الليبيون وليس تويتر!

تصغير
تكبير
مع دخول ثورة الشباب الليبي وقبلها الشباب المصري والتونسي يكثر الحديث عن دور وسائل الاتصال التكنولوجية في تأجيجها وحشد المناصرين لها.

إنه تويتر إذاً، او المسنجر والفيسبوك أو يو تيوب، أو غيرها من وسائط التواصل الإلكترونية... هكذا يراد لنا ان نصدق وهكذا يراد لتحرك هو الأكبر منذ 42 عاما أن يختصر. والمضحك المبكي في الأمر أن دولا كثيرة صدقت ذلك وقررت إما أن تحجب الإنترنت وإما أن ترفع الحجب عنه ظنا منها أن ذلك سيساعد في تهدئة الخواطر وتبريد المشاعر وتخفيف المطالب.

ومع الاحترام الكامل للغة العصر، والانحناء أمام العباقرة الذين جعلوا العالم قرية واحدة وساهموا في فك القيود الإعلامية، إلا أن الوسائط الإلكترونية يمكنها أن تبقي الناس على تواصل ولا يمكنها ان تبلور لهم مطالبهم وساعة الصفر للتحرك والقدرة على الصمود والحشد.

لا تقل «تويتر» و«فيسبوك» و«الانترنت» بل قل هم شباب ليبيا وشاباتها. هم نصف الحاضر وكل المستقبل. هم العنصر الذي لم تستوعب الأنظمة العربية حتى الآن أنه يشكل الثروة الحقيقية التي إن تم تجاهلها ستصبح فقرا وبطالة وأزمات اجتماعية واقتصادية تترجم لاحقا انهيارا للأمن والاستقرار.

هؤلاء الشباب الذين وجدوا أبواب العمل موصدة وأبواب الأمل مقفلة وأبواب المشاركة في السلطة شكلية وأبواب التغيير معدمة... هؤلاء يحبون بلدهم أكثر من أي عضو «لجنة شعبية» وصل الى مقعده بالتملق للنظام، ومن أي وزير وصل الى مقعده لخدمة من أوصله لا لخدمة البلد، ومن أي مسؤول رضي بالصمت حرصا على النفوذ والسلطة ورضا «القائد» و«لقمة العيش».

هؤلاء الذين ينامون في العراء يغطون عمليا سقف دولتهم. يعبرون عن رفضهم للتهميش وللإقصاء. يكشفون باللحم الحي جريمة الصمت الدولي التي اتضح أنها تنحاز للمصالح لا للمبادئ... «شوية جرذان» قال عنهم العقيد القذافي عندما تحركوا من أجل التغيير، أو «شوية فئران وكلاب ضالة» او «قاعدة واخوان مسلمين». التهم جاهزة ومعلبة وكذلك التصنيف، بمعنى ان هناك من يحب ليبيا وهم السلطة وما بقي من رموزها وهناك «الشوية دول» الذين يجب ألا يعترضوا لا على غياب الدستور، ولا على الفوضى والفساد والسرقات والتدمير المبرمج للدولة، ولا على مجازر جماعية، ولا على حروب إبادة، ولا على قمع تحركاتهم وقصف المحتجين بالطيران والمدفعية، ولا على تردي الحالة الاجتماعية وازدياد الفقر والبطالة، ولا ولا ولا...

هؤلاء الشباب هم حصن الدولة ويجب أن تكون حضنهم، لا في ليبيا فحسب بل في كل دولة عربية. تندروا عليهم في الجزائر واسموهم «الحيطيست» نسبة الى وقوفهم كل النهار قرب الجدران بلا عمل... فإذا بإحباطهم يتفجر في كل الاتجاهات وإذا بالجماعات المتطرفة تملأ الفراغ واذا ببعض «الحيطيست» يحرقون قرى بأكملها ويرتكبون أبشع المجازر.

نحتاج الى الانترنت. الى تويتر. الى فيسبوك. الى مسنجر... إنما للوظيفة التي وجدت من أجلها وهي التواصل الاجتماعي والاستكشاف واختصار البحث، ولا نريد أن نبقى في زمن يمجد هذه الوسائط الالكترونية كونها تكشف قمعا أو انتهاكا لحقوق الإنسان، لأن على الأنظمة العربية أن تعود إلى جوهر الشرائع والقيم والأخلاق والمبادئ، وتمتنع نهائيا عن القمع والانتهاكات والفساد والإفساد، وتشرع النوافذ أمام الحريات والديموقراطية والمشاركة الحقيقية في السلطة، وتفتح أبواب العمل والأمل أمام الشباب لأنهم ثروتها الحقيقية ومستقبلها وصمام الأمن والأمان والاستقرار.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي