| علي الرز |
وصف بيان وزارة الداخلية السورية الذين اوقفوا خلال تجمع اهالي المعتقلين السياسيين ومن بينهم مفكرون وكتاب وناشطون بـ «المدسوسين». اعتقل هؤلاء «لاندساسهم» بين الناس وبدأ بعضهم اضرابا عن الطعام... خصوصا الناشطات «المدسوسات»، فيما كانت مناطق درعا تشتعل نتيجة قيام «مدسوسين» من رجال الامن (بحسب بيان رسمي سوري) بالطلب من افراد الشرطة اطلاق الرصاص الحي على متظاهرين، ونتيجة قيام «مدسوسين» داخل صفوف الغاضبين باحراق مقار حزبية وممتلكات عامة...
بل ذهب النائب عن درعا خالد العبود الى اتهام «المدسوسين» في مقدم التظاهرة بانهم هتفوا «حرية حرية».
قبل 15 مارس، كانت القراءة السورية الرسمية للتغييرات الشعبية في العالم العربي منسجمة تماما مع نظريات الدس والاندساس والدسائس، ففي تونس ثار الشعب «رفضا لصداقات الرئيس السابق زين العابدين بن علي» مع الغربيين رغم ان كل الشعارات، بدءا من احراق البوعزيزي نفسه وحتى اليوم، تمحورت حول رفض القمع الامني ومحاربة الفساد واستفادة الشلة المحيطة بالنظام من خيرات البلد وغياب الحرية والديموقراطية والمشاركة في السلطة والبطالة والفقر.
وفي مصر احتل المواطنون ميدان التحرير «رفضا لكمب ديفيد» حسب الرواية السورية الرسمية، رغم ان شعارات المتظاهرين هناك كانت تقريبا هي نفسها شعارات المتظاهرين التونسيين ورغم اعلان المجلس العسكري الحاكم التزامه معاهدات السلام مع اسرائيل.
وفي ليبيا، وما ادراك ما ليبيا، كان الموقف السوري الرسمي الاكثر حيرة، فهناك لا يمكن ان يقولوا كمب ديفيد او صداقات الغرب اضافة الى وجود جملة اتفاقات امنية واقتصادية بين البلدين، لذلك تاهت القراءة بين «رفض استخدام القوة المفرطة ضد الشعب» وبين «رفض اي تدخل خارجي لحل الازمة». اي بمعنى ادق ترك القذافي يقاتل المتظاهرين بطريقته مع بعض الأسى والأسف لسقوط ضحايا، وهذا ما برز في الموقف السوري في الجامعة العربية، فيما ذهب ليبيون الى اتهام سورية بأن طياريها شاركوا في قصف المدن التي سيطر عليها الثوار وارسلت اسلحة الى القذافي وهو الامر الذي نفته دمشق.
يمنيا، لم يستطع منظرو النظام السوري حتى الآن تحديد الفكرة التي سيخرجون بها... سيجدون شيئا انما خارج مسار مطالب الناس وتوقها الى الاصلاح والتغيير.
تعاطي النظام السوري مع احتجاجات الداخل بنظرية «المدسوسين» يدل على تشابه كبير ومستنسخ بين تعاطي الانظمة التونسية والمصرية واليمنية والليبية مع الاحتجاجات الداخلية. كل نظام قال ان بلاده لا تشبه البلاد الاخرى، وكل نظام كان يحمل كمية كبيرة من العجز عن التعامل مع المستجدات بلغة اخرى او رؤية اخرى. بينما الطريق الاقصر للتصالح مع الشارع هو تلبية مطالبه قبل ان تتدرج صعودا بفعل القمع والدم والكراهية.
اليوم هناك معتقلون سياسيون في سورية. احتجاجات. تظاهرات. دعوات الى الاصلاح والتغيير. وهناك قانون طوارئ وحضور امني في كل مفاصل الحياة العامة وتضييق على الحريات ووضع اقتصادي صعب، وهناك شلة مستفيدة من الحكم تسيطر على قطاعات استثمارية ومالية وتجارية كبرى، وهناك دعوة لقيام مجتمع مدني قادر على التعبير المسؤول بما يشكل ضمانة حقيقية للبلد من الانقسامات والتفرقة، وهناك ضرورة لوقف النظر الى كل كلمة في مقال او لقطة في تلفزيون او تجمع او ندوة او تظاهرة على انها خيانة للبلد او جزء من حملة تآمر او في اضعف الامور جهل بما يجري. وهناك حاجة الى ديموقراطية منبثقة من قوانين جديدة تنظم الحياة السياسية والحزبية والعملية الانتخابية... وبالتأكيد التأكيد لا يحتاج الشعب السوري الى نظرية «اما الواقع الحالي واما الفوضى» فهذه النظرية فيها ادانة للنظام نفسه اضافة الى ما فيها من انتقاص لوطنية الناس وحرصهم على بلدهم وأمنه واستقراره.
يبقى ان الادانة الاكبر في ما يحدث في سورية هي ادانة لجميع المثقفين والكتاب والمفكرين واعضاء هيئات المجتمع المدني العرب الذين تجاهلوا طويلا موضوع الدفاع عن معتقلي الفكر والتعبير بحجة الخوف او المصلحة او اليأس. هم يضربون عن الطعام ونحن نرفض حتى الاضراب عن الصمت... نحن «المدسوسون» الحقيقيون في عالم التضامن الانساني... المستقيلون من كلمة حرية... الخائفون من يقظة ضمير.
alirooz@hotmail.com