، نتذكر ان الشهيد رفيق الحريري كان يعتبر الاغتراب اللبناني جزءاً من الامن القومي للبنان، بمعنى انه كان شديد الحرص على ان يتفاعل اللبنانيون ايجاباً داخل المجتمعات والدول التي يعملون فيها، وان يبتعدوا تماما عن التدخل في اي شأن داخلي لهذه الدولة او تلك لانهم سيدفعون الثمن من كراماتهم وأعمالهم وسيعودون الى لبنان محملين بالسخط والخيبة والاعباء وخسارة تعب العمر بدل ان يعودوا مساهمين في الاعمار ودورة الاقتصاد والتحويلات التي تخدم عائلاتهم وقراهم ومجتمعهم وبلدهم.
حادثتان مستحضرتان. واحدة سمعتُها من الرئيس الشهيد وأخرى عشتها معه. الاولى حصلت عندما قرر العقيد معمر القذافي طرد جميع اللبنانيين الشيعة العاملين في ليبيا رداً على ما اعتبره اهانات وُجهت اليه من بعض القوى اللبنانية. ورغم ان الديكتاتوريين العرب ينسخون دولهم بانفسهم ويعتبرون الهجوم عليهم هجوماً على دولتهم، الا ان الحريري الشهيد قرر المحاولة وزار ليبيا ليلاً عندما علم بقرار القذافي في طريق عودته من دولة اوروبية الى لبنان. قال لي، رحمه الله، انه سأل مستشاره الاعلامي هاني حمود اذا كان يستطيع ان يضمن شيئاً للقذافي مقابل مطلبه وقف قرار ترحيل اللبنانيين، فأجابه بان الضمان صعب وان عليه ان يبتدع صيغة معينة «لانك لا يمكن ان تتكهن برد فعل العقيد ولا بردود فعل جماعتنا في لبنان». استقبل القذافي الحريري الذي ابتدع صيغة لغوية خبِرها من عمله الطويل في الخليج وأوقف قرار الترحيل. وأخبرني رحمه الله مازحاً انه كان عليه دفع ثمن صحي حيث اضطر لتناول أسوأ عشاء في حياته أصابه بمغص لأيام طويلة، وزادته سوءاً دعابة الزميل فيصل سلمان، الذي كان في عداد الوفد، حين اكد ان الدجاجة الصفراء التي قُدمت سبق ان رآها قبل ذلك يوم كان يعود مريضاً في احد المستشفيات.
الحادثة الثانية كانت في الكويت بعد احتلال العراق حيث عمدت قوى لبنانية موالية في غالبيتها لسورية، بينها الامين القطري للبعث عاصم قانصوه، الى التفاخر علناً بانها أقامت معسكرات تدريب لمتطوعين لبنانيين للذهاب الى العراق، فيما سيّرت قوى اخرى تظاهرات الى السفارة الكويتية في بيروت واعتدت عليها بالحجارة، وكان الرئيس اللبناني اميل لحود استقبل قبل ذلك المجرم علي حسن المجيد الذي كان حاكماً للكويت خلال احتلالها. تصاعد الموقف في الكويت ضد اللبنانيين وطالب نواب بقطع العلاقات مع لبنان وهدد بعضهم بانه سيضرب الرئيس الشهيد بالبيض اذا زار الكويت. طبعا زار الحريري الكويت معزّزاً مكرَّماً رغم الضغوط الهائلة. ذهب الى مجلس الامة وتحاور مع النواب، وأصر على ان يزور دواوين اهل الكويت ويطيّب خاطرهم عن مواقف لم يكن هو مسؤولاً عنها. بل اكثر من ذلك، سمع الرئيس الشهيد ومعه في الوفد وزراء سابقون واعضاء وفده وهؤلاء جميعا ما زالوا شهوداً، من سمو الامير الشيخ صباح الاحمد الذي كان في ذلك الوقت رئيسا للحكومة عتاباً على قضايا الاعتداء على السفارة والهجوم الاعلامي على الكويت واستقبال السفاح المجيد قائلا ان رمزية استقبال الاخير صعبة على الكويتيين كونه كان الحاكم المحتل. وعندما قال احد اعضاء الوفد الذي «ذبحه» ان يأخذ الحريري بصدره كل شيء «ان الرئيس الحريري يا طويل العمر رفض استقبال المجيد وكان هدفا للحملات الاعلامية مثله مثل الكويت» نهره الحريري خارجا عن المألوف والاصول وطلب منه ان يصمت ثم تحدث عن العلاقات الثنائية والاخوية ومحبة الكويتيين للبنان ومحبة اللبنانيين للكويت.
ما اشبه اليوم بالبارحة. ليس سراً ان الرئيس سعد الحريري يحرص في كل مهرجان خطابي او مناسبة وطنية على ان تصدح اغنية «عالوعد نكمل دربك» لانه من مدرسة سياسية تحترم كرامة الفرد ومصالحه وحقوقه وانسانيته، وليس من مدرسة تبرر قتل الآلاف دفاعاً عن «النظام القائد» او «قائد النظام».
ALIROOZ@HOTMAIL.COM