علي الرز / لن يتطلع لن يقبل

تصغير
تكبير

|   علي الرز   |

لم يكن خطأ مطبعيا تكرار الزعيم الكوبي فيدل كاسترو جملة في بيان التنحي عن رئاسة كوبا وقيادة القوات المسلحة، فهو تعمد التكرار كي يصدق شعب فقد الامل في التغيير بان بداية ما في الطريق.

قال كاسترو لمواطنيه «الاعزاء» انه يكتب «لأقول إنني لا أتطلع ولن أقبل، وأكرر لا أتطلع ولن أقبل منصبي رئاسة مجلس الدولة ورئاسة أركان الجيش».

لن يتطلع ... بعد خمسين عاما لم يكن في كوبا سواه ولم تحمل جدران هافانا غير صوره ولم تتكحل افكار الطلاب الا بمناهجه. كان اكثر من رئيس واعظم من زعيم. نوع غريب عجيب من عشاق سلطة رأوا في انفسهم اصحاب رسالة تتجاوز بكثير حدود بلادهم فعلبوها في حقيبة عليها صورهم واسروها بين اياديهم او ايادي المقربين الذين امتهنوا حمل الحقائب.

لن يتطلع... وهو الذي «انتصر» على الولايات المتحدة مدة خمسين عاما. شغلها بتأميم النفط وشركات الفاكهة وصواريخ خليج الخنازير وسياسة المحاور وتوتير «الحدائق الخلفية» ودعم جميع «الثوار» من المكسيك حتى الارجنتين. كان الانتصار بالنسبة اليه يعني البقاء في السلطة مهما وجدت حاجة الى التغيير او تصاعدت المعارضة او تمرد عليه الوضع الصحي. كاسترو في السلطة كوبا منتصرة.

ثم قال مرتين «ولن اقبل»، مصرا على مواصلة الاستهزاء بمن لم يغسل عقولهم. فهو كان «يقبل» في السابق رأي الكوبيين لكنه الآن سيرفض اي اعتراض منهم على تنحيه... سيضطر القائد العظيم الى خيانة مبادئه الديموقراطية ويمشي عكس التيار الشعبي هذه المرة. سيتألم كثيرا عند رؤية حشود الحزب الحاكم تحت شرفة غرفته في المستشفى التي أدار منه بمساعدة شقيقه راوول السلطة منذ 19 شهرا لكنه لن يقبل اي مناشدة للعودة عن قراره ولو انتحر بعض المريدين.

ومن الطبيعي ان ينهي كاسترو سلطته التنفيذية بعبارة «لن اقبل»، فهذا النوع من الرجال يتوعك صحيا الف مرة في اليوم اذا طلب منه الكوبيون او المؤسسات والنخب السياسية ان «يقبل» التنحي، وهذا النوع من القادة هو الذي يقرر متى يتنحى وكيف وأين، ولا ينتظر رأيا من احد، بل لا يرضى بغير المناشدة بالبقاء.

اليوم قال انه لن يتطلع ولن يقبل. كف يديه عن السلطة المباشرة وسيغمض عينيه قريبا على انتصار. انما اي انتصار؟

ما شهدته كوبا في الاعوام الخمسين الماضية من انتهاك للحريات وتدمير ممنهج منظم لمقومات الدولة لا يمكن مقارنته باي عهد بما في ذلك عهد الفساد والقمع الذي وسم حكم الرئيس السابق باتيستا. فاعداد الذين اختفوا على يد زوار الفجر لم يعد في الامكان عدهم، واعداد القوانين التي فصلت على قياس الحزب وقيادييه وعلى رأسهم اقارب فيدل نفسه اصبحت خارج الاحصاء ايضا، وارقام العجز الاقتصادي والتخلف التنموي والتراجع الاجتماعي هي غيرها ارقام السلطة.

 كل ما كان يقوله في خطابات الساعات الست والسبع هو الدستور. يخاطب جمهورا فقيرا مقهورا مقموعا لا حول له ولا قوة عن العزة والانتصار والكرامة وتمريغ انف اميركا في التراب، ثم تخرج تقارير المؤسسات الدولية محذرة من بقاء الكوبيين تحت خط الفقر ومن تزايد البؤس خصوصا في الارياف.

لن يتطلع ولن يقبل. يتطلع الى سيجاره الفخم الذي حرم من حرقه، ويقبل بحرقة تسليم السلطة الى برلمانه المشكل من حزبه كي ينتخب ربما شقيقه راوول او اي رفيق يشبه راوول.

قبل خمسين عاما، عاد الى سواحل بلاده من المكسيك على متن قارب شراعي. ليته يحصي عدد الذين غادروا سواحل كوبا الى سواحل «العدوة» اميركا على متن القوارب الشراعية والبدائية والواح الخشب وصفائح التنك، ليدرك ان قوات خفر السواحل الكوبية التي تطلق النار على الهاربين من جنة الرفاق هي التي حافظت على اسم كوبا ومنعت تغييره... الى فلوريدا.

لن يتطلع ولن يقبل... ليته تطلع الى رغبة الكوبيين في حياة حرة كريمة، وقبل دعوتهم الى التغيير منذ عقود.


alirooz@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي