كان الله في عون من يستهويهم التحليل السياسي هذه الأيام، ومن لا يكتفون بما هو مكتوب على صدر صفحات الصحف ولا يشفي «بلاغة الشف» لديهم كم المقالات والعواميد المكتوبة يومياً، فأمور الساحة السياسية المحلية ساحت على بعضها البعض، وأصبحنا لا نعرف من يريد رأس من، أو من يعمل لحساب من، أو من سيدعم أو من سيعارض! نواب الحكومة «العقلاء» شمروا عن سواعدهم وأصبحوا، بعد طول ليل الموالاة والتمسح بجلباب السلطة، يستجوبون ويرتكبون، مع سبق الإصرار والترصد، «جريمة» تفعيل الأدوات الدستورية ومحاسبة الوزراء، والتفتوا أخيراً إلى ذلك الشق الرقابي الذي تناساه بعضهم، وحاربه بشراسة بعضهم الآخر. أما نواب المعارضة «المجنونة»، على اعتبار أن الموالاة عاقلة ومتعقلة و«راكدة» فمن الطبيعي أن تكون المعارضة مجنونة و«مطيورة» ونافشة شعرها بعد، فقد أصبح بعضهم خط الدفاع الأول عن الحكومة وبعض وزرائها، وإذا كان المثل المشهور يقول «عش رجباً ترى عجباً» فإن وضعنا مع مجلسنا الحالي أصبح «عش مارس وأبريل، ترى العجب العجاب».
أول الاستجوابات التي خلطت الحسبة وعطلت كمبيوترات التحليل هو استجواب كتلة العمل الوطني للوزير السوبر، صاحب خطة التنمية ووكيل بيع وشراء وتأجير الأحلام في منطقة الشرق الأوسط، الشيخ أحمد الفهد، وهو استجواب مطبوخ على نار مستعجلة تحت إشراف وقيادة «شيف» أكثر استعجالاً، خلط فيه المواد الطازجة واللذيذة بتلك المنتهية الصلاحية والفاسدة، فخرج وكأنه «طبخ رفله»، معفوسٌ على الآخر، لا تعرف له لونا ولا طعما ولا رائحة. ولو كان «الشيف» أكثر ترصداً وأقل استعجالاً، و«نقى» ثم «صفّى» ثم «شخل» مواد التحضير، واستبعد الفاسد والمنتهي الصلاحية منها، لسال من أجلها اللعاب وخطفت العقول والألباب، فميدان الوزير السوبر أقرب للسوبر الماركت المليء بما يغنيك عن هذا الخلط وذلك الاستعجال، إلا إذا كان الهدف هو «التقديم» ليس إلا.
أما استجوابي (الاخوة) غير الطائفيين، المسالمين، غير المترددين، الدويسان وعاشور، أو عاشور والدويسان، فهما أشبه بمن سكب الماء البارد على مكينة تكاد تشتعل من الحرارة، فأنتجت بخاراً حجب الرؤية، فلا بتنا نعرف عمن يدافع فيصل أو يهاجم صالح. سنوات قضياها وهما متصدران سباق الدفاع عن السلطة ووزراء السلطة ومشاعر وأحاسيس السلطة، ثم فجأة، وفي ليلة لم تكن في الحسبان، قفزا على مقاعد المعارضة والاستجواب هكذا بلا إحم ولا دستور، متوقعين من المتابعين نسيان ما قد مضى، وتقبل فكرة أن «ضميرهم» النيابي صحا من بعد غيبوبة وموت سريري وأصبح ينافس في ميادين الأصحاء! ليعذرنا (الاخوة) غير الطائفيين، إذا لم نتحمس كثيراً لاستجوابيهما، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ونحن مؤمنون، ولدغاتكم لا تزال علاماتها بادية على جسد «الأمة».
***
«تم إعفاؤه بناء على طلبه»، كثيراً ما سمعناها تتردد في نشرات الأخبار العربية، ويبدو أن العدوى أصابت إدارة المقر الرئيسي للجامعة العربية المفتوحة، فسببت إنهاءها لتكليف المدير الحالي بأنه تم بناء على طلبه. التفاصيل غير مهمة الآن، ونبارك لموظفي وطلبة الجامعة هذا الخبر السار، ونذكر الإدارة بأن أولى مهام المدير القادم يجب أن تكون إزالة «العك» الإداري الذي خلفه المدير السابق وإلا «لا طبنا ولا غدا الشر».
سعود عبدالعزيز العصفور
salasfoor@yahoo.com