| علي الرز |
عام 1995، قال المفوض السامي السوري في لبنان غازي كنعان إن القرار صدر بالتمديد للرئيس الياس الهراوي في رئاسة الجمهورية. وعندما سأله الرئيس عمر كرامي هل هذا القرار قراره أم قرار الرئيس حافظ الأسد؟ رد عليه بكلمات قاسية أنهاها بعبارة «ليس في سورية إلا قرار واحد».
تغيرت الأيام، وحل ابن درعا رستم غزالة مفوضا ساميا سوريا للبنان خلفا لكنعان الذي صار وزيرا للداخلية ثم انتحر بثلاث رصاصات في خضم التحقيق بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. قبل ذلك أعطى الرئيس بشار الأسد حديثا صحافيا جاء فيه ما معناه انه إذا كان أحد الضباط السوريين متورطا في جريمة قتل الحريري فهو يعتبر خائنا ويجب أن يحاسب، لكنه أعلن بعد ذلك موقفا جدد فيه البراءة المطلقة لسورية استنادا إلى نظرية «مركزية القرار» وخوفا من احتمال أن يفهم البعض تصريحه السابق بمثابة «فتح الباب» للتدرج الهرمي في المتابعة وتحديد المسؤوليات. وتشاء التطورات أن يوفد الأسد غزالة نفسه قبل أيام إلى درعا ليعزي باسمه بشهدائها ويقول إن الرئيس «يعتبر درعا مسقط رأسه وسيحاسب الذين قتلوا المدنيين».
تغيرت الأيام أكثر، واضطرت المستشارة الرئاسية الدكتورة بثينة شعبان للتأكيد مرتين في يومين أن الرئيس بشار لم يعط أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين. لغة جديدة لم تعرفها سورية من قبل تمهد في حال تطورت الأمور أكثر لمحاسبة من «تجرأ» وأخذ قرارا مصيريا من وزن إطلاق النار على مدنيين أبرياء... ومن تجرأ لابد أن تكون له مكانة الجرأة والقدرة في نظام لا تسقط شعرة من رأس مسؤول فيه إلا بإذن المسؤول الأكبر منه. مرتان في يومين أوحيتا أن قرارات الإصلاح تتخذ في مكان، وأن قرارات إطلاق النار وقمع المتظاهرين تتخذ في مكان آخر. مرتان ربما اعتبرتهما المعارضة السورية «تكتيكا» لإيجاد هامش مناورة للسلطة لكن حتى هذا «التكتيك» لا بد أن تكون له أثمان سواء على مستوى مواقف الحكم أو تحركات الشارع.
وانعكس التخبط في اتخاذ القرار على الإعلام الرسمي السوري الذي لا يوازيه في «الحرفنة» إلا الإعلام الليبي الرسمي. مرة تكون العصابة المسلحة بين المتظاهرين ومرة بين الأمنيين. مرة يسقط القتلى برصاص الأمن ومرة يسقط الأمن برصاص المتظاهرين. مرة القناصة هم من رجال الأمن ومرة من المواطنين. العالم كله يشهد تحركات في مختلف المدن والمحافظات، ومسؤولون سوريون يعترفون بسقوط قتلى وبخروج عشرات آلاف المشيعين وبحرق المتظاهرين مراكز حزبية وأمنية لكن وزير الإعلام السوري محسن بلال ينفرد بـ «سكوب» ويؤكد أن كل المدن والمحافظات «يسودها هدوء تام»... أما بقية الصحف والتلفزيونات «المستقلة مع النظام» فالضرب فيها حرام.
ويبدو أن القطاعات الفنية والثقافية والفكرية السورية التي اعتمدت الـ «مرايا»
لإيجاد ما أسمته «بقعة ضوء» تنتظر أيضا معرفة من اتخذ قرار إطلاق النار على المدنيين قبل الحديث عن تحركات الشارع السوري. لم يخرج ممثل أو فنان أو مخرج إلى الناس شاهرا رأيه، إيجابا أو سلبا، خوفا من اتهامه بمشاركة الناس مطالبهم أو خوفا من الناس لاحقا إن شارك السلطة منطقها راهنا.
وفي انتظار ترجمة وعد النظام باعتماد الشفافية والإعلان عمن اتخذ القرار بقتل المتظاهرين، يتمنى السوريون أن تنهار مملكة الرعب وتزحف بقعة الضوء المدنية على مختلف قطاعات النظام كي تصبح إدارات العسكر والأمن تحت قرارات السلطة السياسية وليس العكس.
Alirooz@hotmail.com