الكويت أصلي وفصلي

تصغير
تكبير
انتهينا من تقسيم الناس حسب الانتماء الطائفي والقبلي والمناطقي وبدأنا مرحلة جديدة هي تصنيف الناس حسب الأنساب والاصول، وكأن مجموعة من قيم التخلف ورموز التخلف مصرّة على خطف قطار الكويت الذي كان يسير دائما إلى الامام وإجباره على الرجوع إلى الوراء... أو تفكيكه وتعطيله إذا لمسوا عزيمة واصرارا من ركابه على رفض الخروج من السكة التي تعودوا عبورها.

«أنت أصلك من إيران فعد إليها»... «أنت أصلك من السعودية فعد إليها»... «أنت أصلك من العراق فعد إليه»... وغيرها وغيرها عبارات صارت مألوفة في المهرجانات والتصريحات والمواقف. ما شاء الله يا كويت. عمار يا كويت. نحن الذين كنا قبلة الخليجيين والعرب الباحثين عن الرقي والحريات والديموقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الانسان، أصبحنا نعاير بعضنا بالانساب بعدما عايرنا بعضنا بالطائفية وقبلها بالقبلية والمناطقية.

ورغم أنني من أكثر الكارهين لسوق المزايدات والتصنيفات، إنما لا بد من كلمة تصحح المسار انطلاقا من التصنيف نفسه.

أنا كويتي... روحا وانتماء وتراثا وحضارة وتاريخا.

أنا كويتي... مهما كان الاصل والفصل سواء أتى أجدادنا أو أجداد أجدادنا إلى هذه الديرة من أي مكان. وبالمناسبة فإن هذيان البعض المطالب بالرحيل إلى هنا أو هناك يعكس تخلفا ما بعده تخلف، فالدول المحيطة بنا لم تتبلور بحدودها النهائية وبخرائطها الرسمية المعترف بها إلا من عقود بينما «الاصول» التي يحلو للبعض ان يعاير بها عمرها مئات وآلاف السنين. بمعنى أبسط فإن الجزيرة العربية التي قد تشكل اصول البعض موجودة قبل ان تتبلور الدول المعروفة اليوم سواء الكويت أو السعودية أو اليمن أو البحرين أو غيرها والأمر نفسه يصح على الذين يعايرون الآخرين بأن اصولهم عراقية أو إيرانية أو أردنية أو سورية أو... الخ.

أنا كويتي... ولدت هنا في ديرة الأمن والأمان، وعشت على ترابها. لا نعرف مع اهلنا واصحابنا ورفاقنا إلا اننا كويتيون، درسنا معا وتخرجنا معا وتخصصنا معا وعملنا معا. كانت همومنا تربوية في المدرسة، ووطنية عامة في الجامعة، ومطلبية تخصصية في العمل، وكان (وسيبقى بإذن الله) دستورنا سورنا يسمح لنا بأن نناقش كل ما نريد في إطار من الحرية المسؤولة. لم تكن الأمور وردية لاننا لسنا في المدينة الفاضلة لكننا كنا نجد دائما حلولا لمشاكلنا في اطار الخصوصية الكويتية.

أنا كويتي... صهرنا البلد ووحدتنا القضايا المطلبية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهي القضايا التي اعطتنا وأعطت الكويت نفسها فتقدمت على مختلف الصعد. كويتي وافتخر بدولة فيها انتخابات وحريات وديموقراطية ودستور قبل ان ترى دول أخرى النور. كويتي وافتخر بأنه لا يوجد بلد في العالم خرج من كابوس الغزو بمثلما خرجنا به. كانت الحياة السياسية مضطربة والانقسامات السياسية على أشدها ثم التف الجميع حول شرعيتهم وشكلوا في الداخل والمنافي علما واحدا خفاقا تحده العزة والكرامة والوفاء والولاء. فهل تريدون اليوم، يا محاولي خطف القطار، ان ننقسم بالدين والمذهب والطائفة والقبيلة والمنطقة وبالاصول والانساب حتى يصبح العلم أعلاما وتصبح الراية رايات؟

أنا كويتي... مع الاحترام الكامل والصادق والمخلص لكل دولة شقيقة وصديقة ساعدتنا ووقفت إلى جانبنا، فالوفاء جزء من هويتنا ومن يتنكر للخير لا يستحق المواطنة. وأنا كويتي اعتز بديني وبجوهر الرسالات السماوية كلها وبالعروبة الحضارية فوطنيتي الصادقة ليست نزعة عنصرية وهي تكمل انتمائي ولا تنتقص منه.

أنا كويتي... أعمل في ضوء النهار لا في الظلام. اقول ما اريده مباشرة ولا حاجة لي للدسائس. ولو كانت السلطات الكويتية طبقت منذ سنوات القانون ضد خطباء التصنيف والطائفية والمذهبية والقبلية لما وصلنا إلى مرحلة تصنيف الاصول والانساب.

أنا كويتي... وأملي كبير في الجيل الصاعد جيل الشباب على اعادة البوصلة إلى اتجاهاتها الصحيحة كي تعود قضايانا مطلبية ووطنية عامة واجتماعية واقتصادية، لأن مخطط التصنيف الذي يتصاعد هو في عمقه مؤامرة عليهم، أي على الشباب الذين يشكلون اليوم غالبية ركاب قطار الكويت الذي تحاول قوى ورموز معروفة خطفه لاخذهم إلى الوجهة التي يريدون أو طرد الركاب منه... وفي الحالتين لن ينجحوا.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي