«الحريقة»


أكملت التظاهرة في منطقة «الحريقة» الدمشقية مشهد الحراك الشعبي العربي الذي غير تونس، وقلب مصر، وانتشر في المغرب والجزائر، ومر على العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية والسعودية وعمان والأردن، وزارنا في إطار الخصوصية الكويتية وجاورنا بحرقة في البحرين واشتعل في ليبيا واليمن... و... و...
حصريا في العالم العربي، بدأ الشباب تحركهم إما لفتح الآفاق السياسية والاقتصادية المقفلة في وجوههم وإما للمزيد من الإصلاحات والحريات والديموقراطية وإما... للتغيير. ولا يمكن لعاقل أن يربط أو حتى يفكر في ربط ما جرى ويجري بـ«المخططات والمؤامرات الأميركية الامبريالية الصهيونية» وإن كان يحلو لبعض القادة ذلك، فالشبان الذين يخرجون بصدور عارية أمام الهراوات والدبابات وقنابل الغاز والرصاص الحي ليسوا خونة ولا أغبياء ولا مغرراً بهم بل هم قمة الوطنية وحصنها... شهود على التغيير وشهداء أحياء وأموات عبّدوا بأجسادهم طريق العبور إلى الأفضل.
ومع ذلك علينا أن نتساءل عما جرى ولماذا جرى وكيف جرى وعن حصريته العربية حتى الآن ومستقبله ودور الآخرين ودورنا.
قبل أيام قليلة من بداية التظاهرات في تونس تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من منتدى المنامة (لاحظوا المكان) وكأنها ترسم خريطة طريق لما سيحدث. قالت بالحرف «إن الأمن الحقيقي ليس محصورا في غياب العنف. لكنه أيضا في وجود الفرص، مثل توافر فرصة الحصول على التعليم والعثور على عمل. والعيش في بيئة آمنة. وإمكانية الحصول على الأساسيات مثل الغذاء والماء والرعاية الصحية والمسكن. وهو أيضا فرصة المشاركة في صنع القرارات التي تشكل حياة الشخص ومستقبله وحرية الفرد في تكوين وجهة نظره والتعبير عنها». تحدثت عن ضرورة تنازل القادة للمجتمع المدني. عن تشجيع المرأة للمشاركة في كل جوانب الحياة العامة. عن حماية حقوق الناس والأقليات تحديدا واستقلال القضاء وحرية الصحافة، وعن حراك مرتقب للشباب الذين يتواصلون عبر شبكات الانترنت والفيسبوك وتويتر، محددة تعريفا واضحا لاستقرار الأنظمة: «الديموقراطية هي الشكل الأكثر استقرارا للحكم».
وإذا كانت كلينتون حذرت قبل أيام مما هو آتٍ، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان طلب في مذكرة رئاسية حملت عنوان «توجيهات رقم 11» (لاحظوا الرقم أيضا)، في أغسطس الماضي (لاحظوا التاريخ) إلى الوكالات الحكومية الاستعداد لتغيير مقبل في دول عربية. معددا ظواهر ما أسماه «أدلة على تنامي استياء المواطنين من أنظمتهم» في الشرق الأوسط.
ونعتقد جازمين أن غالبية المنظرين العرب الرافضين استخدام عقولهم إلا في ما شبوا عليه، سيربطون بين التحذير الأميركي وبين ما جرى ويجري وسيجري. وبغض النظر عن النيات الأميركية المصلحية والغبية تجاه المنطقة والتي يعرفها المواطنون الأميركيون قبل العرب، إلا أن بعض ما انكشف في ثورتي تونس ومصر هو الوقود الفعلي لما أتى وسيأتي.
حكام وشلة حولهم مستفيدة لا يسمعون سوى رأيها ولا يرون إلا ما يريدون. لا مجتمع مدنيا، ولا ديموقراطية، ولا استقلالية للقضاء، ولا تداول للسلطة، ولا احترام للدساتير بل أحيانا لا وجود للدساتير، ولا حريات إعلامية، ولا فرص عمل، ولا تنمية ولا آفاق مستقبلية. ثروات مكدسة في الخارج بأسماء الرؤساء والأبناء والعائلة والأصحاب والأصهار والمقربين ولا نعرف لماذا لا تكون هذه الأرصدة الضخمة باسم الدولة نفسها كصندوق لأجيالها؟ ثم ماذا أفادت الثروات الحكام غير الإدانة وحقد المواطن ودعاء الفقير؟
قمع وتضييق حريات ومصادرة الحقوق بحجة العدو الخارجي وعدم جواز ارتفاع صوت فوق صوت المعركة. موارد الدول تصادر كلها ويصرف جزء منها لتطوير الأجهزة الأمنية كي تتعامل مع أي احتجاج شعبي. القضاء يسخّر لخدمة الحاكم في بعض الدول والصحافة تسخّر للتطبيل له والدستور يغيّر كلما اقتضت المصلحة والحاجة، وفرص العمل أولياتها للأنصار والموالين، والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أعداء واضحون مارقون، ومواقف الناس وتحركاتهم خيانة وانتقاص وطنية.
للمرة المليون، لا أحد يريد للتغيير ان يكون معمدا بدم الضحايا والفوضى والانهيار والمزيد من تخلف الدول والمجتمعات، لكن أحداً أيضاً لا يمكنه أن يقف في وجه التغيير بحجة أن شبابه هم وقود مخطط أميركي امبريالي صهيوني. ويا ليت الحكام العرب قرأوا ما كتبته سياساتهم على وجه بلادهم وشعوبهم قبل أن تقرأه أميركا وغيرها لكنا وفرنا وقود الحريقة التي تكبر من المحيط إلى الخليج... ولا يزيدها قمع السلطة سوى اشتعال.
جاسم بودي
حصريا في العالم العربي، بدأ الشباب تحركهم إما لفتح الآفاق السياسية والاقتصادية المقفلة في وجوههم وإما للمزيد من الإصلاحات والحريات والديموقراطية وإما... للتغيير. ولا يمكن لعاقل أن يربط أو حتى يفكر في ربط ما جرى ويجري بـ«المخططات والمؤامرات الأميركية الامبريالية الصهيونية» وإن كان يحلو لبعض القادة ذلك، فالشبان الذين يخرجون بصدور عارية أمام الهراوات والدبابات وقنابل الغاز والرصاص الحي ليسوا خونة ولا أغبياء ولا مغرراً بهم بل هم قمة الوطنية وحصنها... شهود على التغيير وشهداء أحياء وأموات عبّدوا بأجسادهم طريق العبور إلى الأفضل.
ومع ذلك علينا أن نتساءل عما جرى ولماذا جرى وكيف جرى وعن حصريته العربية حتى الآن ومستقبله ودور الآخرين ودورنا.
قبل أيام قليلة من بداية التظاهرات في تونس تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من منتدى المنامة (لاحظوا المكان) وكأنها ترسم خريطة طريق لما سيحدث. قالت بالحرف «إن الأمن الحقيقي ليس محصورا في غياب العنف. لكنه أيضا في وجود الفرص، مثل توافر فرصة الحصول على التعليم والعثور على عمل. والعيش في بيئة آمنة. وإمكانية الحصول على الأساسيات مثل الغذاء والماء والرعاية الصحية والمسكن. وهو أيضا فرصة المشاركة في صنع القرارات التي تشكل حياة الشخص ومستقبله وحرية الفرد في تكوين وجهة نظره والتعبير عنها». تحدثت عن ضرورة تنازل القادة للمجتمع المدني. عن تشجيع المرأة للمشاركة في كل جوانب الحياة العامة. عن حماية حقوق الناس والأقليات تحديدا واستقلال القضاء وحرية الصحافة، وعن حراك مرتقب للشباب الذين يتواصلون عبر شبكات الانترنت والفيسبوك وتويتر، محددة تعريفا واضحا لاستقرار الأنظمة: «الديموقراطية هي الشكل الأكثر استقرارا للحكم».
وإذا كانت كلينتون حذرت قبل أيام مما هو آتٍ، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان طلب في مذكرة رئاسية حملت عنوان «توجيهات رقم 11» (لاحظوا الرقم أيضا)، في أغسطس الماضي (لاحظوا التاريخ) إلى الوكالات الحكومية الاستعداد لتغيير مقبل في دول عربية. معددا ظواهر ما أسماه «أدلة على تنامي استياء المواطنين من أنظمتهم» في الشرق الأوسط.
ونعتقد جازمين أن غالبية المنظرين العرب الرافضين استخدام عقولهم إلا في ما شبوا عليه، سيربطون بين التحذير الأميركي وبين ما جرى ويجري وسيجري. وبغض النظر عن النيات الأميركية المصلحية والغبية تجاه المنطقة والتي يعرفها المواطنون الأميركيون قبل العرب، إلا أن بعض ما انكشف في ثورتي تونس ومصر هو الوقود الفعلي لما أتى وسيأتي.
حكام وشلة حولهم مستفيدة لا يسمعون سوى رأيها ولا يرون إلا ما يريدون. لا مجتمع مدنيا، ولا ديموقراطية، ولا استقلالية للقضاء، ولا تداول للسلطة، ولا احترام للدساتير بل أحيانا لا وجود للدساتير، ولا حريات إعلامية، ولا فرص عمل، ولا تنمية ولا آفاق مستقبلية. ثروات مكدسة في الخارج بأسماء الرؤساء والأبناء والعائلة والأصحاب والأصهار والمقربين ولا نعرف لماذا لا تكون هذه الأرصدة الضخمة باسم الدولة نفسها كصندوق لأجيالها؟ ثم ماذا أفادت الثروات الحكام غير الإدانة وحقد المواطن ودعاء الفقير؟
قمع وتضييق حريات ومصادرة الحقوق بحجة العدو الخارجي وعدم جواز ارتفاع صوت فوق صوت المعركة. موارد الدول تصادر كلها ويصرف جزء منها لتطوير الأجهزة الأمنية كي تتعامل مع أي احتجاج شعبي. القضاء يسخّر لخدمة الحاكم في بعض الدول والصحافة تسخّر للتطبيل له والدستور يغيّر كلما اقتضت المصلحة والحاجة، وفرص العمل أولياتها للأنصار والموالين، والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أعداء واضحون مارقون، ومواقف الناس وتحركاتهم خيانة وانتقاص وطنية.
للمرة المليون، لا أحد يريد للتغيير ان يكون معمدا بدم الضحايا والفوضى والانهيار والمزيد من تخلف الدول والمجتمعات، لكن أحداً أيضاً لا يمكنه أن يقف في وجه التغيير بحجة أن شبابه هم وقود مخطط أميركي امبريالي صهيوني. ويا ليت الحكام العرب قرأوا ما كتبته سياساتهم على وجه بلادهم وشعوبهم قبل أن تقرأه أميركا وغيرها لكنا وفرنا وقود الحريقة التي تكبر من المحيط إلى الخليج... ولا يزيدها قمع السلطة سوى اشتعال.
جاسم بودي